آسيا الوسطى مع الإسلام بين الماضي والحاضر..قرغيزستان نموذجا
12 جمادى الثانية 1436
منذر الأسعد

أ‌-    الإسلام وروسيا
تتعذر الإحاطة بالأوضاع الراهنة للمسلمين في قرغيزستان من دون استحضار البعدين : الجغرافي والتاريخي لعلاقة المسلمين بروسيا  وبخاصة الشعوب المسلمة المجاورة ..
اتسمت تلك العلاقات تاريخياً بالتوتر على امتداد ألف سنة مضت تقريباً،عندما بدأ الروس يتغلبون على شتاتهم وتخلفهم فلما امتلكوا ناصية القوة راحوا يحاربون المجتمعات الإسلامية المسالمة،بدعم محلي من الكنيسة الأرثوذكسية المتعصبة، ومساندة خارجية غربية قوية ولا سيما في فترة التآمر المشترك للإجهاز على السلطنة العثمانية التي كانت في مرحلة قوتها شوكة في حلوق الطامعين الأوربيين من لندن حتى موسكو..

 

 

تمكن الروس من ابتلاع مساحات شاسعة من أراضي المسلمين ما وراء القفقاس،ودمّروا إنجازاتهم الحضارية والمعمارية بوحشية جعلت بعض المنصفين منهم يخجلون من جنسيتهم!!
وعندما انتصرت الثورة الشيوعية سنة 1917م  استبشر المسلمون خيراً بزوال الطغيان القيصري،وعزز ذلك التفاؤل ما أعلنه  زعماء البلاشفة من وعود زائفة بالحرية وحق تقرير المصير.... لكن الحقبة السوفياتية كانت شرّاً من حقبة القياصرة البغيضة،فقد اجتث الطاغية الهالك ستالين تتار القرم من مَوَاطنهم بعد اتهامه الظالم لهم بالتواطؤ مع الغزاة الألمان في الحرب العالمية الثانية. وتم استعمار البلاد الإسلامية : أوزباكستان وطاجيكستان وكزاخستان وتركمانستان... استعماراً شمولياً : عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ولغوياً وثقافياً،فتم فرض اللغة الروسية على الجميع في المدارس والإعلام ، وطُمَست لغاتها الوطنية،ومُنِع أهلها من كتابتها بالأبجدية العربية!!( المفارقة أن جرائم البلاشفة هذه تزامنت مع جرائم أتاتورك الموازية في تركيا!!)..
  وسرق المحتل الروسي الثروات المعدنية لتلك الأقطار وخيراتها الزراعية،واتخذ منها  مسرحاً لإجراء تجاربه النووية المؤذية..

 

 

كان الإسلام موضع عداء في عهد القياصرة لكن الحال في ظل الديكتاتورية الحمراء كان أشد وأقسى،فقد حورب الإسلام علانية باسم الإلحاد،ولوحق الذين يؤدون الصلاة أو يصومون  شهر رمضان ، وعوقب من عثروا معه على نسخة من المصحف عقوبات فظيعة.
في سنة 1991م انهار النظام الشيوعي في روسيا،وتجدد التفاؤل لدى ملايين المسلمين سواء الذين ينتمون إلى بلدان تطمح إلى الاستقلال أسوة بالشعوب الأوربية التي استقلت على الفور عن هيمنة موسكو( جمهوريات البلطيق الثلاث!!) أم ملايين المسلمين الذين يتبعون روسيا تبعية مباشرة ويتطلعون إلى الحصول على حقوق المواطَنة الكاملة في الديموقراطية الجديدة المزعومة،ويتشوقون إلى ممارسة عباداتهم بحرية وكرامة..

 

 

لكن روسيا التي اضطربت قليلاً بقيادة السكّير بوريس يلتسن سرعان ما استعادت أنفاسها من خلال بقايا الاستخبارات الروسية، فجمعت شر ما في القياصرة وشر ما كان لدى الشيوعيين وأضافت إليهما قناعاً ديموقراطياً شكلياً يثير السخرية.. وكادت تتبخر نسمات الحرية الاستثنائية التي هبت في البداية.. وبتواطؤ غربي خفي مع أحقاد موسكو، ما زالت بلدان آسيا الوسطى ترزح تحت نير الطغاة الذين حكموها من قبل تحت الاحتلال الروسي، وهم من أشد الكارهين للإسلام ولذلك يتفننون في محاربته والتنكيل بالدعاة والعلماء ..

 

سيطر فلاديمير بوتن على مفاصل الدولة بقبضة فولاذية وهو القادم من دهاليز المخابرات الشيوعية،وارتضى توظيف بلاده في خدمة العداء الغربي للإسلام،وهو عداء متأصل لديه ولدى غلاة القوميين الروس وصقور الكنيسة وأيتام لينين على حد سواء.. ولذلك تحالف الكرملين في عهده تحالفاً صريحاً مع الإمبراطورية الصفوية الجديدة،وانتهج سياسة عداء معلنة نحو المسلمين والإسلام في روسيا وفي العالم كله..

 

 

وما زال في الذاكرة صوت وزير خارجيته الجلف لافروف في بدايات الثورة السورية قبل أربع سنوات، وهو يعلن ما يحجم الأمريكان عن البوح به صراحة: لن نسمح لأهل السنة بحكم سوريا!!
وها هي روسيا بوتن تؤيد بصفاقة طاغية الشام ضد شعبه،وتدعم فرق القتل الرافضية في العراق لاستئصال أهل السنة فيه،ولا تخفي انحيازها إلى الحوثيين أداة خامنئي في تمزيق اليمن وجعله خنجراً في خاصرة الجزيرة العربية وأهلها مسلمون بنسبة 100%!!

فروسيا بوتن تخاف من الإسلام وتبغض المسلمين.. تماماً مثلما كانت روسيا إيفان الرهيب وروسيا ستالين.. مع أن بين كل خمسة من مواطنيها مواطناً مسلماً!!


ب- المسلمون في آسيا الوسطى

الأهمية الاستراتيجية للمنطقة

تحتل هذه المنطقة موقعًا جغرافيًا مهمًا وحساسًا؛ إذ تقع بين الصين وروسيا وأفغانستان وإيران وعلى مقربة من الخليج العربي وتركيا القوة الاقتصادية الصاعدة، كما أنها محل اهتمام القوى العالمية والإقليمية الأخرى مثل أميركا والهند؛ وذلك للأسباب التالية:

 

•    الذخائر الضخمة للمعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، وتصل احتياطيات الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز من الغاز الطبيعي إلى 34% من الإجمالي العالمي، وتقع أكبر الاكتشافات في أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان(2)، كما أن هذه المنطقة تحتوي على حوالي 27% من إجمالي احتياطيات النفط العالمي، وتقع أغلب هذه الذخائر في كازاخستان وأذربيجان. ومع أن دولتي طاجيكستان وتركمانستان لا تملكان ذخائر كبيرة للنفط والغاز الطبيعيين إلا أن طاجيكستان وحدها تملك منابع ضخمة للمياه فإنها تملك 60% من منابع المياه في آسيا الوسطى، ويمكن أن تستخدم هذه المنابع لتوليد 527 مليار وات من الكهرباء، ولم تتم الاستفادة حتى الآن إلا من 5% من هذه المنابع(3) هذا بالإضافة للذخائر الضخمة للمعادن والمنتجات الأخرى التي تنتجها هذه الدول في مزارعها من القطن وغيرها.

 

•    ورثت هذه الدول منشآت ضخمة للصناعات العسكرية الثقيلة والخفيفة من الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفككه، وكانت أوزبكستان من المراكز الصناعية والزراعية المهمة، وورثت كازاخستان 104 صواريخ بالستية من نوع (SS-19) مع أكثر من ألف رأس نووي، بالإضافة إلى مركز "بايكو نور" الفضائي لإطلاق الصواريخ، ومركز "سيمبالاتينسك" لاختبار الأسلحة النووية اللذين ورثتهما من الاتحاد السوفيتي السابق(4).

 

•    تملك هذه الدول قاعدة ضخمة وكبيرة من العلماء والمتخصصين في كثير من المجالات الحيوية، منها الفيزياء والكيمياء وصناعات الأسلحة بأنواعها.

وبسبب هذه الأهمية القصوى كانت هذه الدول محل تنافس بين اللاعبين الدوليين ودول المنطقة؛ فأميركا تسعى لبسط نفوذها، وروسيا تحاول أن تبقيها تدور في فلكها كما كانت في الحقب الماضية، وتسعى الصين أن تدخل بشركاتها العملاقة وكذلك الهند وإيران وتركيا وغيرها من الدول. هناك تنافس بين هذه الدول وفي نفس الوقت يبدو أن اللاعبين الدوليين متفقون على أن تبقى هذه الدول بعيدة عن تأثير الأحزاب الإسلامية؛ لأنها تظن أن سيطرة الأحزاب الإسلامية السياسية على المنطقة ستسبب خطرًا كبيرًا لأمن العالم! وخاصة إذا وقعت بيدها تلك الإمكانيات الضخمة التي تملكها هذه الدول. ويخاف الحكام المستبدون لهذه الدول من أن يُفقدهم صعود الأحزاب الإسلامية الحكم، ولأجل ذلك يقومون بمحاصرتها والتضييق عليها، ومن هنا التقت مصالح الدول الكبرى في آسيا الوسطى والقوقاز بمصالح حكام المنطقة المستبدين فواجهت الأحزاب الإسلامية سياسات قمعية ممنهجة.

 

 

الاحتلال الروسي:
بدءاً  من القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي تعرّض العالم الإسلامي إلى تغيرات عميقة في وضعه الإستراتيجي نتيجة وهن الدولة العثمانية وتكالب الدول الاستعمارية الغربية عليها ، وكان لذلك أثر مباشر على عَلاقات الخلافة العثمانية مع مناطق آسيا الوسطى بعد سقوط القرم والمناطق بين قفقاسيا وبحر قزوين في يَدِ الروس، فكان ذلك فاتحة سيطرة  الدول الاستعمارية وتقاسمها ما تغنمه من بلدان من أطراف السلطنة، وانفتح الطريق أمام الروس لاحتلال ممالك آسيا الوسطى الإسلامية.

 

 بدأت روسيا القيصرية الاعتداء على المسلمين في هذه المناطق، وخاضت معهم حروب إبادة جماعية بدءًا من عهد إيفان الثالث (885هـ = 1480م)، الذي نكَّل بالمسلمين، وقاد حملة كبيرة أخرج فيها المسلمين التتار من موسكو بعد أن دامت في أيديهم قرابة 240 عامًا، ثم جاء عهد فاسيلي الثالث ابن إيفان الثالث، فطلب منه البابا أن يعجل بطَرْد المسلمين إلى سيبريا وتشتيتهم، واعدًا إياه بملكوت السماء بالقسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح العثماني عام 857هـ..

 

لكن أخطر هؤلاء القياصرة كان إيفان الرابع أو "الرهيب" كما أَطْلَق عليه المسلمون ؛ وذلك بسبب حرب الإبادة الشاملة التي شنَّها ضدهم؛ فقد فرض عليهم أن يتنصروا أو يتركوا أوطانهم ويُهاجروا مثلما فعل الإسبان  المتطرفون بزعامة فرديناند وإيزابيلا بمسلمي الأندلس.
كما فعل الروس ذلك مع التتار المسلمين على ضفاف نهر الفولجا ومع البشكير، وقد تحول كثير من البشكير والتتار إلى النصرانية؛ خوفًا على أنفسهم وأولادهم، محافظين على إسلامهم سرًّا على مدى ثلاثة قرون، حتى أُتِيحَت الحريات الدينية عام (1323هـ=1905م)، فأظهروا إسلامهم.

 

 

 التنصير  القسري
بعد إيفان الرهيب جاء بطرس  الذي ينعته المتعصبون الروس بـ : "العظيم"  فكانت سياسته إجرامية مثل سلفه، ففرض التنصير على المسلمين بالقوة أو تشريدهم من أراضيهم وأوطانهم، وقد بدأ بطرس هذا (1092- 1138هـ = 1682– 1725م) بالاتجاه جنوبًا إلى شمال البحر الأسود في منطقة أزوف واحتلَّها عام (1108هـ- 1696م)، ولكن الخلافة العثمانية استعادتها سنة (1112هـ- 1700م)، ولم يتمكَّن من الاستيلاء على القوقاز سنة (1135هـ-1722م)، بسبب المقاومة الشرسة التي واجَهَهَا من مسلميها الأشداء.

