أين نحن من تصحيح فهم الغربيين للإسلام ؟
28 جمادى الأول 1436
د. عامر الهوشان

قد يكون هناك الكثير ممن يضمرون العداء لهذا الدين من أصحاب القرار والسياسية في الغرب , ممن ورثوا الضغينة على دين الله دون أي مبرر أو سبب , اللهم إلا الاعتراض على إرادة الله وقضائه في أن يكون الإسلام ناسخ لما قبله من الديانات , ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين .

إلا أن ذلك لا يعني أن عامة الأوروبيين يحملون نفس المقدار من الحقد على هذا الدين , وهو ما يحمّل المسلمين مسؤولية إنقاذهم من شباك الإعلام الغربي الذي يسعى جاهدا على مدار الساعة ومنذ عقود من الزمان على توسيع الهوة بينهم وبين الاقتراب من هذا الدين فضلا عن الدخول فيه , وذلك من خلال تشويه صورة الإسلام في أعينهم , وإظهاره بمظهر يختلف تماما عن حقيقته وجوهره .

قد يقول قائل بأن أعداد الداخلين في دين الله من الغربيين في ازدياد ملحوظ , والإسلام يكتسح القارة العجوز بشكل ملفت وسريع , بشهادة الإحصائيات الغربية قبل الإسلامية.....

نعم...قد لا يشك أحد في صحة هذا الكلام , ولكن ما المانع أن تتضاعف أعداد معتنقي هذا الدين أضعافا مضاعفة عما هي عليه الآن ؟! من خلال تصحيح فهم الغربيين عن الإسلام . ولماذا لا يدفعنا انتشار الإسلام بهذا الشكل إلى مزيد من الطموح بأن يعم الإسلام قارات العالم أجمع ؟؟ أوليس هذا الدين رحمة للعالمين ؟!

إن الواجب كبير على علماء الأمة ودعاتها , والمسؤولية عظيمة على مؤسساتها الدينية والدعوية , في مضاعفة جهودها لمواجهة آلة الإعلام الغربية التي تقف حاجزا أمام دخول الكثير من الأوروبيين في دين الله , بل ربما تجعلهم - عبر أكاذيبها وأساطيرها على دين الله – خصوم الإسلام وأعداء له .

ليس في هذا الكلام أي مبالغة أو تضخيم , فقد كشفت الفعاليات السنوية للمسلمين بولاية كارولينا الشمالية الأميركية - والتي بدأت السبت الماضي - عن حاجة الأميركيين للتعرف أكثر على ماهية الإسلام والمسلمين ، في مجتمع تسيطر فيه وسائل الإعلام على تشكيل صورتهم عنه .

وقد أحسن المسلمون هناك حين خصصوا ثلاث فعاليات سنوية يحضرها أمريكيون غير مسلمين ، وتكون إحداها داخل أحد مساجد الولاية , لتكون يمثابة فرصة لغير المسلمين للتعرف على الإسلام الصحيح .

إن الحقيقة أن على الدعاة والعلماء والمفكرين في أمريكا والدول الغربية عموما أن يستثمروا هذه اللقاءات للتعرف على أفكار الأمريكيين عن الإسلام , والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الخوف والتوجس من المسلمين , ومن ثم تصحيح جميع المفاهيم الخاطئة عن دين الله , التي يمكن أن تتسلل إليهم عبر وسائل الإعلام هناك , وإزالة أي توجس أو خوف من المسلمين , من خلال إزالة الصورة غير الصحيحة عن المسلم .

إن من يتابع أسئلة الأمريكيين في هذا اللقاء عن الإسلام , يتأكد له حجم التشويه الذي أصاب عقول هؤلاء عن دين الله , أو على الأقل قلة عدد الفعاليات والوسائل الإعلامية التي يمكن أن تلعب دورا في تعريف الأمريكيين بالإسلام , أو تصحيح الأفكار والمفاهيم الخاطئة عنه .

فهذا شاب أمريكي في العشرينات يؤكد أنه قادم من "ثقافة كنسية"، وأن معرفته بالإسلام قليلة اكتسبها عبر سفره إلى تركيا ، وهو يقر بأن الفكرة العامة عن الإسلام "غير جيدة بسبب الإعلام" , وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن "الإنسان عدو ما يجهل" , فإن ذلك قد يفسر جانبا من أسباب إحجام بعض شباب الغرب - وأمريكا تحديدا - عن التعرف على الإسلام الصحيح تمهيدا لاعتناقه والدخول في رحابه .

وعلى الرغم من أن بعض الشباب - الذين تحدثوا في هذا اللقاء - قد ألقوا الكرة في ملعب الأمريكيين , مشددين على أن الخطأ الرئيسي يقع على الأميركيين ، الذين لم يحاولوا أن يتعرفوا على القادمين ويصلوا إليهم ، وذلك خشية الخروج من منطقة الراحة إلى المجهول بالنسبة لهم , إلا أن ذلك لا يعني أن ينتظر المسلمون حتى يأتيهم الأمريكيون للسؤال , بل لا بد من إتخاذ الدعاة إلى الله زمام المبادرة هناك , وإقامة أمثال هذه الندوات واللقاءات لتعريف الأمريكيين بالإسلام الصحيح المغيب عنهم عمدا , بل وبابتكار وسائل وأساليب جديدة للدعوة إلى دين الله .

وللدعاة إلى الله في جميع أنحاء العالم أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم , الذي لم يدخر جهدا في تعريف المسركين بدين الله , ولم يقتصر نشاطه الدعوي على أهل مكة فحسب , بل بادر إلى الطائف لتصحيح المفهوم الخاطئ عن الإسلام , الذي وصل إليهم عبر أزلام مشركي قريش , وقد لقي صلى الله عليه وسلم في سبيل ذلك ما لقي من صد واعتداء .

وإذا كان بعض الذين تولوا الرد على أسئلة الحضور في هذا اللقاء , قد أكد أن هناك تقصير في إزالة سوء الفهم والتشويه الذي تقوم به قنوات مثل فوكس نيوز وغيرها ضد الإسلام , فإن الاعتراف بالخطأ ومعرفة موطن المشكلة نصف الطريق إلى معالجتها وحلها .

إن حاجة غير المسلمين من الغربيين شديدة إلى من يعرفهم بحقيقة الإسلام الصحيح , الخالي من التشويه المتعمد عبر وسائل الإعلام , والنقي من الشبهات والأباطيل التي تنسجها ألسنة آثمة , وأقلام معادية لدين الله في وسائل الإعلام العالمية .

فهل من مشمر إلى هذا العمل العظيم من الأفراد والمؤسسات والدول الإسلامية السنية ؟! والذي اعتبره القرآن الكريم أحسن القول والعمل : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت/33