سجِّل أنا سني!
17 جمادى الثانية 1436
عبد الله المفلح

لم يعد سهلًا أن تُكون سنيِّا اليوم.

السني الطيب بالنسبة للغرب وأمريكا وإيران وإسرائيل، هو السني الميت.

كل سني يقاوم الغرب وإيران ويحمل السلاح لدفع احتلالهما يصبح إرهابيًا أو قاعديًا أو سلفيًا أو وهابيًا أو داعشيًا. خذ ما يناسبك، المهم أن لا يتم وصفه بالسني كي لا تستثار مشاعر مليار مسلم سني!

يجب أن تركع وتستسلم وتيأس. ليس هذا فقط؛ بل وأن تغفل وتنسى ولا تعي أنَّك تحت الاحتلال والاضطهاد، وهذا هو دور الثقافة الإمبريالية التي يصفها إدوارد سعيد بأنها “السلطة التي تغير آراء الناس المستعمَرين دون الحاجة إلى أن يلجأ المستعمر للسيطرة العسكرية”.

 

 

أنت أيها السني بمثابة المارد الذي يخشى العالم أن يصحو. أنت الإرهابي الوحيد.

سيتحالف ضدك الشرق والغرب، كي تظل تحت السيطرة. لا يهم إن كنت تحت حكم شيعة إيران أو صهاينة إسرائيل أو علوية بشار أو تحت البسطار العسكري لزعيم يزعم أنَّه منك وفيك، أو حكم الغرب وأمريكا. المهم هو أن تظل راكعًا.

سيقتلك شيعة إيران وحزب الله في العراق بمساعدة الغطاء الجوي الأمريكي، غطاء الشيطان الأكبر، وسيقتلك الحوثيون في اليمن بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، وسيقتلك العلويون في سوريا بمساعدة الإيرانيين والروس، وسيقتلك الأمريكان لمجرد التسلية في العراق وأفغانستان .

لقد ارتكبوا وسيرتكبون المذابح والمجازر بحق أطفال وشيوخ ونساء السنَّة. مجازر يندى لها جبين البشرية. لكن جوابهم حاضر: إنَّهم دواعش. إنَّها الموضة الجديدة. قتلوك في السابق بدعوى أنك إرهابي، ثم بدعوى أنَّك قاعدي، ثم بدعوى أنَّك سلفي، ثم بدعوى أنَّك وهابي، واليوم بدعوى أنَّك داعشي.

 

 

كلهم يعرفون الحقيقة. هل رأيت ذلك الشيعي الذي كان يشوي شيخًا سنيًا بالنار، ويطالبه صديقه بعدم تصوير المشهد كي لا يتسرب فيثير غضب السنَّة ويُحرك المنظمات الحقوقية؟ كلهم مثله، كلهم مجرمون وقتلة. لكن دون صور وفيديوهات.

ذلك الشيخ السني الذي كان يُشوى بالنار، كان مدنيًا ، لكنه بالنسبة لذلك الشيعي وكل شيعي مثله هو وهابيٌ ناصبيٌ كافر حلال الدم بحسب أدبيات المذهب الشيعي، وقبل هذا وبعده هو داعشي بالتأكيد!

السنَّة نواصب، مغتصبو الحق الإلهي، مرتدون ، وقتل المزيد منهم هو السبيل لتقريب خروج المهدي المسردب. هذا هو دين الشيعة. وهذا هو التفسير “الموضوعي” الوحيد لهذا الهوس الجنوني بقتل سنَّة العراق وسوريا بهذا الشكل المروع.

 

 

ولن يقول أحدٌ الحقيقة، الموجودة والمكتوبة في كتب القوم المعتبرة. دعها تعمل، دعها تمر.

اصمت ولا تتهم الشيعة؛ تغدو طائفيًا لو فعلت، بحسب رواية المثقفين السنَّة، الذين لم يقرأوا كتابًا شيعيًا واحدًا كي يروا إن كان ما تقوله حول تكفيرية الشيعة وشتمهم لكل رموز ومقدسات المسلمين صحيحًا أم لا. هذا لا يهم، المهم، أن تظهر هذه النخبة أمام الملأ، وفي الإعلام بشكل حضاري، بشكل يبدون فيه موضوعيين، وضد الطائفية بالمطلق، ولتذهب الحقيقة إلى الجحيم.

لا تحتج أيها الداعشي البغيض بأنَّهم لم ولن يقولوا شيئًا حيال مذابح الشيعة الطائفية. سيجدون لها ألف مخرج؛ سيقولون هي عمليات سياسية وليست طائفية، وسيقولون إنَّها رد فعل على عمليات السنَّة، وسيقولون إنَّها مجرد أكاذيب يخترعها الشيطان الأكبر. لكنهم أبدًا لن يقولوا إنها عمليات منظمة وممنهجة وجرائم حرب تقودها إيران وعصاباتها ضد العرب السنَّة. دعها تعمل، دعها تمر.