 

 سارت الإمبراطورة الروسية "حنا" (1151 – 1169هـ = 1738– 1755م) على نهج إيفان الرهيب، ففرضت التنصير على المجرى الأوسط لنهر الفولجا، وصادرت الأوقاف، وأغلقت المدارس، وأصدرت أمرًا بإعفاء المرتدين عن الإسلام إلى النصرانية من الضرائب والخدمة العسكرية، ومعاملتهم معاملة حسنة، وقد مُنِعَ المسلمون في عهدها من إقامة شعائرهم الدينية، وأُغْلِقَت جميع مدارسهم ومساجدهم، حتى إن أطفالهم الصغار كانوا يُخطفون ويُوضعون في المدارس التبشيرية، حتى يَنْشَؤوا على النصرانية الأرثوذكسية.
وفي عهد كاترين (1176 - 1211هـ = 1762 – 1796م) تمّت أضخم عمليات التوسع على حساب أرض المسلمين، ففي فترة حكمها قامت بمصادرة مئات الألوف من أخصب أراضي تتار القرم، رغم السياسة المتسامحة التي أبدتها مع المسلمين، ومنحهم الحرِّية الدينية سنة (1187هـ - 1773م)، ومِن بعدها لم يَسِر القياصرة الروس على نهجها في التسامح مع المسلمين؛ فنجد نيقولا الأول يلجأ إلى سياسة الكبت والضغط على المسلمين، فلا يسمح ببناء المساجد، بل يُصادر كثيرًا من أراضيهم، وتحتل جيوشه إقليم طشقند عاصمة إقليم الشاش، وسمرقند عاصمة تيمورلنك.

 

هذا وقد انتهجت السياسة الروسية في آسيا الوسطى بعد احتلالها (1890 - 1917م) مجموعة من السياسات الاستعمارية، منها:
1- نزع  ملكية الأراضي من أصحابها، وإعطائها لأكثر من مليون ونصف المليون من الغزاة الروس.
2- استولت البنوك الروسية على ما تبقَّى من أراضي الفلاَّحين في التركستان، لعجزهم عن سداد ما اقترضوه منها.
3- فرضت روسيا لغتها وثقافتها على الشعوب المحتلة؛ للقضاء على الوجود الإسلامي في دول آسيا الوسطى.
4- التبشير بالديانة المسيحية الأرثوذكسية على نطاق واسع؛ لتحويل المسلمين عن دينهم.

 

جهاد ورباط
لم تستسلم الشعوب المسلمة للاستعمار الروسي بالرغم من فقرها والخلل الفادح في موازين القوة والعتاد بين الطرفين..، وقد ظهر الجهاد الدفاعي هناك  في أبهى صوره في عهد كاترين، على يد الإمام منصور، الذي استطاع أن يُلْحِق الهزائم المتتالية بالروس في كُلٍّ من الشيشان والداغستان، لكنَّه  اضطر إلى الانسحاب  سنة 1785م في معركة "تتارتوب"، نتيجة التفوق العددي الكبير للروس، وعاد إلى مسقط رأسه في الشيشان.
ثم قارعهم من جديد إلى أن  لقي حتفه في المعركة في عام 1794م بعد جهاد دام ما يقرب من عشر سنين.
ومن قادة الجهاد ضد الاستعمار الروسي الإمام شامل (1797 -  1871م) وهو  أشهر المقاومين للوجود الروسي في القوقاز ولذلك لقبه المسلمون هناك  لقبين فريدين هما: أسد القفقاس وصقر الجبال. وبقي اسم شامل حياً في التراث الشعبي القوقازي من أناشيد حماسية  وقصص بطولية إلى اليوم.
وما زال جهاده يلهم الأجيال الجديدة بعد كل هذه العقود من السنين معاني الثبات ويحضهم على التمسك بهويتهم الإسلامية الأصيلة.
ومن أبطال الكفاح الإسلامي في آسيا الوسطى كذلك: الملا محمد غازي وحمزة بيك  وآخرون خلّدتهم الذاكرة الجمعية للأجيال المتعاقبة.

 

 

كازاخستان نموذج لطمس الهوية
تضم آسيا الوسطى، أو بلاد ما وراء النهرين- السيرداريا والأمورداريا، أو سيحون وجيحون باللغة العربية- خمسة بلدان، هي: كازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان. .
وكازاخستان هي أكبر هذه البلدان مساحة, إذ تبلغ مساحتها حوالي 2.72 مليون كيلومترًا مربعًا، ويرأسها نور سلطان نزارباييف، وهو رئيس البلاد منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق في 16/12/1991م، ويترأس الحكومة كريم ماسيموف.

 

تعد كازاخستان بلدًا ديكتاتوريًا بنص الدستور، انطلاقًا من الصلاحيات  المطلقة والحقوق الممنوحة للرئيس، فلرئيس الدولة وحده  حق اقتراح إدخال تعديلات على الدستور، وتسمية وتنحية أعضاء الحكومة، وحل البرلمان، واقتراح استفتاءات عامة، وتعيين وتنحية حكام الأقاليم الكبرى في البلاد، ومدينتي الأستانا وألماتا، عاصمتَيْ  البلاد القديمة والجديدة.

 

 

وتبرر الدولة الكازاخية اضطهادها للإسلاميين بأنّ قريبًا من ثلث سكان البلاد من ديانات أخرى، ومن ثَم، فإن الإطار الأنسب للحكم في البلاد هو الإطار العلماني، فنتيجة لسياسات التهجير التي تبنتها الحكومات السوفيتية المتعاقبة عبر أكثر من سبعين عامًا، أصبح 60% فقط من تعداد سكان البلاد مسلمين، ويدين به سكان البلاد الأصليين من عرقيات الكازاخ والتتار والبشكير، بينما 30% من السكان من النصارى الأرثوذكس، ويدين بها الروس وبعض الأوكرانيين والبيلاروس، ثم المسيحية البروتستانتية بنسبة 3%، وأديان ومعتقدات أخرى، من بينها الكاثوليكية واليهودية بنسبة 7%.

 

تقول الباحثة المتخصصة في شؤون آسيا الوسطى شيماء حسن: إن العداء للإسلاميين في كازاخستان هو السياسة المتبعة في  بلدان آسيا الوسطى الأخرى التي تحكمها ديكتاتوريات علمانية،وهناك تنسيق سياسي واستخباري بين النظم القمعية لهذه البلدان فعندما تسن إحداها قرارًا، سرعان ما تلحقها الأخريات بنسخة حرفية منه أو بما يضاهيه أو يفوقه شراسة وغلظة، ومن بين أبرز نماذج ذلك: عدم سماح الحكومة الكازاخية لأي تيار إسلامي بتأسيس حزب شرعي أو مشهر قانونًا، وعلمانية دساتيرها فيما يخص مسألة الاعتراف بالإسلام كمصدر رئيس للتشريع، وتشترك معها في ذلك بلدان أخرى في جنوب آسيا، مثل بنغلاديش، بالإضافة إلى محاربة الرموز الإسلامية حتى تلك التي لا تمت للسياسة بصلة، مثل الحجاب الشرعي، فكازاخستان تحظر ارتداء الحجاب الإسلامي بين الطالبات والمعلمات في المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم.
.

 

وليس الحجاب فقط هو الذي تعرض للحظر من الحكومة الكازاخية من بين الرموز والشعائر الإسلامية، فقد أصدرت إحدى محاكم البلاد حكمًا بمنع جلب وترويج مئات المواد الإعلامية، من بينها سور من القرآن الكريم، بحجة ترويجها لـ"الفكر المتطرف".
ونص الحكم على "حظر جلب وترويج 207 مواد إعلامية بينها كتب ومنشورات؛ "لأنها تدعو إلى التطرف" على حد ادعاء القرار، الصادر في سبتمبر 2011م.
ورغم أن السلطات ادعت عدم معرفتها بوجود سور للقرآن الكريم داخل هذه المواد الإعلامية، فإنها  نظّمت في الفترة الأخيرة عدة حملات على الأسواق،  سحبت خلالها شرائط لتلاوات القرآن الكريم .

 

قمع الداخل وتواطؤ الخارج
إن حالة التجاهل الإسلامي لمسلمي دول آسيا الوسطى تجعل منها فريسة سهلة للحكومات الديكتاتورية العلمانية لمحو الهوية الإسلامية، خاصة أنها مازالت تعاني من ضعف الهوية والحضور الإسلامي في السياسة والمجتمع بشكل عام، والمستوى المنخفض من المعرفة الإسلامية لدى عموم الناس. 
كما أن معدلات الفقر هناك هي الأكبر في منطقة آسيا الوسطى، وتبلغ الأمية معدلات غير مسبوقة؛ كنتيجة للسياسات السوفيتية السابقة التي ضيقت على التعليم، لذا تتطلب كل هذه الأمور اهتمامًا إسلاميًا بتلك الدول المسلمة الناشئة، من  تنظيم زيارات للعلماء المسلمين ووفود المنظمات الإسلامية، إلى جانب الدعم المادي للأنشطة والمؤسسات الإسلامية هناك لإنقاذ شعوب شقيقة مظلومة منذ مئات السنين..

ج- قرغيزستان .. نبذة جغرافية وتاريخية

 
 
الموقع
تقع قرغيزستان على امتداد الحدود الشرقية لمنطقة آسيا الوسطى، ويحدها من الشمال كزاخستان، ومن الجنوب الصين وطاجيكستان، ومن الشرق الصين، ومن الغرب أوزبكستان.
 العاصمة: بشكيك

 

المساحة الإجمالية
هي ثاني أصغر دول آسيا الوسطى الخمس. وتبلغ مساحتها 198.500 ألف كلم2 منها 7100 كلم2 من المياه.
الحدود البرية
يمتد طول حدود قرغيزستان مع الدول المجاورة 3878 كلم موزعة كالتالي:
1099 كلم مع أوزبكستان.
1051 كلم مع كزاخستان.
870 كلم مع طاجيكستان.
858 كلم مع الصين.
المناخ: قاري جاف في المناطق المرتفعة وشبه استوائي عند سفوح الجبال في الجنوب الغربي. ومعدل هطول الأمطار السنوي 100-1000 ملم بحسب مناطق الهطول.
التضاريس
يبلغ ارتفاع نحو 49% من تضاريسها حوالي 1000 متر فوق مستوى سطح البحر، و30% أعلى من 3000 متر تغطي الكثير من قممها الثلوج، وتنبسط التضاريس نسبيا حصتها من وادي فيرغانا وواديي تشو وطالاس.

 

الأنهار الرئيسية
نهر تشو ويتجه من الجبال الشمالية إلى الشمال الغربي من كزاخستان، ونهر ناريين ويتجه من جبال تيين شان الشرقية إلى وسط قرغيزستان قبل التقائه بنهر كارا داريا ليشكل نهر سير داريا في الجزء الأوزبكي من وادي فيرغانا.
المجتمع
عدد السكان: 5,431,747 ملايين نسمة (تقديرات 2009)

نسبة النمو: 1.396% (تقديرات 2009)

المجموعات العرقية (تقديرات 1999)
64.9% قرغيز
13.8% أوزبك
12.5% روس
1.1% دونغان
1% أوغور
1% أوكرانيون
5.7% عرقيات أخرى
وقد دخلت أعداد كبيرة من اللاجئين الطاجيك إلى قرغيزستان في التسعينيات. كما تتركز الأقلية الأوزبكية حول مدينة أوش في الجنوب الغربي، والروس في بشكيك وقريبا من إقليم تشو.

 

اللغة
بعد حملة حكومية لتوسيع استخدام اللغة القرغيزية في التسعينيات، أقر قانون 2001 بجعل الروسية اللغة الرسمية الثانية للبلاد بجانب القرغيزية، والروسية هي لغة التخاطب الأساسية في الشؤون التجارية والدراسات العليا.

 

الدين
80% مسلمون
16% مسيحيون (معظمهم روس أرثوذكس).
4% ديانات أخرى وطوائف أخرى مثل البهائيين وشهود يهوه.
التعليم (تقديرات 1999)
98.7% يعرفون القراءة والكتابة.

 

الصحة
في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي عانى النظام الصحي في قرغيزستان من نقص متزايد في المهنيين والأدوية، وكان يتعين استيراد كافة اللوازم الصيدلانية تقريبا، لكن مع مرور السنوات بدأت الخدمات الصحية في التحسن التدريجي. يبلغ متوسط عمر الفرد 65 عاما.
الدولة ونظام الحكم

 

علم قرغيزستان
استقلت قرغيزستان عن الاتحاد السوفياتي يوم 31 أغسطس/آب 1991.
وينص دستورها الذي أقر في مايو/أيار 1993 على أنها دولة علمانية، وعلى الفصل بين سلطات الدولة الثلاث.
وبعد مظاهرات كبيرة طوال عامي 2005 و2006، تم تعديل الدستور ليحد من سلطات الرئيس في حل البرلمان.
فمن صلاحياته: يعين حكام الولايات ويرشح قضاة المحكمة العليا والمحكمة الدستورية
 

 

السلطة التنفيذية
تتكون من الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس للوزراء.
وأعطى التعديل الدستوري لعام 2006حزب الأغلبية حق ترشيح رئيس الوزراء والرئيس، وحق المصادقة على الترشيح.

