دلالات زيارة أردوغان للسعودية
13 جمادى الأول 1436
خالد مصطفى

كانت تركيا لوقت قريب إحدى قلاع العلمانية المتطرفة الموالية بشكل كبير للغرب وكانت شبه مقطوعة الصلة ثقافيا وسياسيا عن محيطها العربي والإسلامي..

 

هكذا أرادها أتاتورك عندما أقدم على إلغاء الخلافة الإسلامية وكذلك ظلت طوال ما يقرب من مائة عام في ظل حكومات علمانية فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار للمواطنين وظلت تدور في الفلك الغربي والصهيوني حيث أدارت ظهرها للعمق العربي والإسلامي مراهنة على هدف واحد وهو إرضاء الغرب والالتحاق بالاتحاد الأوروبي بأي ثمن...

 

تجلت العلمانية في تركيا والرغبة في إرضاء الغرب في مناهج التعليم وإبعاد الدين الإسلامي منها ومحاربة الحجاب ونشر الثقافة الغربية بكل ما تحتويه من إباحية وعري بحجة "حرية التعبير" ورغم ذلك لم تتمكن هذه الحكومات من التقدم أو اللحاق بالغرب اقتصاديا وتكنولوجيا وسقطت هويتها الثقافية ولفظها الغرب رافضا إلحاقها بالاتحاد الأوروبي لسبب بسيط وهو أنها "مسلمة" وهو اتحاد "مسيحي"! وذلك رغم كل التنازلات التي قدمتها في هذه الناحية...

 

وعندما جاء حزب العدالة والتنمية بدأ رويدا رويدا يعيد تركيا إلى محيطها العربي والإسلامي وظهرت مواقف زعيمه رجب أردوغان المؤيدة للقضايا العربية والإسلامية في مواجهة الصلف الغربي خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتأييده لمقاومة الشعب الفلسطيني, وكانت تصريحاته النارية خلال الهجوم الصهيوني على غزة خير دليل على ذلك كما اتضح ذلك أيضا من موقفه مما يجري في سوريا وتأييده لثورة الشعب السوري ضد حكم بشار الأسد وإدانته للغرب الذي يكيل بمكيالين ولا يكترث بقتل المدنيين في سوريا على أيدي بشار بينما تدخل سريعا في العراق ضد داعش...أردوغان كذلك وجه انتقادات حادة للغرب بسبب طريقة معاملته للمسلمين على أراضيه والاتهامات التي يلقيها جزافا عليهم بحجة دعمهم "للإرهاب" وتعميم الأحكام دون بينة...

 

أردوغان في كل ذلك يتحرك على أرضية صلبة فقد استطاع أن يحقق طفرات اقتصادية كبيرة ووضع بلاده خلال سنوات قليلة ضمن أهم 20 دولة في العالم من الناحية الاقتصادية بعد أن كانت على وشك الإفلاس كما سدد كل ديون بلاده للمؤسسات الغربية وبالتالي لم يعد يأبه لضغوطها المالية التي تؤرق العديد من الدول....

 

جاء كل ذلك في وقت بدأ الغرب يغير فيه من معادلاته في منطقة الشرق الأوسط لصالح الإخطبوط الشيعي الذي بدأ يتشكل من رأس الحربة وهي إيران وأذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ضد القوى السنية التي تعد السعودية وتركيا من أهم أضلعها..زيارة أردوغان للملكة العربية السعودية في هذا التوقيت بالغ الحساسية لها الكثير من الدلالات في ظل النفوذ الشيعي المتزايد في المنطقة وخصوصا على حدود السعودية في اليمن والعراق بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وتدخل إيران عسكريا في العراق بالتعاون مع أمريكا بحجة محاربة "داعش", كما أن المخاوت تتزايد في ظل عدم الاستقرار في ليبيا وما تشهده القضية السورية من تحولات في الموقف الغربي الذي بدأ يتجه نحو إمكانية القبول ببقاء الأسد وتجاهل جرائمه البشعة طوال أربع سنوات وحديث عن صفقة سرية بهذا الشأن مع إيران..

 

التنسيق في المواقف بين تركيا والسعودية رغم تأخره إلا أنه ضرورة كبرى في الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة لتقوية المحور السني ضد التنظيم والتخطيط القوي الذي يقوم به المحور الشيعي لإظهار نفسه دوليا في صورة الحصان الذي ينبغي الرهان عليه في المنطقة وعدم إغضابه ومحاولته إبراز القوى السنية في صورة المضطربة والتي لا تستطيع تحديد أهدافها وأولوياتها مع معرفته الأكيدة أن الغرب لا يبحث إلا عن مصالحه التي يمثلها دوما الطرف الأقوى.