 

 

لقد عانى أهل السنَّة والجماعة بما يكفي.

لا تنبع معاناتهم بسبب الشيعة الروافض أو العلويين أو الغرب المجرم أو الأمريكان أو الروس فقط؛ بل ومن مثقفي السنَّة الذين باتوا يلعبون دور الطابور الخامس لكل أحد، أولئك المهووسون بتوزيع الاتهامات بالتناصف، بين الضحية والجلاد.

كان القرضاوي بالنسبة لهذه النخبة رمزًا للتسامح والوحدة. لكن، منذ أن فضح كذب الشيعة الروافض وتكفيريتهم ونفاقهم، نفضت النخبة يدها عنه، وأصبحوا يرددون ما يردده الشيعة الروافض بأنَّه وهابيٌ متشدد!

 

 

ألا يجعل هذا من النخبة هذه ألعوبة ورأس حربة في المشروع الإيراني الذي يدعمه الشيعة العرب من الروافض؟

لا يُراد أن تكون هناك راية سنيّة واحدة معتدلة، قد تجمع حولها مليار مسلم سني؛ ولذا نشاهد هذا الهوس منقطع النظير من مكائن الشيعة الإعلامية ومن كلاب أمريكا والغرب من الإعلاميين العرب السنَّة في تشويه كل ما هو سني، ووصفه بالتطرف والتشدد والتزمت والإرهاب.

الحقيقة هي أنهم لا يهاجمون السنيّة السياسية أو الدينية لأنهم يرفضون الطائفية بالمطلق، لأن هذا لو كان صحيحًا لهاجموا الطائفية الشيعية الفاقعة التي يتبجح بها كبار القتلة كحسن نصر الله وهادي العامري ومقتدى والحكيم؛ لكنهم لن يفعلوا لأن هجومهم مخصص ضد الطائفية السنيِّة فقط التي، فيما لو نجح خطابها التحشيدي، قد تُحرِّك مليار مسلم، وبالتالي تسقط عروش أنظمة إيران والعراق وبشار ولبنان في شهور، ومع سقوطها يفقد الكثير من رموز النخبة السنيِّة الامتيازات المادية والمعنوية التي تمدهم بها هذه العروش!

 

 

ليس كل هذه النخبة السنيّة المثقفة عملاء ومرتزقة، فهناك طيف سني مثقف لا يملك الحد الأدنى من الذكاء والمعرفة بأدبيات وعقائد الشيعة الرافضة والعلوية، ليرى إن كانوا بالفعل من طوائف المسلمين في المجمل أم لا؛ بل يكتفي بمجرد أنهم من أهل القبلة ويقولون لفظ الشهادة، متغافلين أن كل الطوائف المجرمة القذرة التي ارتكبت أبشع المجازر في التاريخ الإسلامي كانوا يقولون إنهم مسلمون وينطقون لفظة الشهادة، كالحشاشين والعلاقمة والقرامطة!

ادعى نابليون الإسلام ونطق لفظة الشهادة، فهل انخدع أبطال مصر بهذه الكذبة السخيفة؟!

ألا ينطق القاديانيون والنصيرية العلويون الذين أجمعت الأمة على كفرهم بالشهادة ويستقبلون القبلة؟!

 

 

دعها تعمل، دعها تمر.

تناقشت مع الكثير من المثقفين الذين يرفضون الطائفية وينتفضون بحماس شديد لمجرد لفظك لكلمة شيعة أو روافض أو علويين، حماس لا تجد عشر معشاره في دفاعهم عن ضحايا أهل السنة والجماعة في العراق وسوريا واليمن من أطفال ونساء وشيوخ يُقتلون يوميًا بدم بارد على أيدي ميليشيات شيعية بصفتهم نواصب مرتدين يجوز قتلهم وحرقهم وتقطيعهم بالسواطير وسحلهم. حين أناقش هؤلاء المثقفين، يكون سؤالي الأول لهم: هل قرأت كتابًا من كتب المذهب الشيعي الرافضي؟ 99% يقولون لا، ثم ينبرون لعزف تلك الديباجة المعهودة، حول أهل القبلة، ومجرد لفظ الشهادة. وحين أنقل لهم ما يُقال في كتب الشيعة عن أهل السنَّة وأنَّها المحرض الرئيس لماكينة القتل الشيعية، يشككون في كل شيء، ولا يقبلون أدلتك وشواهدك مهما كانت واضحة وجلية. إنه الإنكار النفسي، حيث يرفض المثقف الحقيقة التي تجعل التفسير الديني، الذي يزدريه المثقف، أكثر قوة ورصانة وعلمية من تحليله. دعها تعمل، دعها تمر.

تناقشت مع الكثير من هؤلاء المثقفين حول مقتضى الإيمان بولاية الفقيه، وكيف أنَّها عابرة للقارات والحدود الوطنية، وكيف أنها تجعل من المكوِّن الشيعي في كل بلد طابورًا خامسًا وقنبلة موقوتة يلعب بها الولي الفقيه، وإن لم يفعل الشيعي ما يأمره به الولي الفقيه فهو كافر خارج من الملَّة خالدٌ في نار جهنم … لا يردون، ولا يعلقون.