 

حكومات الولايات والمحليات
يترأس كل ولاية حاكم يُعينه الرئيس، في حين تعين الحكومة المركزية مديري المحافظات، أما التجمعات القروية فيحكمها عمداء ومجالس يتم انتخابهم مباشرة.
السلطة التشريعية
تسمى المجلس الأعلى الذي يضم حاليا 75 عضوا، ورفع التعديل الدستوري لعام 2006 العدد إلى 90 عضوا وجميعهم ينتخبون مباشرة لمدة خمس سنوات.
النظام الانتخابي
يحق التصويت لمن يبلغ 18 سنة من الذكور والإناث، وتوافق على المرشحين وتنظم وتراقب سير الانتخابات وإعلان النتائج لجنة الانتخاب المركزية.
وتعتمد قرغيزستان نظام الجولتين في الانتخابات الرئاسية، ففي حال فشل أي مرشح في الحصول على نسبة 50% من أصوات الناخبين، تعقد جولة ثانية بين المرشحَيْن اللذين حصلا على أعلى الأصوات في الجولة الأولى.

 

 

السلطة القضائية
ينص الدستور على استقلال القضاء، ولمكتب المدعي العام صلاحيات واسعة تجاه القضاء، ويعين قضاة المحكمة العليا والمحكمة الدستورية بترشيح من رئيس الدولة ومصادقة المجلس الأعلى.
النظام القانوني والقضائي
يتمثل في هيئتين هما: المحكمة العليا وهي أعلى محكمة استئناف للقضايا المدنية والجنائية، والمحكمة الدستورية وفيها يتم البت في القوانين لمعرفة مدى مطابقتها للدستور كما أنها تصدق على شرعية الانتخابات الرئاسية.
التقسيمات الإدارية
تنقسم قرغيزستان إداريا إلى سبع ولايات، وبلدية بشكيك العاصمة، وتنقسم الولايات إلى محافظات.

 

 

الاقتصاد
يعتمد اقتصاد قرغيزستان بنسبة كبيرة على الزراعة وتربية المواشي والخدمات.
الناتج المحلي الإجمالي: 11.66 مليار دولار (تقديرات 2009)

نسبة النمو: 1% (تقديرات 2009)

التضخم:7.9% (تقديرات 2006)

نسبة البطالة: 18% (تقديرات 2004)

 

المعادن
يوجد الذهب بكميات اقتصادية، كما يوجد الإثمد (حجر الكحل) والفحم الزئبق والتنجستن واليورانيوم والزنك.
الطاقة (تقديرات 2007)
الاحتياطي المؤكد من النفط لا يتعدى 40 مليون برميل، ومن الغاز الطبيعي حوالي 200 مليار قدم مكعب. ولا يكفي ما تنتجه من النفط والغاز الاستهلاك المحلي، وتضطر الحكومة إلى الاستيراد من الخارج.
الزراعة
تمثل 34.5% من إجمالي الناتج المحلي، ويحتل إنتاج القطن وزراعة الحبوب في الوديان المنخفضة، ورعي الماشية لأجل لحومها في المراعي العليا، النصيب الأكبر من القوة العاملة الزراعية.

 

الغابات
تشكل مساحة الغابات في قرغيزستان 4%، وكلها ملك للدولة وليس لها أهمية اقتصادية.
الصناعة
تمثل 19.5% من إجمالي الإنتاج المحلي، وأهم الصناعات: الملابس والمنسوجات والصناعات الغذائية.
الخدمات
تمثل 46.1% من إجمالي الناتج المحلي، وينمو قطاع الخدمات بصورة مطّردة وذلك لظهور المؤسسات الخاصة الصغيرة. كما ينمو قطاع البنوك التجارية الذي يشرف عليه البنك المركزي.

 

العلاقات الاقتصادية الخارجية
أصبحت قرغيزستان عام 1998 م أول دولة في كومنولث الدول المستقلة تنال عضوية منظمة التجارة العالمية. ومعظم تجارتها الخارجية تتمثل في بعض المشغولات الذهبية والأحجار الكريمة والمنسوجات والقطن والملابس واللحوم، وتذهب إلى الإمارات العربية المتحدة وكزاخستان وروسيا. في حين تستورد الآلات والمعدات الكهربائية والمنتجات الكيمياوية من الصين وألمانيا وإيطاليا.
الدين الخارجي
بلغ وفقا لإحصاءات  عام   2008  م حوالي 3.467  مليار دولار.

 

 

في التاريخ
وصلت الدولة القرغيزية إلى أوج اتساعها بعد تغلبها على خانات الأويغور سنة 840 م، ثم تمددوا بسرعة حتى جبال تيان شان فحافظوا على سيطرتهم على تلك المنطقة نحو 200 عام. وفي القرن الثاني عشر بدأ نفوذ القرغيز يتقلص حتى حدود جبال الطاي وسايان نتيجة لتمدد المغول. ومع بداية ظهور إمبراطورية المغول في القرن الثالث عشر، هاجر القرغيز جنوباً حتى استولى عليهم جنكيز خان سنة 1207م. وصف المؤرخون المسلمون والصينيون الأوائل القرغيز ما بين القرنين السابع والثاني عشر بأنهم ذوو شعر أحمر وجلد أبيض وعيون زرقاء، وتعزز تلك الصفات الظن بأنهم  من أصول سلافية، وبسبب الهجرات والحروب والزواج المختلط، فالعديد من الشعوب التي تقطن وسط وجنوب غرب قرغيزستان هي من نتاج أصول متباينة  وقبائل مختلفة، مع أنهم يتكلمون لغات متقاربة.

 

 

النفوذ الروسي
دخل الروس منطقة قرغيزستان من منطقة توفا في سيبيريا في القرن الخامس عشر م. في عام 1876 احتلتها الإمبراطورية الروسية، فثار القرغيز مرات عديدة وهاجر البعض إلى الصين وأفغانستان. حكم السوفييت المنطقة في 1918، وأسسوا فيها أوبلاست قرة قرغيز المستقل كجزء من الجمهورية الروسية الفدرالية الاشتراكية في 1924. في 1926 أصبحت الجمهورية القرغيزية الفدرالية الاشتراكية. في 5 ديسمبر 1936 أصبحت الجمهورية القرغيزية الاشتراكية السوفييتية إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي. في العشرينيات تغير اقتصاد قرغيزستان وثقافتها بسبب التأثير السوفييتي. أسست الحكومة كتابة بالخط العربي للغة القرغيزية في 1924، ثم فرض ستالين الخط اللاتيني بعد     1928 م  ثم الخط الروسي في 1941. في أوائل التسعينيات بدأت تغيرات في سياسة قرغيزستان. في أغسطس 1990 وقعت مشاكل بين سكان ولاية أوش الأوزبك والقرغيز طوال شهرين. في أكتوبر فاز الفيزيائي عسكر آكاييف في الانتخابات الرئاسية. في 31 أغسطس 1991، استقلت عن الاتحاد السوفييتي. استمرت رئاسة آكاييف حتى 2005، حين هرب إلى روسيا بعد معارضات وصراعات كبيرة في العاصمة.

 

 

انقلاب قرغيزستان 2010
عبارة عن سلسلة من العصيان المدني التي نشأت في العديد من مدن قرغيزستان، بتراكم الاستياء الشعبي من الرئيس القرغيزي كرمان بك باكييف، وذلك لأنه كان يمارس سياسة الحد من الحريات الاقتصادية والديمقراطية، حيث قام المتظاهرون بالانقلاب على الحكومة القرغيزية في مدينة تالاسيوم 6 أبريل و7 أبريل من سنة 2010 بعد أن سيطرت الشرطة القرغيزية على العاصمة بشكيك، وقد تم تأكيد 74 قتيلا واصابة 500 شخص في هذا الانقلاب. في مساء يوم 7 أبريل 2010 وصل خبر أن الرئيس القرغيزي المخلوع كرمان بك باكييف قد فرّ إلى مدينة أوش القرغيزية، والتي يجري فيها  تنظيم مقاومة الحكومة الانقلابية الجديدة، حيث قام زعماء المعارضة في قرغيزستان والتي سيطرت على العاصمة بشكيك بتشكيل حكومة انتقالية برئاسةروزا أوتونبايفا والتي تسيطر على كامل البلاد تقريباً باستثناء محافظات أوش وجلال أباد التي كانت تحت سيطرة الرئيس القرغيزي المخلوع كرمان بك باكييف. وكان باكييف قد عرض على المعارضة التي أطاحت به أن يقدم استقالته مقابل ضمان سلامته وسلامة أقاربه، غير أن رئيسة الحكومة المؤقتة روزا أوتونباييفا قالت إنه: "يجب أن يحاكم للاشتباه في دوره بقتل عشرات من المتظاهرين". وفي النهاية تمكن الرئيس كرمان بك باكييف من الخروج من مدينة أوش إلى جمهورية كازخستان المجاورة بعد وساطات قام بها رؤساء كل من أمريكا وروسيا وكزاخستان. فيما ألقت السلطات في قرغيزستان  القبض على وزير الدفاع السابق في مطار مدينة جلال أباد أثناء توديعه للرئيس كرمان بك باكييف.

 

 د-الصحوة : صراع الهوية بين الشعوب والحكام..

عادت شعوب آسيا الوسطى إلى جذورها الإسلامية بعد قطيعة قهرية  طويلة بدأت مع الاستعمار الروسي على يد القياصرة  واستمرت إلى تفكك الاتحاد السوفياتي ..وكانت الشعوب تتوقع مزيدًا من الحرية الدينية وممارسة حقوقها الأساسية، فشهدت هذه الدول توجها ملحوظًا نحو التدين وبناء المساجد والمدارس للعلوم الدينية، كما شهدت إنشاء العديد من الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية إلا أن هذه التوجهات الشعبية اصطدمت بتعنت الأنظمة الحاكمة التي ما زالت تدير البلاد في ظروف استثنائية.
واليوم يُطرح الكثير من الأسئلة حول علاقة الأنظمة الحاكمة في آسيا الوسطى والقوقاز بالأحزاب السياسية الإسلامية التي تشكّلت نتيجة الصحوة الإسلامية العارمة التي عمّت أرجاءها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. وما هو شكل ومستقبل تلك العلاقات؟

 

الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي
يقول الخبير المتخصص مصباح الله عبد الباقي في دراسته القيمة والتي نشرها مركز الجزيرة للدراسات ونقتبس عنها أبرز ما جاء فيها نظراً إلى عمقها واعتمادها على عشرات المراجع :
لابد من معرفة واقع دول هذه المنطقة في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ لأن معرفة الواقع تسهّل معرفة أسباب بروز أحزاب الصحوة الإسلامية، وكذلك تقرّب فهم تعامل حكام تلك الدول مع ظاهرة ما يسمى بالإسلام السياسي. إن الوضع السياسي والاجتماعي لدول آسيا الوسطى والقوقاز ما زال قائمًا لم يتغير كثيرًا عما كان عليه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن، ونلخص الحالة في النقاط التالية:

 

 

أولاً: بقيت هذه الدول لفترة طويلة تحت سيطرة روسيا القيصرية ثم وقعت تحت سيطرة السلطة البلشفية في الاتحاد السوفيتي ولذلك بقيت طوال تلك الفترة منعزلة عن العالم عمومًا وعن العالم الإسلامي خصوصًا. وفي فترة سيطرة الاتحاد السوفيتي؛ حاولت السلطة الشيوعية بكل الوسائل أن تقضي على الهوية الدينية والإسلامية لشعوب هذه المنطقة، كما حاولت أن تمنعها وتعزلها عن المؤثرات الخارجية. وكان من أهم تلك الوسائل تغيير حروف لغاتها، ومنعها من إجراء أي نوع من الاتصال بالعالم. وضمنت هذه السياسة أن تبقى هذه الدول حتى بعد استقلالها شكليًا مرتبطة ثقافيًا واقتصاديًا، وسياسيًا بروسيا. ولاشك أن اعتماد هذه الدول على روسيا يختلف من دولة إلى أخرى، فبعضها معتمد كليًا مثل طاجيكستان، وتختلف الحال لدى الدول الأخرى مثل قرغيزيا وكازاخستان تبعًا للحاكم وتوجهاته وحالة الدولة الاقتصادية.

 

 

ثانيًا: ونتيجة للاعتماد الكلي على روسيا، لم تطور هذه الدول نفسها، وبقيت الهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضعيفة، وكلما تعرضت لشيء من الضغوط الداخلية أو الخارجية لجأت إلى روسيا كما حدث في الحرب الداخلية في طاجيكستان بين حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي وبين الميليشيات الشيوعية من الكولابيين بين الأعوام من 1992 إلى 1997، حين تدخلت روسيا وأوزبكستان في هذه الحرب لصالح الشيوعيين الكولابيين بزعامة إمام علي رحمانوف الذي تولى زمام الأمور بعد تنحي الرئيس الطاجيكي رحمان نبي أوف، فأرسلت روسيا كتائب من جيشها سيطرت على مطار دوشنبه وانتشرت على الحدود الطاجيكية-الأفغانية، وساعدت أوزبكستان الشيوعيين السابقين بالطائرات والسلاح والعتاد في هذه الحرب ضد حزب النهضة الطاجيكي.

