20 ذو القعدة 1436

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا سيدة أبلغ من العمر 24 سنة، وزوجي عمره 36 سنة، وقد بدأت مشكلتي معه قبل سنة حين تزوجنا، حيث لم أستطع أن أحبه من أول يوم زواج، فهو رجل متفتح جدا، وتفكيره كتفكير رجل أوربي في كل شيء حتى في الأمور الدينية والدنيوية ومتساهل في صلاته، وخلال شهر العسل لما سافرنا إلى إحدى الدول استغربت من تصرفاته، فقد كان يلاطف النساء ويشجعني على التبرج وسماع الأغاني، ويأخذني إلى أماكن لا تليق، ويسمح للرجال بالتعامل معي، كما اكتشفت بوجود تشوه في جسمه بسبب عملية تكميم المعدة وقص جلده المترهل نتيجة النحافة وعندما عدنا ذهبت لبيت أهلي وأخبرتهم بكل شيء، وأنني أنوي الانفصال عنه، ولم يعترضوا في البداية على قراري، وبعد أسبوع حدثتني والدتي ونصحتني بأن أعود إليه، وأنه ليس من السهل أن يشاع عني مطلقة، فتحملت الأمر لأجل أن أرضيها، إلا أنني صرت أكرهه بشدة وأدعو الله بأن يخلصني منه وأن يرحمني من اتخاذ قرار الانفصال رحمة بوالدتي، وأصبحت مهمومة جدا وأكره النظر إلى وجهه، وإذا خرج من المنزل أدعو الله أن لا يعود وإذا نام أن لا يستيقظ وأشعر بالرغبة بالبكاء قبل كل "معاشرة" من شدة كرهي له، إلا أنني لم أكشف له عن مشاعري تجاهه، وحاولت أن أتظاهر بأنني طبيعية معه، وأقنع نفسي بأنني سأحبه بعد العشرة ومرور الأيام، ولكن كرهي له يزيد كل يوم، ومع ذلك لا أستطيع البوح بشيء لوالدتي حتى لا أضايقها برغبتي بالطلاق، خاصة وأنا أراها سعيدة بزواجي وتتباهى بصور زفافي، وأقسمت بالله أن لا أكسر فرحتها وأكتم همي، وأتحمل لعل الله يصبرني ويعوضني، فالرجاء أن تنصحوني بما علي أن أفعله لأتخلص من معاناتي الشديدة..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي الكريمة، أشكر لك ثقتك وطرحك لمشكلتك بهذا التفصيل والوضوح والصراحة، وحسب ما ورد في رسالتك يمكن أن ألخص أسباب معاناتك فيما يلي:
- أنت متزوجة منذ سنة تقريبا إلا أنك لم تشعري خلال هذه الفترة بأي مشاعر مودة أو حب أو ميل عاطفي لزوجك..
- افتقاد زوجك لصفات الرجل الذي كنت تحلمين به وللمميزات التي قد تولِّد لديك نوعا من أنواع الانجذاب النفسي أو الغريزي..
- عجزك عن اتخاذ القرار الحاسم لحَلِّ مشكلتك مع زوجك أو الانفصال عنه ومواجهة واقعك والتعايش معه..
- إحساسك بالضيق والاكتئاب النفسي، والكره الشديد لزوجك، والرغبة في الخلاص منه بأية طريقة للهروب من مواجهة والدتك بالحقيقة برًّا بها وحفاظا على سعادتها..
