11 جمادى الأول 1436

السؤال

إلى شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: كتبتم ـ جزاكم الله خيرا ـ فتوى مباركة في معالجة فتنة الإلحاد التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية، نسأل الله العافية، ويعلم فضيلتكم أن هذه الفتنة السوداء كثر انتشارها في أوساط المبتعثين من الشباب إلى بلاد الغرب الكافرة، فلعل فضيلتكم يكتب عن خطورة الابتعاث، لاسيما على المبتعثين للحصول على الليسانس، ولعلكم تكتبون حول ترشيد الابتعاث ودراسة وضعه، بعد أن تبينت مخاطره الفكرية والأمنية والسلوكية، فعسى أن يكون لكلمتكم صدى لدى المسؤولين وعند ولاة الأمور، فتوضع الضوابط، ويحفظ على الأمة شبابها الذين هم مصدر قوتها؟ نفع الله بعلمكم.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أمابعد:
فإن الابتعاث أصبح مصطلحا في المؤسسات والدوائر التعليمية وغيرها يراد به إرسال منسوبيها من الطلاب والموظفين للدراسة في الدول الخارجية من عربية وغير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، وهذه الدول تتفاوت في نصيبها من هذه الإرساليات حسب الأسباب الداعية لاختيارها، وكلهم يتنافس في الحصول على أكبر عدد من أولئك المبتعثين؛ لما يؤملونه أو يعلمونه من مردود اقتصادي، وهذا هو الهدف المشترك بين جميع الدول المختارة لدراسة المبتعثين فيها، وحظ كل دولة من تحقيق هذا الهدف بحسب الأعداد الوافدة إليها من الدارسين، فهؤلاء الدارسون ينظر إليهم كسائحين، من حيث اعتبارهم موردا اقتصاديا، أما أسباب اختيار الدولة المبتعث إليها، فهي أمور:
1. العلاقات الدبلوماسية.
2. القوة السياسية.
3. السمعة الحضارية والعلمية.
والهدف المعلن من برامج الابتعاث تأهيل المبتعثين، أو سد النقص الذي عندهم في التخصصات المطلوبة منهم، مما تحصيله ضروري للبلاد، ولا يمكن تحقيقه في الجامعات المحلية، هذا هو الأصل في المقصود من الابتعاث، والذي يجب أن يكون، ولكن الابتعاث في أكثر الأحيان لا يراعَى فيه ذلك. مما يجعل الابتعاث غاية لا وسيلة، والدليل على ذلك أمور:
الأول: التوسع الكبير في التخصصات المطلوبة للمبتعثين، والتي كثير منها لا تحتاج إليه البلاد، أو يمكن تحصيلها في جامعات المملكة.
الثاني: التساهل في شروط الترشيح للابتعاث، وشروط القبول للمتقدمين.
الثالث: فرض الابتعاث على من لا يرغب فيه؛ لأسباب اختيارية أو اضطرارية، مع إمكان تحصيل التخصص في الجامعة نفسها، أو غيرها من جامعات الداخل. حتى بلغ الأمر في الإلزام للابتعاث إلى تخيير الطالب بين القبول أو الفصل أو الإحالة إلى عمل آخر، مما يضطره إلى طلب الوساطات لإعفائه من الابتعاث، وقبول الدراسة في الداخل. وفي كثير من الأحيان لا تجدي تلك الوساطات أمام إصرار المسؤولين.
الرابع: وهو من العجب، شمول الابتعاث لذوي التخصصات الشرعية، وعلوم اللغة العربية!
الخامس: وهو أعجب، وهو شمول الابتعاث للنساء من الطالبات وغيرهن.
السادس: التهاون في متابعة المبتعثين فكريا وخلقيا وسلوكيا، وآثار ذلك لا تخفى، ولعل من أسباب ذلك كثرةَ أعداد المبتعثين.
هذا؛ ولا بد من التنبيه والتنويه بهدف الكفار والمنافقين من المبتعثين، وهو التغريب والتغيير؛ التغريب لمجتمعهم، بتغيير أفكارهم وسلوكهم، وزعزعة عقيدة الولاء والبراء في نفوسهم، وغرس الإعجاب بدول الغرب الكافر، وهذا أهم هدف للدول الكافرة للحصول على أكبر عدد من المبتعثين.
ويندرج في هذا الهدف كل المفاسد المترتبة على الابتعاث التي من أجلها أفتى العلماء بتحريم الابتعاث، وقصره على التخصصات الضرورية، مع العناية بالشروط المعتبرة في المرشح للابتعاث، ومن ذلك ما جاء في قرار كبار هيئة كبار العلماء في المملكة برقم 88 وتاريخ 11/11/ 1401هـ، ونقتطف منه ما يتعلق بابتعاث البنات، ونصُّه: "منع ابتعاث البنات للخارج منعًا باتًّا لا استثناء فيه"أهـ.
ومن المنكر العظيم التوسعُ في السنوات الأخيرة في الابتعاث حتى صار عدد المبتعثين يقدر بمئات الألوف، وفيهم أعداد كثيرة من البنات.
فعلى المسؤولين أن يتقوا الله في الأمانة التي حمَّلهم الله، فليعيدوا النظر في أمر الابتعاث، ويوقفوا مدَّه بتضييق شروطه، ويلغوا ابتعاث البنات مطلقا، لينقذوا الأمة والمبتعثين من مخاطر هذا الطريق، كما نذكِّر ولاة الأمور وفقهم الله بنعم الله التي مِن شكرها سد أبواب الشر عن الأمة في دينها وأخلاقها، فبذلك يحمدون العاقبة، وينجون من التبعة، ويأمنون يوم المقام بين يدي الله، يوم يُسألون، وأحزم الناس من اتقى الله في دنياه، واستعد ليوم لقاه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.