 

 

ثالثًا: إن الظروف التي تضطر هذه الدول فيها للاعتماد الكامل على روسيا ليست مثالية في نظر حكامها، ومن ثم فهم يحاولون باستمرار أن يغيروها وأن يخرجوا من سيطرة روسيا الحصرية بالاتصال بالدول الأخرى وخاصة أميركا وبعض القوى الإقليمية الصاعدة مثل تركيا وإيران وغيرها، لكنها عندما تتعرض لضغوط استثنائية تعود تلقائيًا إلى روسيا.

 

 

رابعًا: في البداية أعلن حكام هذه الدول أنهم سيتبعون نهج إطلاق الحريات لشعوب المنطقة والسماح بتشكيل الأحزاب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي مباشرة، لكنهم لما رأوا أن هذا النهج ثمنه خسارة مواقعهم في الحكم وفوز أحزاب الصحوة الإسلامية، المؤهلة أكثر من غيرها للاستفادة من أوضاع الانفتاح وتصدر المشهد السياسي، تراجعوا عن ذلك النهج وضيقوا على الحريات، ومنعوا الناس من ممارسة شعائر دينهم باسم محاربة التطرف والإرهاب. وساندتهم في ذلك أميركا وبعض الدول الأوروبية، لكن الدول التي أدرك الغرب أن الصحوة الإسلامية ضعيفة فيها، وأنها لا تستطيع أن تستفيد من أجواء الانفتاح، فشهدت بدعم غربي إطلاق الحريات السياسية مثل قرغيزستان، ونتيجة لتلك المساندة الغربية اضطر الرئيس القرغيزي عسكر أقايوف، الذي كان يحلم بأن يكون رئيس الدولة القرغيزية مدى الحياة، إلى التخلي عن رئاسة الدولة عام 2005، وتولى الحكم فيها كرمان بك باكييف، ولما ساءت سيرته قام الشعب ضده فأطيح به في ثورة 2010م الشهيرة، لتتولى الحكم روزا اتونباييف، وتمت جميع هذه التغييرات بمساندة الغرب، دون أن ينسحب هذا التأييد على باقي الدول.

 

 

خامسًا: من الناحية الاجتماعية فإن شعوب هذه المنطقة قد تأثرت بالتقاليد الاجتماعية الروسية، لأنها بقيت لفترة طويلة تحت رقابة شديدة، وسعت السلطات الشيوعية إلى أن تصبغها بصبغتها وأن تقطع صلتها بالإسلام وبتقاليدها القومية الخاصة، وتحاول السلطات الحاكمة اليوم الاكتفاء بالانتماء الشكلي إلى الإسلام.

 

 

سادسًا: من الناحية السياسية والإدارية فقد تولى أمور الدولة الشيوعيون السابقون في أغلب البلاد المذكورة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وتقلد رؤساء أفرع الحزب الشيوعي العديد من المناصب بعد إعلان الاستقلال، وما زالوا في سدة الحكم حتى بعد مضي عقدين من الزمن في غالبية هذه الدول، ومن هنا لم يختلف التعامل مع الإسلام والحركات الإسلامية حتى الآن عما كان عليه في عهد الاتحاد السوفيتي وأيام القبضة الحديدية للاستخبارات السوفيتية السابقة (KGB) بل وساءت معاملة المعارضين أكثر من ذي قبل.

 

 

سابعًا: من أهم التغييرات التي شهدتها المنطقة محاولة إحلال الوطنية والقومية محل النظرية الشيوعية. عندما تفكك الاتحاد السوفيتي واندحرت الفلسفة الشيوعية حاول الحكام الجدد لدول آسيا الوسطى أن يملئوا الفراغ الناتج عن انحسار النظرية الشيوعية في البداية بالإسلام التقليدي أو ما كان يسمى بالإسلام الرسمي، وفي نفس الوقت توجهوا الوجهة القومية والوطنية، وكان هذا توجهًا عامًا في جميع دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان؛ إذ حاول جميع حكام المنطقة أن يخترعوا لأنفسهم ولاءات قومية مع أن أغلب هؤلاء ليسوا منتمين لتلك العرقيات التي يتبنونها فعلى سبيل المثال إسلام كريموف الذي يتبنى القومية الأوزبكية بقوة وُلد من أبوين طاجيكيين عام 1930م في سمرقند.

 

 

ثامنًا: لما تفكك الاتحاد السوفيتي بعد المقاومة الأفغانية ضد قواته التي غزت أفغانستان، أثّر ذلك على شعوب المنطقة عمومًا وشعوب أوزبكستان وطاجيكستان خصوصًا، وأثار لديها رغبة جامحة في العودة إلى الإسلام، عبّرت عن نفسها في إنشاء المساجد والمدارس الإسلامية، والعودة بقوة إلى تعلم أحكام الشريعة وإنشاء أحزاب إسلامية.

 

 

تاسعًا: بعد سياسة البريسترويكا (إعادة الهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح) لميخايل غورباتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي انكسر الحصار الحديدي الذي طوقوا به شعوب المنطقة، ووجد المسلمون في القوقاز وآسيا الوسطى فرصة للاتصال المباشر والعلني بالعالم الإسلامي، وخرج الطلاب إلى مختلف البلاد الإسلامية للدراسة في جامعاتها ومدارسها؛ واستقبلت باكستان للمرة الأولى أول دفعة من طلاب الاتحاد السوفيتي في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد وكان عددهم اثني عشر طالبًا، وكانوا قد أتوا إلى الجامعة بجهود من الشيخ محمد أكبر تورجان زاده رئيس الدائرة الدينية في إقليم طاجيكستان حينذاك، وبدأ تأثير المدارس الفكرية الكبرى في العالم الإسلامي يزداد بين شعوب المنطقة.

 

 

آثار ونتائج
ونتج عن الواقع المذكور نوعان من الآثار:
أولاً: ظهور مجموعة من أحزاب الصحوة الإسلامية؛ وكانت في أغلبها متأثرة بأفكار المدارس الفكرية الكبرى في العالم الإسلامي.
ثانيًا: مواقف حكام دول المنطقة من تلك الأحزاب. واتسمت تلك المواقف باتباع سياسة ممنهجة للقمع والإقصاء.

 

 

الأحزاب الإسلامية التي برزت
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ظهر العديد من الأحزاب والحركات الإسلامية، وكلها كانت تحمل بشكل أو بآخر أفكار المدارس الفكرية الكبرى في العالم الإسلامي، وتأثرت بأفكار الحركات الإسلامية الأم وما زالت تتأثر بها، ويمكن أن تقسم تلك الحركات إلى:
أولاً: الحركات المتأثرة بالتوجه الجهادي وبفكر تنظيم القاعدة: ونقصد بها تلك الأحزاب والمجموعات التي تعتمد العمل المسلح نهجًا للتغيير داخل مجتمعاتها، وخاصة في المجتمعات التي يختار قادتها العنف سبيلاً لمواجهة أحزاب المعارضة أيًا كانت تلك الأحزاب. وهذه المجموعات أيضًا تنقسم إلى قسمين: منها ما نشأ داخل آسيا الوسطى، ومنها ما نشأ خارجها. ومنها ما يعمل داخل آسيا الوسطى ومنها ما يعمل خارجها، ومنها ما زال نشطًا ومنها من أفل وغادر الساحة. أما المجموعات النشطة، فهي كثيرة جدا في دول آسيا الوسطى والقوقاز؛ منها الحركة الإسلامية في أوزبكستان (سنتحدث عن هذه الحركة بشيء من التفصيل)، ومنها اتحاد الجهاد الإسلامي الذي انشق عن الحركة الإسلامية الأوزبكية عام 2001 تحت اسم جماعة الجهاد الإسلامي، وأُدرج اسمها في قائمة المنظمات المحظورة الموحدة يوم 1 يونيو/حزيران عام 2005، ومنها كتائب الإسلامبولي الشيشانية ظهرت عام 2004 إثر هجوم فاشل على شوكت عزيز رئيس الوزراء الباكستاني حينذاك، وجند الخلافة في كازاخستان وهي مجموعة تأسست عام 2011 من قبل رينات عبيد الله، وأورينباسار موناتوف، ودامير زنالييف، وهدفها -كما يقول القائمون عليها- الجهاد في كازاخستان، والمجموعة تعمل حاليًا من الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان ومن داخل كازاخستان، ومنها جماعة قبريدين بلقار لمؤسسها إنزو استيمروف الذي قتلته القوات الروسية عام 2010م، ومنها إمارة القوقاز الإسلامية وغيرها من المنظمات الكثيرة لكنها مجموعات صغيرة لايحسن إطلاق الحركة أو الحزب عليها.

 

 

ثانيا: الحركات المتأثرة بالفكر الوسطي الإسلامي أو حركة الاخوان المسلمين: ومن أهم تلك الأحزاب حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي (وسنتناوله بشيء من التفصيل).
ثالثًا: الحركات المتأثرة بحزب التحرير الإسلامي: حزب التحرير الإسلامي في آسيا الوسطى (وسنتناوله بشيء من التفصيل) ومنظمة الإكرامية التي تشكّلت في أنديجان عام 1996م من قبل أكرم يولداشوف أحد أعضاء حزب التحرير الذي ما لبث أن انشق عنه لأنه رأى أن أفكار الحزب تناسب واقع الدول العربية، لكنها لا تتناسب مع ظروف دول آسيا الوسطى

 

 

رابعًا: المجموعات المتأثرة بالفكر الصوفي: وقد نشأت في آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي مجموعات عديدة تحمل الفكر الصوفي مثل: "نورجيلار" أتباع الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي (1870-1960) والطريقة النقشبندية، وعدد آخر من الطرق الصوفية
خامسًا: جماعة التبليغ: ونشطت جماعة التبليغ في دول آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلا أنها حُظرت بموجب القانون في أغلب الجمهوريات في آسيا الوسطى والقوقاز

 

 

وقد ظهرت عشرات الجماعات والأحزاب والمجموعات في دول آسيا الوسطى غير التي أشرنا إليها، وكان أكثرها في أوزبكستان وخاصة في وادي فرغانة، وفي طاجيكستان، ومنطقة القوقاز، منها الأحزاب التالية، بالإضافة إلى ما سبق ذكره:
1.    أوزون موكول (اللحية الطويلة)
2.    عدالت أويوشماسي (جمعية العدل)
3.    إسلام لشكر لري (جنود الإسلام)
4.    توبة (التوبة)
5.    نور (النور)
6.    حزب العدالة الإسلامي
7.    الحزب الديموقراطي الإسلامي
8.    حزب آلاش في كازاخستان التي أنشئ عام 1990م وله ميول قومية كذلك، وقد حظرته حكومة كازاخستان.
9.    حزب إحياء الإسلام في طاجيكستان، كان يحارب ضد حكومة طاجيكستان مع حركة النهضة الإسلامية إلا أنها لما تصالحت مع الحكومة انشق عنها واستمر في معارضة الحكومة الطاجيكية

 

 

الأحزاب الفاعلة ومساحات التأثير

إن عدد الأحزاب السياسية والدينية، التي ظهرت في آسيا الوسطى والقوقاز بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وما زالت تظهر بين فينة وأخرى، كبير جدًا وإن كانت لا تتساوى في النشاط والفاعلية والتأثير؛ حيث إن بعضها لم يحقق انتشارًا، ولا يتعدى أن يكون مجموعات صغيرة ظهرت لفترة من الزمن ثم اختفت. ومن أهم الحركات الفاعلة يوجد ثلاث تعتبر عامة قوية ونشطة ويمتد تأثيرها على رقعة واسعة من آسيا الوسطى والقوقاز، وهذه الأحزاب هي:

 

أولاً: حزب النهضة الإسلامي

أُسس حزب النهضة الإسلامي كحزب موحد لجميع مسلمي الاتحاد السوفيتي في مدينة أستراخان الروسية في شهر يونيو/حزيران عام 1990 من قبل مسلمين تتاريين، وكان الغرض من إنشاء الحزب التعريف بالإسلام وبالشريعة الإسلامية في كل المناطق التابعة للاتحاد السوفيتي حينذاك، وقد سُجل حزب النهضة الإسلامي رسميًا لدى السلطات في الاتحاد السوفيتي بعد سياسة غورباتشوف الانفتاحية، وقرر مؤسسو الحزب أن ينشئ مسلمو كل جمهورية في الاتحاد السوفيتي فرعًا خاصًا بهم إلا أن قيادات الحزب الشيوعي في جميع مناطق آسيا الوسطى عارضوا إنشاء فروع للحزب في مناطقهم.

ولما رجع المشاركون الطاجيك من اجتماع مدينة أستراخان لتأسيس فرع حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان واجهوا الحظر الذي أعلنت عنه القيادات الشيوعية في جميع جمهوريات آسيا الوسطى، ومع ذلك فقد أُنشئ فرع لحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان من قبل أعضاء "جمعية شباب النوري" في وادي "كاراتكين" وساهم في إنشائه كذلك "الكاراتكينيين" الذين يقطنون منطقة "وادي وخش" حول مدينة "قرغان تبه".