وهذا يدعوني لأطرح عليك - أختي الكريمة - مجموعة من الأسئلة كي تتضح لك بعض أسباب معاناتك:
- بغضِّ النظر عن كلِّ العيوب التي ذكرتِيها في زوجك، هل قصَّر يوما في حقوقك الزوجية، أو انتهك حقًّا من حقوقك المادية أو المعنوية أو النفسية أو الجسدية؟؟
- هل زوجك يؤذيك بأيِّ شكلٍ من أشكال الضَّرَر الظَّاهر كانتهاك كرامتك كزوجة، أو خيانتك في علاقة محرمة، أو إهانتك بالكلام كالسبِّ والشَّتم أو الضَّرب أو التعذيب الجسدي مثلا؟؟
- هل لديه تصرُّفات مخِلَّة بالآداب والأعراف والتقاليد الاجتماعية، أو لديه انحرافات في السلوك أو شذوذ منكر يسيء إليك؟؟
بعد أن تجيبي على هذه الأسئلة بـ "نعم" أو "لا" قومي بالعدِّ والإحصاء للمحاسِن والأخطاء للموازنة بين كفَّة الجانب الإيجابي والسلبي في شخصية زوجك، والخروج بتقويم عادل ومنصف على أساسه يمكنك الحكم عليه بصورة صحيحة..
ثم بعدها قارني بينك وبينه ومن منكما يمتلك من الإيجابيات والسلبيات أكثر من الثاني، وكوني منصفة في الموازنة بينكما، حتى لا تعيشي حياتك بوهم كبير وتتقمَّصي دور الضحية ويظل زوجك هو المتهم الوحيد، فتصبح معاناتك النفسية مرتبطة بتصرفاته وأفعاله وأقواله بمعزل عنك، وكأنَّ الخطأ لا يصدر إلا عنه في كل الحالات والصواب لا يصدر إلا منك في كل الحالات..
وكما نلاحظ فإن كثيرا من البيوت قد انهارت لأسباب تافهة، ولأن طبيعة كل من الزوجين تختلف عن الثاني، وليس العيب في هذا الاختلاف الموجود بينهما إنما العيب في رفضهما لوجوده والتأقلم معه، وعدم استعدادهما لبناء حياة زوجية مستقرة وإن كانت مختلفة عن حياتهما التي اعتادا عليها داخل أسرتيهما، أو لقصورهما عن تحمل أعباء الزواج ومشاكله..
ولهذا أنصحك - أختي الكريمة - بما يلي:
أولا: ثقي بأن حياتك الزوجية قد تكون في بدايتها شقاء وضنكا ويُخَيَّل لك بأنها حياة كلها مَرَار وعذاب لن ينتهي، وهذا خطأ لأن معاناتك لن تستمر للأبد للأسباب التي ذكرتِيها في رسالتك، خاصة وأنك في السنة الأولى مِن زواجك فما زلت في بداية شقِّ الطريق ووضع لبنات الأساس، والبناء يحتاج إلى بذل الجهد والتعب ووقت كافٍ كي يشتدَّ ويتماسك، ويمتزج الخليط بالخليط المختلف عنه في أجزائه ومكوِّناته، فأنت تعانين خلال هذه المرحلة من صدمة الرفض لذاك الشخص الغريب عنك، والجديد في حياتك وعالمك، وقلبك، وتفكيرك، والمختلف عن طباعك، وعاداك، وأفكارك، ومشاعرك..
وبالتالي فأنت بحاجة إلى فترة أطول حتى تتأقلمي مع زوجك داخل البيت الواحد وحتى تكوِّني أبناء وأسرة واحدة، وبعدها سيتحقق الانسجام والوئام والتآلف والتوافق بينكما، وستعتادان على نقاط القوة والضعف في شخصية كلٍّ منكما، وستُفَكُّ تلك الشَّفرة السرية وتحصلان على مفتاح السعادة الزوجية، وإيجاد قواسم مشتركة تجمع بينكما وتصل حبل المودة والرحمة والسكن، وتُشعِر كلاًّ منكما بالدِّفء، والأمان، والسلام النفسي والعاطفي..
