أشد من الكذب !
2 جمادى الثانية 1436
د. خالد رُوشه

أحدثكم عن معصية بغيضة , تنتشر بين الأوساط السافلة من الناس , وإنما يتصف بها خبيثوالقلوب والنفوس , وإنما حديثي عنها , لانني قد وجدتها قد انتشرت في بعض المجتمعات , نتيجة خلاف فكري أو مذهبي أو اجتماعي , فصار الناس يتهمون بعضهم بهتانا وزورا وكذبا , فيتسببون في إضرارهم , وربما يزداد الأذى الذي يتعرضون له بسبب بهتانهم فتخرب البيوت , ويفرق بين المرء وزوجه .

 

إنه البهتان , الذي يجعل أحدهم ممن يحمل في قلبه حقدا وغلا وحسدا , يتقول كذبا على أخيه المسلم , ليتسبب في اتهامه , أو لينقص من قدره .

 

البهتان هذا هو ذنب يجمع بين الكذب والافتراء والقذف بالزور و فيقول أحدهم عن الآخر : إنه فعل كذا أو كذا , أو قد أخذ كذا , أو إنه قد ضرب هذا او كسر هذا أو شتم هذا أو فعل كذا وكذا , فيصيبه بتهمته الكاذبة .
قال القرطبي: البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء.

 

فالبهتان هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهشه ويتحيره ، وهو أفحش الكذب , ولا يقتصر الأمر في البهتان على ذلك , بل إنه ليواجهه به , أمام الناس , مما يصيب البرىء بالبهت والعجب والاستغراب .

 

قال تعالى: " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ "

 

قال السعدي في قوله تعالى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ : " البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكلِّ حالة، سواء تعلَّقت بهنَّ وأزواجهنَّ، أو سواء تعلَّق ذلك بغيرهم"

 

قال الفضيل بن عياض : في آخر الزمان قوم بَّهاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم شرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، لا يرتفع لهم إلى الله عمل .

 

وصدق الفضيل , فقد انتشر هؤلاء , وانتشرت صفاتهم , ولم يردعهم خوف الله سبحانه , ولا تحذير أهل الإيمان لهم , بل غرتهم مكاسب الدنيا , فاستهانوا بحساب الآخرة !

 

وقد يكون البهت هذا بسبب نفس خبيثة لاتحب الخير لغيرها , فتبحث له عن تهمة لتصيبه بها وتضره , وقد يكون بسبب خلاف في الرأي أو بسبب تحزب ما , فيسعى في بهتانه ليزيحه من طريقه .

 

وقد علمنا الإسلام السبل الطاهرة النقية في الخلاف , وأمر الإسلام بسبيل النبلاء إذا ما اختلفنا في الرؤى أو المواقف , وحتى في حال الظلم , أمرنا ربنا باقتفاء طريق الصالحين , بالتعبير عن الظلم للقضاة والتقاضي الشرعي بالدليل , ولم يعلمنا أن نأخذ حقوقنا بأيدينا لئلا تكون غابة فوضوية .

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه" أخرجه مسلم , قال النووي: يقال: بهتَه بفتح الهاء مخففة. قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان .

 

لقد عد بعض العلماء هذه المعصية من الكبائر , قال الهيتمي : البهت من الكبائر، بل هو أشدُّ من الغيبة ؛ إذ هو كذب فيشقُّ على كلِّ أحد، بخلاف الغيبة لا تشقُّ على بعض العقلاء؛ لأنها فيه .

 

- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه" , فبايعناه على ذلك  " متفق عليه

 

قال البغوي: معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراءً واختلافًا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات .

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت المؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق" أخرجه أحمد وصححه الألباني .

 

قال المناوي: "وبهت المؤمن أي قوله عليه ما لم يفعله حتى حيره في أمره وأدهشه يقال بهته كمنعه بهتا وبهتانا قال: عليه ما لم يفعل والبهتة الباطل الذي يتحير من بطلانه " فيض القدير