أما الإعلان (غير الرسمي) عن نشأة حزب النهضة الإسلامي فقد كان يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1991 في مؤتمر شارك فيه 650 شخصًا من ممثلي المناطق، واختاروا محمد شريف همت زاده أول رئيس له، وقرروا إنشاء جريدة يومية بعد الاتفاق على الشعار الرسمي للحزب والعلم الخاص به، وأعلن الحزب أنه وقف لنشر الإسلام، وتقوية الصحوة الإسلامية، وأنه يسعى للحصول على الاستقلال السياسي والاقتصادي لطاجيكستان، وطمأن همت زاده الشعب الطاجيكي بأن الحزب سيسعى لإيجاد دولة ديمقراطية، تسعى للاستقرار وتتعهد بالالتزام بالقانون.

هذا بالنسبة للنشأة الرسمية لفرع حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، أما بالنسبة للرواية الخاصة فهم يرون أن الحزب الذي لم يكن يسمى بهذا الاسم حينذاك تأسس عام 1973(3). وفي العام 2013 جرى الاحتفال بمرور أربعين عامًا على نشأة حزب النهضة، ومن أهم من شارك في تأسيس الحزب الذي خرج إلى العلن باسم حزب النهضة الإسلامي عام 1991 الأستاذ عبد الله نوري والأستاذ محمد شريف همت زاده، وكانا من تلامذة الشيخ محمد رستموف المعروف بالهندوستاني، الذي درس في الهند، ورجع إلى بلده في السبعينيات من القرن الماضي بالأفكار التي تلقاها من العلماء والمشايخ وقيادات العمل الإسلامي الذين كانوا يزورون الهند في تلك الفترة؛ فأسس مدرسة دينية سرية في العاصمة الطاجيكية الحالية مدينة "دوشنبه" وانتشرت هذه المدارس الدينية السرية في المدينة حتى وصل عددها إلى (22) مدرسة دينية  بما فيها مدرسة الشيخ محمد رستموف الهندوستاني عام 1982، ولما انكشف أمر المدارس المذكورة أغلقتها السلطات السوفيتية، وحكمت على الشيخ رستموف بالحبس لمدة خمسة عشر عامًا يقضيها في سيبيريا، وتوفي الشيخ أثناء حبسه في المعتقل عام 1989، وكان للشيخ المذكور تلامذة كثيرون، منهم الشيخ عبد الله سيدوف الذي اشتُهر بعد ذلك بالأستاذ سيد عبد الله نوري المولود في منطقة "طويل دره" عام 1947، وأُجبرت أسرته مع أسر أخرى على التوطن في وادي "وخش" للعمل في مزارع القطن هناك عام 1953، واستطاع الشيخ عبد الله نوري أن ينشيء جماعة تعليمية في وادي وخش عام 1973 عندما كان طالبًا في كلية الهندسة، ولما خرج في مظاهرة عام 1987 احتجاجًا على استمرار القوات السوفيتية في عدوانها على الشعب الأفغاني اشتُهر أمره، فاعتقل على خلفية تلك المظاهرة مع أربعين شخصًا من أصحابه بحجة توزيع ونشر الكتب الإسلامية المحظورة وتأليب الناس على السلطة، ولما أُطلق سراحه عام 1988 استمر في عمله إلى أن ظهرت المجموعة التي كان قد أسسها الشيخ عبد الله نوري باسم "حزب النهضة الإسلامي"، وكان ساعده الأيمن في ذلك الأستاذ محمد شريف همت زاده.

وكان هذا الفرع هو الوحيد لحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان الذي حصل على الاعتراف الرسمي من الحكومة من بين سائر فروع الحزب، وذلك نتيجة التضحيات التي قدمها إسلاميو طاجيكستان في الحرب التي نشبت بين الشيوعيين الكولابيين وبين بقية المعارضة على خلفية تزوير الانتخابات من قبل الشيوعيين وإعلان نجاح رحمان نبي أوف أول رئيس للحزب الشيوعي في الانتخابات الرئاسية عام 1992؛ فخرج أعضاء حزب النهضة إلى شوارع مدينة دوشنبه وميادينها واعتصموا فيها فاضطر نبي أوف للاستقالة، فشكّل الشيوعيون من منطقة "كولاب" ميليشيات تشن الهجمات على القرى والأرياف والتجمعات الخاصة بحزب النهضة، فنصب إمام علي رحمانوف كبير قائد مليشيات الكولابيين رئيسًا على البلد رغم الاحتجاجات الكثيرة، وذلك إثر تدخل أوزبكستان وروسيا لصالح الشيوعيين الكولابيين؛ مما قاد إلى حرب دامت خمس سنوات، وتوصل الطرفان بعد أن سالت دماء كثيرة إلى اتفاقية المصالحة عام 1997، وكان ذلك بعد محادثات مباشرة بين الشيخ عبد الله نوري وإمام علي رحمانوف، اعترفت بموجب تلك الاتفاقية الحكومة بحزب النهضة الإسلامي، وتم تسجيله حزبًا سياسيًا قانونيًا، كما تم الاتفاق على دمج مقاتليه في الجيش الوطني، وعلى أن يكون نصيب حزب النهضة 30% من مناصب الدولة الطاجيكية، فتمت الاتفاقية ورجعت قيادات الحزب من أفغانستان، وباكستان وإيران وموسكو إلى طاجيكستان، وخاصة بعد أن شعر أطراف الصراع بخطر حركة طالبان بعد استيلائها على كابول.

تعرض حزب النهضة أثناء الحرب الداخلية وبعد اتفاقية المصالحة لانشقاقات عدة؛ فانشق عنه الشيخ محمد أكبر تورجان زاده، وكان من أشهر المشايخ في طاجيكستان، كما انشق عنه عدد كبير من القادة الميدانيين ورفضوا أن تدمج كتائبهم في الجيش الوطني كما كانت الاتفاقية تنص، وكان من بينهم "جمعه باي نمنكاني" الذي اشتُهر بعد ذلك كأكبر قائد عسكري للحركة الإسلامية الأوزبكية وقُتل في الغارات الأميركية على شمال أفغانستان إبان الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، ومنهم "رحمان سنكينوف" وغيرهم.

بدأ حزب النهضة الإسلامي نشاطه بقوة كحزب سياسي في طاجيكستان بعد المصالحة، وخاصة بعد وفاة الزعيمين المؤسسين؛ الشيخ عبد الله نوري (توفي عام 2006) ومحمد شريف همت زاده (توفي عام 2009)، وبعد ما تولى محي الدين كبيري قيادة الحزب عام 2006، ويعتبر كبيري من القيادات الشابة في الحزب مع خلفية ثقافية واسعة، والإيمان بالعمل السلمي السياسي؛ ومن ثم شارك الحزب في كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أُجريت بعد المصالحة في طاجيكستان إلا أن الحكومة الطاجيكية تتعامل معه باستمرار بطريقة استفزازية. يقول كبيري: "شارك حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التي أجريت عام 2005 والتي أجريت عام 2010؛ وتم تزوير الانتخابات في كلتا المرتين، ومع أن حزب النهضة حصل على نسبة كبيرة من الأصوات إلا أنه لم يُعطَ من المقاعد حسب استحقاقه"، ويضيف قائلاً: "لم يتمكن المجتمع الدولي من رعاية الاتفاقيات التي وُقّعت برعاية الأمم المتحدة بين حزب النهضة وإمام علي رحمانوف لانشغال المجتمع الدولي في أفغانستان بعد حوادث 2001، وفي نفس الوقت أعطت الحرب التي شنتها أميركا على القاعدة وحركة طالبان فرصة ذهبية لحكام آسيا الوسطى لاستغلال الوضع ضد الإسلام والمسلمين في المنطقة".

ومع كل ما تعرض له الحزب -ولا يزال يتعرض له- يؤكد كبيري والقادة الآخرون على استمرارهم على النهج السياسي السلمي للحفاظ على أمن طاجيكستان وسلامة الشعب الطاجيكي، أما بالنسبة للمستقبل فيرى أن "دول آسيا الوسطى ليست مثل الدول العربية ومن هنا لا ننتظر ثورة فيها، ولا أمل في نجاح الثورات هناك وانما نؤكد على الإصلاح السياسي، وسنقرر كيفية المشاركة في الانتخابات التي يُزمع عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013م"(7)، ويعتبر حزب النهضة الإسلامي الحزب الوحيد الرسمي بمرجعية دينية في آسيا الوسطى والقوقاز كلها، وذا ثقل شعبي كبير في المجتمع الطاجيكي؛ حيث وصل عدد أعضائه أربعين ألف شخص حسب تصريحات قيادات الحزب بمناسبة مرور أربعين سنة على نشأة الحزب.

وبهذه الصورة استطاع الفرع الطاجيكي لحزب النهضة الإسلامي أن يجد موطئ قدم له في طاجيكستان، وأما الفروع الأخرى لحزب النهضة الإسلامي في بلدان آسيا الوسطى الأخرى فلم تتمكن من الانتشار، وذلك لأن القائمين على أمره في كازاخستان كانوا من الأوزبك فلم يجد رواجًا بين سكان كازاخستان الأصليين، وأما قيرغيزيا فانتشر بين الأوزبك في الجنوب ولم ينتشر بين القيرغيزيين أنفسهم، وأما أوزبكستان فقد انتشر بسرعة فائقة في وادي فرغانة إلا أن زعيمه عبد الله عطايف اختُطف ثم قُتل بيد الاستخبارات الأوزبكية عام 1992 فاضمحل الحزب وحلت محله في أوزبكستان مجموعات أخرى متشددة مثل "التوبة"، و"إسلام لشكر لري" (جند الإسلام)، و"العدالة".

 

 

ثانيًا: حزب التحرير الإسلامي

هو الحزب الذي أنشأه الشيخ تقي الدين النبهاني عام 1953 في الأردن، ولم يكن له وجود في آسيا الوسطى قبل 1995، وأنشئت الدائرة الأولى لحزب التحرير في هذا العام من قبل أحد الأردنيين وكان اسمه صلاح الدين الذي كان يزور طشقند وكان ذلك بمساعدة اثنين من الأوزبك وفقًا للسجلات الرسمية الأوزبكية. كانت "رسائل حزب التحرير" تدور في الأوساط الشبابية الأوزبكية في عامي 1995 و1996 ولم تهتم بها الاستخبارات الأوزبكية لأنها لم تكن تستحق الاهتمام في نظرها، لكنها انتبهت لخطورة الحزب عندما أُنشئت دوائر(9)الحزب في طشقند وبدأ أتباع الحزب ينتشرون في وادي فرغانة وتسرب إلى طاجيكستان وقيرغيزستان المجاورتين. يدعي حزب التحرير أن أعدادًا كبيرة من الشباب انضمت إلى الحزب في دول آسيا الوسطى، والأعداد الكبيرة من المعتقلين بتهمة الانتماء إلى حزب التحرير تؤيد هذا الادعاء. قسّم حزب التحرير العالم إلى ولايات، ويبدو أن آسيا الوسطى كلها تعتبر ولاية واحدة، ويبدو أن القيادة المركزية للولاية في أوزبكستان وتدير القيادة نفسها فروع الحزب في طاجيكستان وقيرغيزستان، توجد عدة أمور ساعدت على تمدد حزب التحرير في أوساط الشباب والمثقفين من شعوب آسيا الوسطى، وأهمها مايلي:

الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، لأن أغلب الشباب من المثقفين ويستفيدون بمهارة من الإنترنت والمواقع المخصصة للتواصل الاجتماعي.
توصيل صوت الحزب عن طريق المنشورات التي يرمونها ليلاً داخل البيوت في المدن.
تدعي قيادات الحزب أن مسؤولين كبارًا في حكومات آسيا الوسطى يساعدون الحزب في برامجه وخاصة في أوزبكستان.
يرى كثير من المحللين أن الشباب يرغبون في الانضمام إلى الحزب لأن الحزب يهتم بالجانب السياسي، ويناقش القضايا اليومية التي يواجهها الشباب في تلك البلاد، ومنها الفقر والبطالة واستبداد الحكام، ويقدم حلاً بسيطًا لجميع تلك المشاكل وهو إعادة الخلافة في نظرهم، وفي نفس الوقت لا يطالب الحزب أعضاءه بالالتزام بشرائع الإسلام ولا يتشدد في ذلك أبدًا؛ وهذا ما يشجع الشباب على الانتماء إلى حزب التحرير.
ويرى بعض المحللين أن من أهم أسباب انضمام الشباب إلى صفوف الحزب ليس حبهم في حزب التحرير بل كرههم لنظام إسلام كريموف (الرئيس الأوزبكي) لأنهم يجدون فيه متنفسًا لإظهار كراهيتهم للنظام القائم في أوزبكستان خاصة وفي باقي دول آسيا الوسطى عامة.
وللأسباب المذكورة يعتبر حزب التحرير اليوم من الجماعات والأحزاب التي لفتت أنظار الشباب إليها في آسيا الوسطى بقوة، إلا أن ما يدعيه الحزب من أن عدد أعضائه في آسيا الوسطى بلغ مئات الآلاف لا يعدو أن يكون مبالغة.