ثانيا: قد يكون زوجكِ نشأ وتربى وتعلم في بيئةٍ مختلفة عن بيئتك، ولهذا اكتسب بعض الصفات والعادات المختلفة عنك، أما ميله إلى شخصية الرجل الأوروبي فهي لا تتعدَّى عقدة الإعجاب بتلك الشخصية المتحرِّرة من القيود، إنما هو بالأصل ما زال محافظا على الفكر والثقافة والهُوية العربية، وإلا ما الداعي ليصلي أصلا مع أنه مقصِّر بحقِّها، كما كان بإمكانه أن يختار الزواج بأجنبية في حين فضَّل الزواج بامرأة عربية مسلمة، واختارك أنت تحديدا دونًا عن بقية النساء اللاتي يلاطفهن بالكلام، فلا تحجِّري على نفسك واسعا، وتضيِّقي أركان حياتك الرَّحبة، وتحرمي نفسك وزوجك من التلذُّذ بالسعادة الزوجية والتمتع في الحلال..
ثالثا: على الرغم مما تعانين منه وما تشعرين به من الكراهية اتجاه زوجك، فأنت لم تذكري في رسالتك أيَّة وقائع أو أحداث أو تصرُّفات مشينة من طرفه تسيء إليك أو تؤذيك، باستثناء طبيعة شخصيته المتحررة والتي تشبه شخصية الرجل الأوربي، فالواجب عليك أن تتخلصي من مشاعرك السلبية لأنها ستسيء إليك وإلى حياتك مستقبلا، وأن تواجهي المشكلة بالبحث عن حلول لها وليس بالهروب من تحمل المسؤولية، وأن تغيِّري من نظرتك لزوجك فهو حتما ليس سيئا في كل شيء ولا مشوَّها في كل شيء، كما أنك لا تجمعين كل المحاسن والخلال ولا خالية من كل المساوئ والعيوب..
رابعا: جرِّبي أن تبدئي صفحة جديدة بفهمٍ مختلف عن السابق لطبيعة الحياة الزوجية، وبتفكيرٍ إيجابي، يمنحكِ إحساسًا تتنفَّسين من خلاله عبير الجمال، وخفقانَ الحبِّ الصَّادِق الخالي من كل كراهية لزوجك، ونبضات العطاء بلا مقابل، وجرِّبي أن تغيِّري اتِّجاه دفَّة مركبك خارج العاصفة وبعيدا عن الأمواج العالية فهذا سيفتح أمامك آفاقا لحياة أفضل وأجمل..
فعلى قدر ما نشعر بالشَّقاء والتعاسة نملك كذلك أن نشعر بالفرح والسعادة، وهذا التغيير في الشعور لا يتحقق إلا في اللحظة التي نتخلص فيها من نظرتنا المشوهة للأشياء والأشخاص، فمن أسباب معاناتنا نظرتنا الثابتة التي لا تتغير، ولأننا نرفض ان نستخدم منظارا غير المنظار الأسود، ولا نرى من الكوب إلا النصف الفارغ لا الممتلئ والنصف الأسود لا الأبيض..
وما أجمل قول الشاعر:أيها الشاكي وما بك داء.. كن جميلا ترىَ الوجود جميلا
وقول آخر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدي المساويا
خامسا: لا تجعلي همَّك أكبر وأضخم من حجمه القياسي، وأثقل من وزنه العادي، فتضيق عليك الحياة كما ضقتِ بهذه المشاعر التي تجتاحك، فخفِّفي من الملح والحار في مشروب حياتك وحلِّه بالشهد والسكر كي تحلو لك الحياة، وتخلصي من التفكير في العيوب وافسحي مكانا يتَّسع للتفكير في المحاسن، وادفعي السيئات بالحسنات تمْحُها، ودَعي مصبَّات الخير تروي الظمأ، وتطهر مجاري الشر..
سادسا: إن ضقت بزوجك وكرهت العيش معه لسبب مبرَّر أو غير مبرَّر، فربما هو أيضا يكره من طباعك وشخصيتك وسلوكك العام أشياء لا يكشفها أمامك حفظا لكرامتك وصونا لمودَّتِك، وصبرا على عشرتك، وما أدراك بما يحمله في قلبه وما يعلمه من أحوالك وتصرفاتك وشكلك ومظهرك مما يسوؤُه ويخفيه، وهو أعظم وأكبر مما يسوؤُك..
