26 رمضان 1436

السؤال

السلام عليكم أنا فتاة كنت طموحة في الدراسة ولكن سبق وتعرضت للتحرش منذ طفولتي، ومن بعدها تأتيني حالات غريبة، دقات قلبي تسرع وأرتجف لما أتذكر ما حصل لي، وللأسف كبرت والشيطان أغواني وارتكبت معصية وندمت ندماً شديداً، وتبت إلى الله وتركت الجامعة وأنا الحمد لله لا أزال فتاة،،،
ولكن تراودني أفكار جنونية لدرجة أتمنى أن أموت، تعبت من الوساوس والأفكار الغريبة، وأنا الحمد لله محافظة على صلاتي وأقرأ القرآن وأقوم الليل وأقول الأذكار..
أريد التخلص من الوساوس وأعيش حياتي براحة صدر أتمنى مساعدتي ولكم جزيل الشكر.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الأخت السائلة الكريمة، نشكر لك ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسال الله سبحانه أن يجلي عنك هذه الغمة الشديدة وأن يبدل تعبك راحة وسعادة، وان يرفع قدرك ويتقبل منك توبتك.
وبعد اختنا الكريمة:
لاشك أن الجريمة التي ارتكبت في حقك وأنت طفلة جريمة منكرة تغضب ربنا سبحانه، والتي يجب أن يقاومها المجتمع المسلم وأن يتصدى لها الجميع بكل ما أوتوا من قوة لمواجهة هذه الجريمة التي تنتج عنها هذه السلبيات الخطيرة.
فالتحرش الجنسي بالأطفال جريمة مركبة إذ يختلط الفعلي الجنسي المنهي عنه والمحرم شرعا والمجَرَّم قانونا بجريمة أخرى وهي الاعتداء والإيذاء البدني والنفسي على حد سواء، ولهذا كثيرا ما يصنف ضمن جرائم العنف.
والتحرش الجنسي وخصوصا بالطفل عمل يسبب انتهاك آدمية وكرامة الطفل المتحرش به، ولهذا تمر بأكثرهم حالة من القلق والخوف الممتزج بالإحساس بالإهانة ويزداد لديهم الشعور بالخوف المرضي وربما بالهلع مع إحساسهم دوما بعدم الأمان.
وفي أغلب الأحوال ما تكون الضحية في جرائم التحرش ضد الفتيات الصغار حيث تعلن إحصاءات عدد كبير من مراكز الأبحاث عن نسبة تزيد عن 60% من هذه الجرائم ضد الفتيات بالمقارنة بالذكور حيث تصل نسبتهم إلى 40 %، هذا مع عدم التيقن بالنتائج حيث أن مشكلة الإبلاغ عن الحالات لا تزال ضعيفة فالأصل عند كثير من البيوت كتمان الحالة لعدم الفضح ليقين الكثيرين أن الآثار السلبية للكتمان اقل بكثير من الآثار السلبية للإعلان.
وهكذا تحولت – اختنا الكريمة – من فتاة طموحة إلى تلك الصورة التي وصلت إليها من الوساوس وعدم الثقة بالنفسي.
ونتيجة لذلك أضحت جريمة التحرش بك سببا قويا للوقوع في الذنب، ولا أبرؤك ، فكانت منك ذنبا بكامل إرادتك وعافاك الله منها وتاب عليك وأثرت من الصلة بالله والصلاة والصوم وذكر الله وتلاوة القران وقيام الليل، فاسأل الله أن يثبتك على الحق وان يختم لنا ولك بالصالحات.
وهنا ما بقي لك من سلبيات الفترة الماضي بالجريمة التي أجبرت عليها ومن ضعف الثقة بالنفس والخوف، وكنتيجة أيضا لوقوعك في المعصية صار عندك هذه الوساوس، وهي في الأصل وساوس نتيجة الخوف الذي نتج عن ما مضى من حياتك.
ولهذا للتخلص من هذه الوساوس لابد لك – بعد استمرارك على ما أنت عليه من الصلة بالله سبحانه - من استيضاح بعض الحقائق عن نفسك وان تجلسي معها جلسة استبصار، تتحدثين فيها بوضوح حول الأمر في بعض النقاط الهامة، ومنها:
- هذه الجريمة النكراء التي تمت في طفولتك لست أنت المسئولة عنها، فالمسئول عن هذه الجريمة البشعة أطراف غيرك أولهم المجرم الذي فعلها ثم غيره ممن أهملوا ولم ينتبهوا أو فرطوا أو ضيعوا الأمانة.
- هذه الجريمة كانت قبل البلوغ والتكليف، فينبغي عدم جلد الذات فيه
- أنت الآن كبيرة ومسئولة عن أفعالك منذ بلوغك سن التكليف، وهو ما يجب تراجعي نفسك فيه وهو الذنب الثاني الذي كان بإرادتك، وأراد الله بك الخير بالتوبة منه وفعل الصالحات بعده، فالتوبة تجب ما قبلها، فليكن هذا الذنب دافعا للأمام بعدم الوقوع في مثله ولا يكون أبدا بابا لاجترار الذنب ولتقريع الذات وجلدها.
- أنت الآن كبيرة وتستطيعين الدفاع عن نفسك وتستطيعين حمايتها من أي مجرم خائن للأمانة، فلا داعي للخوف ولا للوساوس، فطفولتك وضعفك انتهيا تماما، فتعاملي من منطلق قوة إيمانك وقوة سيطرتك على نفسك، ولا تجعلي نفسك فريسة للضعف الناتج عن الوساوس.
- انطلقي بنيتي إلى الحياة مرة أخرى، فلماذا تركت الدراسة الجامعية؟ لماذا انعزلت عن الناس؟، لماذا تركت نفسك فريسة للهواجس والوساوس؟، حاولي العودة إلى جامعتك ودراستك إن كان الأمر يصلح لذلك، وإلا حاولي إشغال نفسك بأي دورات تطويرية وانتسبي لعمل يشغلك عن هواجسك ووساوسك، فالفراغ هو منطقة الضعف الأولى التي يتسلل إليها وسواسك إليك، فضيقي عليه مسالكه بإشغال نفسك بكل ما هو نافع، وعليك بالبحث عن صحبة صالحة تشغلين وقتك معهن، فلا تتركي نفسك وحيدة لتصرعك الوساوس والهواجس.
وفقك الله ابنتي الفاضلة الكريمة، ورفع هذه الكربة عنك، فاستعيني بالله وأشغلي وقتك بما هو نافع، وفقك الله لكل خير.