ويدرك المطّلع على فكر حزب التحرير الإسلامي أنه ليس من الجماعات التي تنتهج العنف والقوة وسيلة للتغيير مع أن طرحه الفكري متشدد جدًا؛ حيث إن الحزب يعتبر العالم كله دار كفر ولا يخرجه من هذا الوصف إلا إقامة الخلافة الإسلامية، لكن الحزب لا يريد تغيير دار الكفر عن طريق استخدام السلاح بل الطريق إلى إقامة الخلافة في نظرهم هو نشر الوعي السياسي بين الشباب وتربيتهم على ذلك، ووصف الحزب نفسه في أحد بياناته بأنه (منظمة سياسية وفكرية إسلامية لا تعتمد الإرهاب أو العنف أو الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها ، ومن هنا يجد رواجًا كبيرًا بين الشباب المثقف.

 

 

ثالثًا: الحركة الإسلامية في أوزبكستان

بدأت الحركة التي اشتُهرت بعد ذلك بـ"الحركة الإسلامية الأوزبكية" قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بعدة أشهر، لما احتلت مجموعة من الشباب من منطقة "نمنكان" مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أوزبكستان إثر رفض رئيس البلدية إعطاءهم قطعة أرض لإعمار المسجد، وكان قائد المجموعة المذكورة شاب اسمه طاهر عبد العلي يوويتش يولداشف، وكان معه شاب آخر اسمه جمعة باي أحمد زانووتش خوجه أوف الذي اشتُهر بعد ذلك بـ"جمعة باي نمنكاني" نسبة إلى نمنكان مسقط رأسه، وشارك في الحرب السوفيتية-الأفغانية عام 1987 كجندي في الجيش السوفيتي، ثم رُقّي إلى قائد مجموعة، وكان يُكنّ احترامًا كبيرًا للمجاهدين الأفغان الذين قاتلهم في أفغانستان، يقول أصدقاؤه: "كأنه وُلِد مسلمًا من جديد بعد مشاركته في الحرب السوفيتية ضد أفغانستان"، صار جمعة نمنكاني أسطورة في القتال وقيادة المعارك، وكان أتباعه وأصدقاؤه يحترمونه ويجلونه.

بدأ هؤلاء عملهم في مدينة نمنكان عام 1990، فانضم إليهم حوالي خمسة آلاف شخص، وأنشأوا مدرسة ومسجدًا، ووضعوا قوانين صارمة، وكانت المجموعات تتجول في السوق لمنع المنكرات وضبط الأسعار، فطلب طاهر يولداشف من إسلام كريموف الرئيس الأوزبكي أن يزور نمنكان ويتحاور معهم، وبالفعل زار كريموف المنطقة في شهر إبريل/نيسان عام 1991؛ فطلب منه يولداشف أن يعلن أوزبكستان دولة إسلامية وأن يفتح مزيدًا من المدارس الدينية والمساجد، وهو ما أغضب كريموف.

انضمت هذه المجموعة في البداية إلى حزب النهضة الإسلامي فرع أوزبكستان الذي كان قد تشكل لتوه في دول آسيا الوسطى والقوقاز لكنهم لما رأوا أن حزب النهضة الإسلامي ينوي الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات اتهموه بأنه صنيعة الحكومة وانفصلوا عنه فقد كانوا يرون أن تحقيق التغيير يكون بالثورة الإسلامية وعن طريق استخدام القوة، فأنشأوا حزب "العدالة" الذي انتشر بسرعة فائقة في إنديجان ومارجيلان وكووا وكل وادي فرغانة حتى وصل تأثيره إلى منطقة أوش في قيرغيزستان مقللاً من تأثير حزب النهضة.

وفي شهر مارس/آذار عام 1992 تم حظر حزب العدالة من قبل حكومة أوزبكستان، وألقت القبض على حوالي سبع وعشرين من قياداته، وهرب الباقون إلى طاجيكستان وكان من بينهم طاهر يولداشف وجمعة باي نمنكاني. بقي طاهر يولداشف لفترة في المدرسة التي كان يديرها الشيخ محمد أكبر توره جان زاده، وانضم جميع الهاربين من أوزبكستان إلى حزب النهضة في طاجيكستان وكان ذلك قبيل الحرب الأهلية في طاجيكستان، ولما بدأت الحرب الأهلية هاجر مع قيادات حزب النهضة إلى أفغانستان، فبقي في مركز حزب النهضة في ولاية طالقان بأفغانستان لفترة ثم سافر إلى باكستان ثم قام بالسفر إلى عدة دول إسلامية لأنه كان بصدد إحياء الحركة الإسلامية في أوزبكستان. بقي طاهر يولداشف في بيشاور التي كانت مقرًا للمجاهدين من كل العالم الإسلامي من 1995 إلى 1998، وفي هذه الأثناء سافر إلى الشيشان وقت حرب روسيا على الشيشان وقابل قيادات المقاومة الشيشانية.أما جمعة باي نمنكاني فجمع حوله كل من كان يهرب من ظلم كريموف بالإضافة إلى مجموعة من العرب والأفغان الذين تأثروا بشخصيته فشارك في الحرب الطاجيكية إلى جانب مقاتلي حزب النهضة، وكان مركزه منطقة "طويل دره"، وكانت من أشهر معاركه معركة معبر هابو ريبوت عام 1993؛ فاشتُهر أمره وصادق عددًا كبيرًا من القيادات العسكرية لحزب النهضة، وكان له دور كبير في كثير من المعارك وبرز كقائد عسكري استراتيجي كبير، ولما تمت المصالحة بين حزب النهضة وحكومة رحمانوف لم يقبل المصالحة لكنه سلّم أسلحته بضغوط من قيادات حزب النهضة، واتخذ لنفسه مركزًا في منطقة "هايت" يستقبل فيه الهاربين الأوزبك من بطش إسلام كريموف.

التقى طاهر يولداشف بجمعة نمنكاني في "هايت" عام 1997 بعد ضغوط كبيرة من قبل حكومة إسلام كريموف على أصدقائهما وعلى عامة المسلمين في أوزبكستان، والتقى طاهر يولداشف قبل ذلك بقيادات حركة طالبان في نفس العام، في الوقت الذي كان جمعة نمنكاني يتعرض لضغوط من قبل حكومة طاجيكستان ليُخلي "هايت" فاضطر لمغادرة طاجيكستان واللجوء إلى أفغانستان، وفي كابول عام 1998 أعلن طاهر يولداشف وجمعة باي نمنكاني ولادة "الحركة الإسلامية الأوزبكية"، وبدأ نمنكاني تنظيم المجموعات لقتال حكومة إسلام كريموف من داخل أراضي طاجيكستان، وفي عام 1999 قام بالعديد من العمليات المؤثرة ضد حكومة أوزبكستان، وبعد ضغوط من أعضاء حزب النهضة في طاجيكستان قَبل أن يترك مركزه في منطقة طويل دره وينتقل مع ستمائة من مقاتليه وأسرهم إلى أفغانستان، بطائرات تابعة للجيش الروسي حيث استُقبلوا في أفغانستان من قبل طالبان وطاهر يولداشف استقبال الأبطال. لم يجلس جمعة نمنكاني في أفغانستان من غير عمل بل واصل تحركاته ضد حكومة أوزبكستان بتنظيم هجمات في مختلف أنحاء أوزبكستان ضد حكومة إسلام كريموف.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، وعندما هاجمت أميركا حكومة طالبان بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تولى جمعة باي نمنكاني قيادة قوات المجاهدين الوافدين من مختلف الجنسيات في طالقان فقُتل في قصف أميركي على مدينة مزار شريف، ومع سقوط حكومة طالبان خرج أعضاء الحركة الإسلامية في أوزبكستان مع قادتها من أفغانستان واستقروا في منطقة وزيرستان وبدأت مرحلة جديدة في حياة الحركة الإسلامية الأوزبكية. وفي هذه المرحلة تورطت الحركة في المعارك ضد القوات الباكستانية كما كان لها دور في الحرب الدائرة في أفغانستان ضد القوات الأجنبية، وتورطت أيضًا في المشاكل مع رجال القبائل في منطقة وزيرستان؛ حيث قُتل أمير الحركة الإسلامية الأوزبكية في هجوم طائرة أميركية من غير طيار في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1430ه الموافق 27 أغسطس/آب عام 2009، وعينت الحركة أميرًا جديدًا لها وهو عثمان بن عادل، وينحدر من نمنكان مسقط رأس الأمير السابق للحركة التي ما زالت نشطة في داخل أوزبكستان كما أن لها نشاطًا في داخل أفغانستان وباكستان.
موقف الأنظمة الحاكمة من الأحزاب الإسلامية

سنت الحكومة الطاجيكية عام 2011 قانونا يمنع  الشباب والفتيات من ارتياد المساجد إذا كانت أعمارهم أقل من 18 سنة (الأوربية)
يُرجع بعض المحللين تلك الصحوة الإسلامية والإقبال على الأحزاب الإسلامية إلى أسباب سياسية ويقولون: إن إقبال الناس على هذه الأحزاب لا يعكس إيمانًا ببرامجها بل كان بسبب فشل النظرية الشيوعية، التي كانت تملأ حياة الناس، فلما فشلت لم يجدوا أمامهم بديلاً سوى أحزاب الإسلام السياسي فأقبلوا عليها.

ويُرجع البعض الآخر ذلك إلى أسباب اقتصادية، ويقولون: إن الأنظمة الحاكمة لما فشلت في حل المشاكل الاقتصادية للشعوب ووجدت تلك الشعوب أحزابًا ترفع شعارات مستمدة من الإسلام، وتتحدث عن القضاء على المشاكل الاقتصادية وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة، وإقامة نظام العدل الإسلامي أقبلت عليها، ويرفض هؤلاء أن يكون ذلك الإقبال بسبب قناعة سكان آسيا الوسطى والقوقاز بالإسلام وبالمباديء التي قامت عليها الأحزاب الإسلامية.

ولايمكن القول بأن الصحوة الإسلامية التي شهدتها هذه المنطقة كانت وليدة اللحظة؛ فقد بقي الإسلام مؤثرًا في حياة الناس طوال الفترة التي بقيت فيها آسيا الوسطى والقوقاز تحت سيطرة السلطة البلشفية، ويرى بعض المحللين أن الأحزاب الشيوعية المحلية كانت تعرف هذه الحقائق لكنها كانت تخفي هذه المعلومات عن السلطات في موسكو، فقد لعبت المدارس الإسلامية السرية، والمساجد الخفية، والخانقاهات والطرق الصوفية دورًا مؤثرًا في الحفاظ على التدين بين شعوب المنطقة وخاصة في الأرياف والقرى، كما أن النساء لعبن دورًا أكثر تأثيرًا في الحفاظ على التدين. وكان حوالي ستمائة مسجد سري يعمل في أوزبكستان فقط عام 1945، كما أن حوالي خمسائة مدرسة ومسجد كانت تعمل في طاجيكستان في تلك الفترة(2)، وكان هناك آلاف من الشيوخ غير الرسميين يقومون بأداء المراسم الدينية للناس في الموالد والمآتم والأفراح والأتراح.

ولما شارك الآلاف من شباب المنطقة في ثمانينيات القرن الماضي في الحرب السوفيتية على أفغانستان احتك هؤلاء بالمسلمين الأفغان خارج الأراضي السوفيتية وخاصة بالمجاهدين الأفغان وبعد عودتهم إلى بلادهم نقلوا معهم ما تأثروا به، وفي نفس الوقت كان هناك نشاط كبير للمجاهدين في المجال الثقافي فقد تُرجمت الكتب الإسلامية إلى اللغة الروسية وإلى اللغات المحلية وكُتبت بحروف سيريلكية وكانت مجموعات من المجاهدين توصل هذه الكتب إلى داخل الأراضي السوفيتية، وكان لمركز دراسات المنطقة (Area study center) في بيشاور دور كبير في إعداد هذه الكتب التي أحدثت تأثيرًا كبيرًا على الناس في آسيا الوسطى، وكان يرأس المركز القاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية حينذاك (توفي عام 2012).

 

 

موقف الأنظمة الحاكمة

اتسم موقف الأنظمة الحاكمة في آسيا الوسطى والقوقاز من الصحوة الإسلامية عمومًا ومن الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية بالعدائية، وحظيت في موقفها هذا بتأييد أميركا والدول الغربية وروسيا؛ لظنها أن أي نوع من الانفتاح والحرية سيؤدي إلى سيطرة الأحزاب الإسلامية على المنطقة.

وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي بفترة وجيزة، بدأت مرحلة من الصدام العنيف بين الحركات الإسلامية وتلك الحكومات، بعد أن رأى الحكام المستبدون في آسيا الوسطى أن كراسيهم معرضة للخطر إذا ما أطلقوا الحريات وحقوق الإنسان. وإن كانت العلاقة بين الأحزاب الإسلامية والحكومات تختلف من دولة إلى أخرى إلا أن الحالة العامة كانت تتسم بالصدام، الذي اتخذ أشكالاً مختلفة ولكنه حافظ على أساليب المؤسسات الاستخبارية في ظل القبضة الحديدية لـ(KGB). واستخدمت حكومات تلك الدول وسائل وأساليب عدة لمحاربة أحزاب الصحوة الإسلامية، من أبرزها:

أولاً: الحرب القانونية
لجأت تلك الدول إلى إصدار قوانين تحظر الأحزاب الإسلامية، ويشمل الحظر كل الأحزاب والحركات الإسلامية وإن لم يكن لها نشاط سياسي، بل ويشمل كل من يمارس شعائر دينية بعيدًا عن هيمنة رجال الدين الرسميين؛ فقد أصدرت طاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان قانون حظر الأحزاب الإسلامية، وأصدرت حكومة أوزبكستان قانون "حظر الأنشطة الدينية وتنظيم المساجد" عام 1998، وأصدرت المحكمة العليا الطاجيكية منذ عام 2011 أحكامًا بحظر كثير من المنظمات الإسلامية، منها المنظمات التالية: الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، والحركة الإسلامية الأوزبكية، و"حركة طالبان"، و"حركة الإخوان المسلمين"، و"لشكر طيبة" (جيش طيبة)، و"جماعة التبليغ"، و"الحركة الإسلامية الباكستانية"، وجماعة "المبلِّغ الديني"، والفرقة السلفية، وجماعة "طاجيكستان الحرة" وغيرها. وبسبب تلك القوانين الجائرة لا يوجد حزب ذو توجه إسلامي مسجل رسميًا في أية دولة من دول آسيا الوسطى سوى حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، وقد أعطى هذا الوضع يدًا مفتوحة للحكومات في التعامل القمعي مع المتدينين ومع الأحزاب ذات التوجه الإسلامي.

ثانيًا: سياسة تجفيف المنابع
ومن أهم الوسائل التي تستخدمها هذه الدول لمحاربة أحزاب الصحوة الإسلامية محاولة تجفيف الينابيع الفكرية التي تغذي الحركات الإسلامية والأحزاب ذات التوجه الإسلامي، وقد أخذ ذلك أشكالاً مختلفة، منها على سبيل المثال:

منع البعثات التعليمية إلى الدول الإسلامية: فقد منعت هذه الدول جميع البعثات التعليمية التي كانت تُبعث إلى الدول الإسلامية، بل وأكثر من ذلك فقد استدعت هذه الدول جميع الطلاب التابعين لها الدارسين في الدول الإسلامية، مثل: السعودية ومصر وباكستان وغيرها، كما حدث في طاجيكستان وأوزبكستان وغيرهما من دول آسيا الوسطى، فقد استدعت حكومة طاجيكستان 134 طالبًا كانوا يدرسون في جامعة الأزهر بمصر بحجة خوف الحكومة من أن يؤثر فيهم التيار "الوهابي المتشدد".
منع الأنشطة الدينية وإغلاق المساجد والمدارس:
  سنّت دول آسيا الوسطى قوانين تمنع على أساسها الأنشطة الدينية، وتجبر الناس على أن يخضعوا لما يسمى بالإسلام الرسمي. وأصدرت حكومة إمام علي رحمان في طاجيكستان قانونًا باسم قانون "حرية الاعتقاد والمؤسسات الدينية" في مارس/آذار عام 2009 يسمح للحكومة أن تحدد أنشطة الأحزاب والجماعات والمؤسسات الدينية، كما أنه يعطي للحكومة حق ممارسة الرقابة الشديدة على الكتب الدينية، وتعطي الحكومة حق تحديد أماكن أداء العبادة والمراسيم الدينية. كما أن القانون المذكور يوجب تسجيل الأنشطة الدينية لدى الحكومة وفي نفس الوقت يجعل تسجيل أية مؤسسة دينية أو نشاط ديني لدى الحكومة وأخذ الإذن منها من أصعب الأمور، وهو ما عنى إغلاق آلاف المدارس والمساجد التي أُنشئت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وقد تعرض كثير من تلك المدارس لهجمات تفتيشية من قبل الحكومة، وبناء على هذا القانون نفسه أجبرت الحكومة في عام 2010 حزب النهضة الإسلامي على إغلاق المسجد المركزي التابع له، وهددت الحكومة بحل الحزب إن لم يستجب لمطلب الحكومة، ومن هنا قال محي الدين الكبيري رئيس حزب النهضة الإسلامي في آخر خطبة له في المسجد المذكور يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2010: "إن مجلس شورى الحزب توصل إلى هذا القرار الصعب (إغلاق المسجد) لأجل حفظ السلام والاستقرار ولتفويت الفرصة على أية محاولة لزعزعة الأوضاع".
وفي هذا الصدد منعت الحكومة الطاجيكية عام 2011 الشباب والفتيات من ارتياد المساجد إذا كانت أعمارهم أقل من 18 سنة، وذلك عن طريق قانون سَنّه البرلمان الطاجيكي بإيعاز من الرئيس رحمان علي سمي بقانون "المسؤولية الأبوية"؛ ويجرّم القانون المذكور التحاق الأولاد بالمدارس الدينية غير المسجلة في طاجيكستان، كما أن القانون المذكور يجرّم حضور الأولاد والبنات الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة لأي اجتماع ديني.

وفي عام 2006 قامت الحكومة الطاجيكية بتفتيش المساجد وإعادة تقييم أوضاعها خشية استخدام دور العبادة غير المرخصة لنشر "الأفكار المتطرفة". وفي هذا الإطار أُنشئت هيئة لهذا الغرض، وقامت الهيئة المذكورة بتفتيش مساجد مدينة دوشنبه للتحقق من أوضاعها القانونية والتثبت من مطابقة مبانيها لمتطلبات التخطيط والصحة العامة، وبانتهاء التحقيق في أواخر العام نفسه تم تقديم الموضوع للنيابة العامة، فأوصت النيابة العامة بعد ثلاثة أشهر بهدم ثلاثة عشر مسجدًا، والإبقاء على ثمانية عشر مسجدًا آخر شريطة تسجيلها رسميًا لدى السلطات المختصة، كما وجدوا أن تسعة وعشرين مسجدًا "غير رسمي" ينبغي إعادة تصنيفها كمساجد قانونية، وقد أغلقت السلطات الأوزبكية أكثر من ثلاثة آلاف مسجد خلال سنتين أو ثلاث سنوات وحولتها إلى كازينوهات ومصانع.

أصدرت السلطات الأوزبكية تعليمات خاصة بصلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، فقد منعت الأئمة والدعاة من استغلال صلاة التراويح للمواعظ والخطب، وأن يكون ختم القرآن خلال الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان، وأن يكون الانتهاء من صلاة التراويح مبكرًا، وألا تقام صلاة التراويح إلا في المساجد الكبيرة. وكل هذه الإجراءات هدفت للحيلولة بين المسلمين وبين المصادر التي يمكن أن يستقوا منها المعارف الدينية، تحت ذرائع محاربة الإرهاب والتطرف.

ثالثًا: محاربة مظاهر التدين
ومن الوسائل التي تستخدمها السلطات الحاكمة في دول آسيا الوسطى والقوقاز محاربة مظاهر الالتزام بالإسلام؛ فقد منع النظام الحاكم في طاجيكستان أغلب مظاهر التدين في المجتمع؛ منها على سبيل المثال أداء الصلاة أثناء فترة العمل، ومنع أداء الصلاة إلا في المسجد، كما أن الحكومة منعت النساء من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والأسواق وأماكن العمل والدوائر الحكومية، كما منعت وضع صورة لامرأة محجبة على جواز السفر، ولا يحق للمرأة المحجبة أن ترشح نفسها في الانتخابات العامة، وذلك على أساس قانون خاص سنّته حكومة إمام علي رحمان لهذا الغرض، ويقول المعارضون لهذا القانون: إنه كان سببًا في أن تترك عشرات الآلاف من البنات الدراسة في المدارس، كما أنها منعت إطلاق اللحية، إلى جانب ذلك تمنع الحكومة أن يحفّظ الإنسان أولاده شيئًا من القرآن الكريم، وإذا وُجد طفل يحفظ شيئًا من القرآن يتم تغريم والديه، والحال لا تختلف في باقي دول آسيا الوسطى، فقد تواترت الأنباء من أوزبكستان حول تشديد السلطات الأوزبكية في جميع أرجاء البلاد اضطهادها للمسلمات المتحجبات؛ حيث يقوم رجال الشرطة المنتشرون في كل مكان بنزع حجاب كل امرأة محجبة وإن كانت كاشفة وجهها، مع تسجيل اسمها وعنوانها ومن ثم تحويل ملفها وملف أقاربها إلى القوائم السوداء، وأما النقاب الذي يغطي الوجه كاملاً فلم يعد له وجود في أوزبكستان منذ سنوات.

رابعًا: القهر والقتل والخطف
ومن أهم الوسائل التي يستخدمها حكام دول آسيا الوسطى الاعتقال والتعذيب في السجون والاغتيال، وهناك آلاف من قصص اغتصاب النساء والتعذيب والقتل داخل السجون الأوزبكية لمجرد تهمة تدريس القرآن الكريم للبنات، تروي سيدة أوزبكية مهاجرة تسمي نفسها "رابعة" -وهي إحدى اللاجئات الأوزبكيات إلى كازاخستان اللاتي اعتُقل أزواجهن- في مقابلة لها في إذاعة "بي بي سي الأوزبكية" قصة مأساتها ومأساة الأسر الإسلامية في أوزبكستان قائلة: "لما كنت في أوزبكستان اتهمتني الأجهزة الأمنية هناك بتهمة تدريس القرآن للبنات، ثم قاموا باعتقال زوجي، وضربوا على منزلنا حصارًا مشددًا بمنع الدخول والخروج، إلا بإذن السلطات ومراقبتها. ولما اقتادوني أنا أيضًا إلى مركز الاعتقال سمعت صراخات النساء المسجونات، وكانت قوات الاستخبارات التي اقتادتني إلى هناك تهددنني بالقول: "لقد جمعنا في هذا المكان رجالاً مخصوصين وسنضعكِ بينهم".

 وتستمر السيدة الأوزبكية في حكاية مأساتها وتقول بأن أختها الشقيقة تعرضت لتعذيب وحشي على أيدي المحققين، وكانوا يطلبون منهما الإدلاء بشهادات زور بحق معلّمة النساء في مسجد "القبة الزرقاء" بمدينة "قارشي" بأوزبكستان، واسمها "مهر النساء حمداموف" وتضيف قائلة: "لقد شاهدت أختي الشقيقة وهي ممدة ملقاة وراء الكرسي في غرفة التحقيق، وقد عذبوها لإجبارها على الإدلاء بشهادتها بحقي بأني درست للبنات القرآن الكريم، ثم طالبوني أيضًا بأن أدلي بشهادة ضد السيدة "ذات الخمار" والسيدة "مهر النساء" بأنني تعلمت على أيديهما القرآن وأنهما قامتا بإعدادي للجهاد، وأنهما درّستاني دروسًا في الجهاد".

وتعتقل سلطات هذه الدول الآلاف بتهمة الانتماء إلى الأحزاب الإسلامية ويموت كثيرون منهم تحت التعذيب، ولا أحد يستطيع أن يكشف عن موت قريبه لوسائل الإعلام، وتقول الجمعية الحقوقية في أوزبكستان: إن عدد ضحايا التعذيب الوحشي للمعتقلين في عام 2010 تزايد بشكل ملحوظ، منهم 39 شخصًا لقوا حتفهم جرّاء التعذيب، وأشار التقرير إلى أن جثامين هؤلاء القتلى سُلّمت إلى ذويهم بطريقة سرية وتحت مراقبة أمنية شديدة، وأُجبر الأهالي على إجراء مراسم دفنهم بشكل سري وسريع حتى لا تتسرب أنباء الوفاة جرّاء التعذيب. وتعرض أقارب القتلى للتهديد بالسجن والتعذيب إن هم كشفوا لأية وسيلة إعلامية معلومات حول الضحايا، وإذا رفعت مؤسسات حقوق الإنسان صوتها حول هذه الخروقات تعرضت لما يتعرض له هؤلاء الضحايا من القتل والتعذيب والاغتيال. ونفس هذا التعامل يتكرر في طاجيكستان وكازاخستان وغيرها، وقد تلجأ هذه السلطات للاغتيالات بطرق ملتوية، مثلما حدث مع السيد «شريبوف سبز علي» أحد مرشحي البرلمان الطاجيكي الذي حصد 90% من أصوات دائرته، ورغم ذلك أسقطوه، ثم حاولوا اغتياله بحادث سيارة قُيد ضد مجهول.