فالحكمة أن الحياة الزوجية تستمر بالتغاضي والتغافل والتغابي أحيانا، وليس بالحب تدوم العشرة حتما، إنما بالعشرة يولد الحب ويستمر..
ثامنا: لقد أهدرتِ سنة في الكره وتمثيل دور الزوجة، فجرِّبي أن تكوني زوجة حقيقية بلا تقمص أدوار لا تمثل شخصيتك وافسحي مكانا داخل قلبك ووجدانه لعاطفة الحب، والمودة، والرحمة، وكما قرَّرتِ أن لا تنفصلي عنه لإسعاد أمك وإرضائها وأرغمت نفسك على العيش معه لأجلها، ما المانع أن تقرِّري أن تمنحي زوجك عاطفةً قلبيَّة وشعورا إنسانيا، وما المانع أن تعيشي الحياة معه وتخصِّصي له دعاء بالهداية والصلاح وأن يُؤْدَم بينكما ويزرع المودة بينكما ويرزقكما بالذرية الصالحة فتؤجري على ذلك، بدل أن تخصِّصي دعاءا عليه بالموت والخلاص منه وترتكبي وزرا وحراما، وبدل أن تجعلي من لقاء زوجك لقاء العدو لعدوه فتنتابك المخاوف والرغبة بالبكاء وصدِّه من داخلك، جرِّبي أن تنسجمي معه بقلبكِ وروحك وكيانك بالكامل لا بجسدكِ فقط..
تاسعا: اُخرجي من خندق اللوم والعتاب والشكوى والتأفُّف من مشكلتك، وابدئي في السعي نحو التغيير للأفضل في شخصيتك وتعاملك، واجتهدي في تقديم محاولات للتقرُّب من زوجك، وفهم شخصيته، والتكيُّف مع طباعه، وشاركيه الحديث، وانْسجمي مع اهتماماته، ورغباته، وميولاته، وعوِّديه على طريقتَكِ وأسلوبكِ، والاهتمام بشؤونك، وعرّقيه بما تحبين وتكرهين، وعوِّديه على ذوقك واختياراتك، وكما وافقت على الزواج منه والاستمرار بالعيش معه باختيارك وقرارك، عليك بطاعته وإرضائه بالمعروف، حتى تكسبينه وتكسبين نفسك معه..
وفي الختام..
أختي الكريمة.. أنت لست مجبرة على أن تتعاطفي مع والدتكِ لأجل إسعادها على حساب سعادتك وسعادة زوجك، فالقرار قرارك والاختيار اختيارك بمفردك، والمشكلة ليست مشكلة أمك إنما المشكلة تكمن في خوفك من مواجهة الحقيقة والواقع، وشعورك بالرافض لهذا الزوج منذ البداية، في حين أن الصواب أن تفكري في قيادة مشاعرك والتحكُّم فيها بقرار من عقلك لا بقرار من أي طرف آخر، فإذا كان هذا الشعور ثابتا لا يتغير فهنا احسمي أمرك بالانفصال إن كان هذا هو الحل الوحيد والأمثل في حالتك..
إنما لا مانع أن تمنحي نفسك فرصة جديدة للتفكير، وثقي بأنك لن تخسري شيئا لو جربت أن تُقدمي تضحيات لهذا الزوج لإسعاده، وعلى قدر ما تبذلين لأجله من عطاء ستحصلين عليه أضعافا، فالجزاء من جنس العمل، وتحلّي بالصّبر ففيه الخير والنفع والثواب والأجر بغير حساب، وعليكِ بالدّعاء والاستغفار ففيهما مناعة وتحصين للنفس..
أسأل الله العلي القدير أن يفرج همّكِ وييسر عسرتك ويختار لك ما فيه الخير والسعادة إن شاء الله..