داعش ما بين التماثيل المقلدة والمخطوطات العثمانية الأصلية!
13 جمادى الأول 1436
عبد الحكيم الظافر

تعشق داعش الكاميرا.. لا عجب فداعش كلها لقطة، ستقضي مرحلتها المرسومة وترحل، كالجيا الجزائرية وغيرها.

القصة نمطية، لكن جديدها هو عشق الكاميرا في زمن طغت فيه على المدفع..

 

يظهر جنود "الدولة"، يحملون معاولهم الجديدة، وبملابسهم البيضاء والسوداء الأنيقة، ويشرعون في "تكسير الأصنام" ببساطة ويسر! وقد كان البعض يرد على بقاء كثير من الآثار حتى يومنا هذا من دون التعرض لها من قبل المسلمين الأوائل، لأنها كانت مطمورة أو أنها احتاجت لما هو أشد فتكاً من المعاول، ربما المتفجرات لكسرها، وهذا منطق معقول جداً؛ فلو أراد أحد مثلاً أن يكسر تماثيل أثرية صلبة لاحتاج لمثل ما فعلته طالبان في باميان بأفغانستان قبل شهور قليلة من شن الولايات المتحدة الحرب عليها وإطاحتها عن حكم أفغانستان في العام 2001، حين فجرت تمثالي بوذا.

 

من أخرج اللقطة الداعشية أراد لها أن تخرج بشكل إعلامي بحت، أكثر من كونه تحقيق هدف شرعي ارتآه المنفذون، إلى حد ظهور الصورة كما لو كانت مأخوذة من أحد الأفلام التاريخية لصدر الإسلام.. اثنان يتشاركان بمعوليهما في هدم تمثال، والصورة تتباطئ لجعل المشاهد يركز في تلك اللحظة تحديداً، وتفتح شهية وسائل الإعلام العالمية لتنقل الصورة، فما تحتاجه داعش الآن ليس الصمود في وجه الأعداء الذين ينتقصون دولتها الوهمية يوماً بعد يوم، وإنما كسر التماثيل المقلدة التي كان الكفار يعبدون الأصلية منها قبل البعثة النبوية المشرفة.. هكذا تفكر داعش أو هكذا يفكر لها.

 

الوكالات لم تكذب خبراً؛ فانتشر الخبر، وبدأت الإدانات تتوالى، تماماً مثلما حصل مع طالبان وصنع رأياً عالمياً ضدها قبل 11 سبتمبر مباشرة، تلك الإدانات التي لم تتوقف كثيراً على معرفة ما إذا كانت التماثيل أصلية أم مقلدة.

 

اليونسكو ذاتها أدانت قبل التحقق من أن التماثيل ليست مزورة، بينما لم يحتج المقطع لخبير بالآثار ليكتشف أن داعش أرغدت وأزبدت على تماثيل هشة من الجبس كان يمكنها أن تجمعها وتلقيها كما هي في خربة بهدوء؛ من أول يوم وطأت فيه أرض الموصل، حيث لم تكن لها حاجة لتنتظر كل هذا في أواخر حكمها للموصل كي تفعل ما فعلته وهي متمكنة فيها منذ شهور!

 

عميت اليونسكو عن رؤية الأسياخ الحديدية في أحد التماثيل (بالصورة المرفقة)، كما فاتها أن كل التماثيل بيضاء من الداخل، هشة، سهلة الكسر جداً، كما فاتها ما لاحظته د.مونيكا حنا خبيرة الآثار في شهادتها لقناة أون تي في، من أنه لا توجد أي تماثيل صغيرة في المشهد بما يرجح أنها بيعت، وتركت أخرى كبيرة مقلدة مكانها.

 

وتجاهلت المنظمة الدولية ما نشرته الجارديان البريطانية في إبريل 2003 من تقرير تحدث عن نهب لصوص دوليون لمحتويات المتحف بما يقدر بملايين الدولارات، وحطموا كثيراً من التماثيل الأصلية، وما أكده محافظ نينوى أثيل النجيفي لموقع روداو الكردي للأنباء من أن "التماثيل الأصلية نقلت لحسن الحظ إلى بغداد، ووضع بدلا منها نسخ أخرى مقلدة."، على حد قوله.

 

الكاميرا ركزت على هذا المشهد، واليونسكو أدانت، بل طالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، والإدانات الأوروبية توالت، لكن الكاميرا غابت على مشهد آخر، قيل عنه إنه بدت فيه مكتبة الموصل التي تحتوي على 8000 ألف مخطوطة وكتاب تاريخي "يندر وجودها في العالم، من بين ما تحتويه العديد من الكتب والمخطوطات العثمانية"، طبقاً لما قاله الكاتب التركي، أمرو أكوز في مقال له في صحيفة صباح التركية، الأسبوع الماضي.

 

هذه المكتبة التي قالت ألسنة داعشية على مواقع التواصل إنها كانت تحوي "كتباً بدعية رافضية"، فيما أكد خبير بالمخطوطات الإسلامية، هو الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان، بأن "مخطوطات سنية"، مستبعداً أن تكون حرقت بل سرقت من قبل جهات دولية تفرغ المكتبات الإسلامية من مخطوطاتها القيمة، محذراً من مصير مشابه لمكتبة قاريونس في بنغازي الليبية.

 

المشهد كان بسيطاً، هكذا أريد له، "مؤمنون بضرورة هدم الأصنام، فعلوا مهتدين بالنبيين الكريمين إبراهيم ومحمد عليهما السلام"، هذه الرسالة للأنصار والمؤيدين، أما للخارج: فـ"متشددون يهدمون كنوزاً تاريخية نادرة، ويسرقون ذاكرة الإنسانية"! لكن ما بين هذا وذاك، ثمة من سرق آثاراً وهربها، وجاءت الصورة لتغطي تلك السرقة للأبد، وثمة مخطوطات عثمانية وعراقية، بيعت أو حرقت.. فمن الفاعل الحقيقي؟!