خامسًا: خلق المشكلات
ومن الوسائل المهمة لمحاربة الأحزاب الإسلامية السعي لإيجاد المشاكل داخل تلك الأحزاب، أو التضييق عليها فقد كشفت وثيقة سرية (تحمل رقم 20/32) صادرة عن اجتماع عقده رئيس الجمهورية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 مع وزراء الأمن والعدل والشؤون الدينية عن إصدار أوامر بمراقبة القيادة العليا والوسطى لحزب النهضة، والتضييق على تلك القيادات ومحاولة شراء مواقفها بأية طريقة، وفصل 50% من أعضاء حزب النهضة المعروفين في المؤسسات الحكومية، وخلق مشكلات داخل الحزب لتفجيره سياسيًا من الداخل. وقد جاء الكشف عن تلك الوثيقة من قبل روسيا، حينما شهدت علاقاتها توترًا مع حكومة طاجيكستان بهدف تفجير أزمة داخلية في البلاد، وقد أعلن الجنرال "جوباروف" نائب وزير الدفاع الروسي لشؤون المنطقة (أفغانستان-طاجيكستان-أوزبكستان) في تصريحات صحفية أن "كل ما حدث في طاجيكستان في حقبة التسعينيات أو ما يحدث حاليًا، فإن لروسيا يدًا فيه".

سادسًا: الحرمان من الحقوق السياسية
ومن الوسائل التي تستخدمها حكومات دول آسيا الوسطى لمحاربة الأحزاب الإسلامية حرمان تلك الأحزاب من حقوقها السياسية؛ فالأحزاب ذات الصبغة الإسلامية لا يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات؛ لأنها غير مسجلة، بل هي محظورة، والحزب الوحيد الشرعي المسجل في طاجيكستان وهو حزب النهضة الإسلامي، حاله لاتختلف عن حال الأحزاب المحظورة بسبب التزوير الذي يرافق كل الانتخابات، فقد شارك الحزب في انتخابات عام 2005 وحصل على مقعدين فقط من مقاعد البرلمان الثلاثة والستين، كما أنه لم يحصل في الانتخابات البرلمانية عام 2010 إلا على مقعدين كذلك مع أن استطلاعات الرأي كانت تؤكد على أن الحزب يحظى بتأييد من 40 إلى 50% من آراء الشعب الطاجيكي، وحينذاك قالت الحكومة للحزب: إن هذين المقعدين هدية منّا للحزب بمعنى أن الحزب لم يكسب أي مقعد في حقيقة الأمر، وقد تحدث محي الدين كبيري بالتفصيل عن التزوير الذي وقع في كل الانتخابات، لكنه قال: نحن نسكت لئلا ندخل في دوامة الحرب ثانية.

سابعًا: حظر وسائل التواصل الاجتماعي
تحرم حكومات دول آسيا الوسطى شعوب المنطقة من الوصول للمعلومات كما تمنعها من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عن طريق فرض الرقابة على الإنترنت، وتقول بعض التقارير: "إن أوزبكستان تستعين بأجهزة الشرطة لمراقبة مستخدمى الإنترنت، وتفرض تركمانستان تعريفة باهظة على استخدام الشبكة العنكبوتية، أما في كازاخستان فإن القانون يحدّ كثيرًا من نشاط أصحاب المدونات. واضطر التركمان إلى انتظار العام 2008 للتمكن من الاستفادة من الإنترنت فى منازلهم، ولكن بأسعار خيالية: فتكلفة الاشتراك عبر الاتصال السريع الذى تحتكره الدولة تبلغ سبعة آلاف دولار (5 آلاف يورو) في الشهر. ويخضع الإنترنت لقيود قاسية أيضًا؛ فاليوتيوب والفيس بوك وتويتر، وقواعد المدونات مثل لايف جورنال، غير متاحة، على غرار مواقع المعارضة"، وتصدر تهديدات مستمرة من قبل الجهات الموفرة للإنترنت بألا يُستخدم ضد الحكومات.

 

 

موقف الغرب

يقف الغرب عمومًا والحكومة الأميركية خصوصًا من كل تلك الإجراءات الإقصائية موقف المتفرج أحيانًا، وفي بعض الأحيان موقف المؤيد للحكومات، وقد وردت هذه الشكوى بالتواتر في تقارير مؤسسات حقوق الإنسان التي تقدمها عن دول آسيا الوسطى، ويبدو أن السبب وراء ذلك يكمن في عدة أمور:

الغرب عمومًا وأميركا على وجه الخصوص لا يريدان للحركات الإسلامية أن تستفيد من الديمقراطية، والديمقراطية تكون مقبولة ويجب الدفاع عنها في نظر الغرب إذا جاءت إلى سدة الحكم بمن يحمل الفكر المعادي للإسلام، وأما إذا كانت وسيلة لإيصال الإسلاميين إلى الحكم فعندئذ يحارب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ودول آسيا الوسطى ليست مستثناة من هذه القاعدة.
للولايات المتحدة الأميركية مصالحها في دول آسيا الوسطى بخصوص حربها على الإرهاب، وخاصة في أوزبكستان وطاجيكستان، ومن هنا تسكت على جميع انتهاكات حكومتي هاتين الدولتين لضمان مصالحها.
تمارس حكومات تلك الدول كل ماسبق باسم محاربة الإرهاب، وتلقى الدعم على ذلك من الحكومة الأميركية.
ردود أفعال الأحزاب الإسلامية

تخلتف ردود أفعال الأحزاب الإسلامية في آسيا الوسطى تجاه السياسات القمعية التي تتبناها الحكومات من حزب لآخر؛ فهناك أحزاب تتبنى الخط الجهادي، وترى أن وسيلة التغيير في ظل الظروف التي تحكم دول آسيا الوسطى مثل باقي دول العالم الإسلامي هي الجهاد المسلح فقط، وهناك أحزاب ترى وسيلة التغيير من خلال العمل السياسي والتوعية الشعبية إلا أنه يقوم بذلك بلهجة متشددة مثل حزب التحرير، وهناك تيار يرى أن الوسيلة الوحيدة لإحداث التغيير هو الانخراط في العمل السياسي القائم مثل حزب النهضة الإسلامي، وهناك جماعات لا تشتغل إلا بالدعوة والتبليغ ولا ترى في باقي الأعمال فائدة مثل جماعة التبليغ. ويكمن الإشكال في تعامل الحكومات مع تلك الجماعات والأحزاب؛ إذ تتعامل مع كل الأحزاب بطريقة تعسفية واحدة، ولا تميز بين المتشدد والمعتدل ولا يهمها المنهج الذي يتبناه كل حزب.

وحول مستقبل الأحزاب الإسلامية خاصة والصحوة الإسلامية عامة؛ فالتوقعات تتجه إلى القول بأن تلك الأحزاب ستقوى، خاصة مع فشل أساليب القمع في منع الناس من تأييد هذه الأحزاب، كما أن هذه الأنظمة الديكتاتورية الحالية تعاني من مشكلات كبيرة على صعيد الشرعية وطرق وصولها إلى الحكم إضافة إلى الفساد والفشل في تقديم برامج تحل المشكلات، ومن هنا فإنها لن تستطيع مقاومة الإصرار الشعبي على تجريب البديل الإسلامي خاصة في أوزبكستان وطاجيكستان.

 

ه- محطات مهمة في صراع الهوية
1-    صراع بديل
عندما يضغط الغزاة والطغاة لتغييب الانتماء الأصلي للأمة وهو إسلامها،تنبثق عن الهويات المصطنعة صراعات مدمرة معنوياً وبشرياً واقتصادياً،لأن تلك الهويات تمزّق الصف وتغذي المواريث العنصرية الجاهلية..
 في قرغيزستان انتهى التعصب العرقي إلى اشتباكات رهيبة بين القرغيز والأوزبك ففي حزيران/يونيه 2010، بلغت التوترات الإثنية بين الطائفتين القيرغيزية والأوزبكية في جنوب قيرغيزستان ذروتها عندما أزهق العنف أرواح أكثر من 400 شخص وأصاب الآلاف بجروح وشرد الآلاف من منازلهم.

 

 

2-الأمة أول مجلة إسلامية شاملة

25/5/1436
15/3/2015م
((خبر مترجم من اللغة الروسية)):
صدرت مؤخرًا أول جريدة إسلامية في "قيرغيزستان" تحمل اسم "الأمة".
وتُعد مجلة "الأمة" أوَّل منتج إسلامي لوسائل الإعلام الوطنية باللغة الروسية، والتي يوجد فيها صفحات لموضوعات؛ مثل: الثقافة، والعلوم، والرياضة، والصحة، والأسرة، والجغرافيا السياسية، والاقتصاد، وينظر إليها من خلال منظور الإسلام.
وتهدف المجلة إلى توفير المعلومات عن الإسلام، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والفن والثقافة، والتقدم التكنولوجي في الوقت الراهن.
إضافةً إلى المعلومات المعرفية للشباب والقضايا الاجتماعية والروحية، والأشياء والمعرفة حول العالم على أساس الأدلة العلمية، وقد وُجِدت أيضًا قَصص حيَّة عن الأبطال الحقيقيين في الإسلام وإنجازاتهم، وأيضًا عن أبطال المسلمين في الألعاب الرياضية والعلوم والثقافة في "قيرغيزستان" وخارجها.
 
وتهدف المجلة أيضًا إلى غرْس واحترام الثقافات و""الأديان"" والحضارات الأخرى، وتَوْسِعة مدارك الشباب المسلمين، ومساعدتهم على التفكير واتخاذ القرار.

 
الخبر من مصدره الأصلي:
 
В Кыргызстане презентация первого исламского журнала "UMMA" - 26/02 "анонс"
 

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/world_muslims/0/83763/#ixzz3VNt7goGy

 

3-    الأمم المتحدة مشغولة بحماية الفجرة

26/11/2014  م—
حثت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان برلمان قرغيزستان على رفض مشروع قانون من شأنه فرض عقوبات جنائية وإدارية على أعمال تهدف إلى تشكيل "موقف ايجابي تجاه الميول الجنسية غير التقليدية"، محذرة من أن القانون المقترح سيعمل ضد التزامات البلد فيما يتعلق بحقوق الإنسان!!!!

وكانت آليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أعربت سابقا عن قلقها إزاء التمييز والعنف ضد اللوطيين والسحاقيات!!
وتحدد المذكرة التوضيحية المرفقة بمشروع القانون العلاقات الجنسية غير التقليدية بعلاقات "اللواط، والسحاق، وغيرها من أشكال السلوك الجنسي غير التقليدي". وتحظر نشر المعلومات في وسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت، فضلا عن تنظيم التجمعات السلمية بشأن هذه القضايا والمشاركة فيها. وتشمل العقوبات دفع غرامات قد تصل إلى 91 دولارا وعقوبة قد تصل إلى سنة في السجن. وأشار الخبراء إلى أن راتب العامل العادي في قيرغيزستان يعادل 140 دولارا شهريا. وتعتبر المنظمة الدولية بحسب معاييرها المنحرفة أن ذلك يندرج في نطاق الحد من حرية التعبير  وهو غير مقبول إلا في ظروف استثنائية جدا وعلى أساس معايير موضوعية!!.

 

4-خمارات بأسماء بوتن وأوباما
تاريخ النشر:24.10.2014 | 17:35 GMT | فيديوهات
11950
بثت قناة روسيا اليوم هذا الخبر متباهيةً به:
شهدت العاصمة القيرغيزية بيشكيك مؤخرا افتتاح "حانة بوتين" و "أوباما بار آند جريل" ، وانتعشت حركة الزبائن داخل الحانتين بشكل كبير يوم الخميس.

الحانتان مليئتان بالتذكارات والأدوات الرئاسية، وتقدم وجبات الطعام بأسماء لها علاقة بحياة رئيسي البلدين روسيا والولايات المتحدة، وتجتذب الحانتان السياح والسكان المحليين على حد سواء.

ويرتدي الموظفون في حانة بوتين قمصانا تحمل كلمات "الناس المهذبون" تكريما للجنود الروس الذين قال بوتين عنهم أنهم "دعموا" قوات الدفاع المحلية خلال فترة انضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي في مارس/آذار.

ومٌنحت القوات هذا اللقب بسبب عدم إطلاقها رصاصة واحدة لتنفيذ عملية ضم شبه الجزيرة، كما لم تقم بأية أعمال عنف أثناء العملية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
1- موقع علامات أون لاين.
2- موقع هدي الإسلام.
3- موقع قصة الإسلام.
4- موقع آسيا الوسطى
Kyrgyzstan,The World fact book
https://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/kg.html
Kyrgyzstan , Country Studies - Library of Congress
http://lcweb2.loc.gov/frd/cs/profiles/Kyrgyzstan.pdf
Kyrgyzstan, the Columbia Encyclopedia
http://www.infoplease.com/ipa/A0107698.html
Energy Information Administration, from Oil and Gas Journal
http://www.eia.doe.gov/emeu/international/reserves.html
د. مصباح الله عبد الباقي - الأستاذ المشارك بجامعة سلام كابول-أفغانستان