 

 

دعها تعمل، دعها تمر.

إن الكثير من المثقفين لا يريدون أن يقرأوا، خصوصًا بعد أن كبروا في العمر. ولا يريدون أن يسمعوا ما قد يربك طمأنينتهم، أو يشعرهم بالخيانة والغباء والسذاجة.

هم حزموا أمرهم، رغم أنَّهم لم يقرأوا كتب الشيعة الروافض ولم يتعرفوا على مذهبهم من خلال مصادرهم، لكنهم وبخفة شديدة وجدوا أن أقرب ما يمكن وصف الشيعة به هو أنَّهم مدرسة فقهية خامسة قريبة من المذاهب الفقهية الأربعة، بجامع الاختلاف. هذا الفعل يريح المثقف. المثقف السخيف بطبيعة الحال، وغير الباحث عن الحقيقة.

دون أن يرى هذا المثقف العبقري أو ذلك، أن مذاهب السنَّة الأربعة هي تنوع “فقهي” بحت، وأما في العقيدة والتوحيد فأصحاب المذاهب الأربعة متفقون على أهمية التوحيد لله وحده ونبذ الشرك والبدع وكفر دعاء غير الله والاستغاثة بالأموات وحرمة سب الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم وكفر القائل بتحريف القرآن، مما يشكل فرقًا جوهريًا ورئيسًا في العقيدة بين السنَّة والشيعة. وليس هذا من بنات أفكاري؛ بل من كتب ومراجع القوم المعتبرة.

 

 

زد على هذا السبب المريح أن هذا المثقف العبقري يشعر بقيمة نفسه فقط حين يُناصر الأقلية، ولو كان في ذلك إهدار لحق الأغلبية. المهم أن يظهر في دور البطل، حامل لواء الدفاع عن المستضعفين، القلة. لاحظ أنَّه يدافع عن رقم، عن أقلية وأغلبية، وليس عن حق وباطل. ولا يهم إن بلغ عدد الضحايا الذين قتلتهم هذه القلة في سوريا والعراق المليون نسمة من السنَّة!

إنَّه لا يريد أن يسأل نفسه من المقصود بهذه الشعارات التي لا تُقام بالسر بل في العلن وفي حضور كبار سادة ومعممي ومثقفي المذهب: “يا لثارااااااات الحسين”؟ ثارات الحسين ضد من؟ وهل بقي من الأمويين أحد؟ لا يريد أن يدخل هذا المثقف السني العبقري في التفاصيل التي يمكن فيها الشيطان، فهذه مجرد شعارات دينية فولكلورية بالنسبة إليه، وليست وسيلة لشد العصب الديني الرافضي ضد السنَّة النواصب أحفاد يزيد قاتل الحسين رضي الله عنه! يا أخي دعها تعمل، دعها تمر.

 

 

ولا يريد أن يبحث حول صحة تكفير الشيعة الروافض لفاتحي بيت المقدس كاسر الفرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكاسر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي رحمه الله؟ كيف لمن يكفر هذين الرمزين الإسلاميين أن يدَّعي نصرته لفلسطين؟ بالنسبة له، لا يهتم، لا يريد إزعاجًا. دعها تعمل، دعها تمر.

لا يُصدِّق أن الخميني قد قال مرة: إن الأئمة يصلون لمكانة عند الله لا يصلها ملك مقرب ولا نبي مرسل! لا لا مستحيل أن يقول الخميني هذا الكفر الصريح، هذا بالتأكيد من تلفيقات المتدينين السنَّة، الوهابيين، السلفيين، الداعشيين، دون أن يُكلِّف نفسه عناء البحث عن صحة المعلومة!

 

 

كيف تريد من مثقف كهذا أن يُصدِّق أن الخميني قد يجيز التمتع بالرضيعة؟!

هذا المثقف، هو نفسه الذي جلد أهل السنّة والجماعة لفتوى شاذة من شيخ مغمور، وهذا المثقف السني نفسه هو الذي صدَّق الكذبة التي روجتها قناة الميادين الشيعية حول فتوى الشيخ العريفي جول جهاد النكاح، وهو نفسه المثقف الذي ينكر بشدة وجود ما يُسمى بالمتعة عند الشيعة!

 

 

لاحظت كيف هو البحث عن الحقيقة عند هذا النوع من المثقفين؟

هؤلاء المثقفون هم ذاتهم الذين صدَّقوا كذبة الوطن العراقي الواحد، ثم حين حصلت مجازر كتائب الموت التي يقودها مقتدى والعامري لم يقولوا كلمة. دعها تعمل، دعها تمر.

وهم ذات المثقفين الذين يرون الكفر الصريح من الجنود العلوية حين يقول أحدهم للسني قبل أن يقتله، قل: ربي بشار! ثم لا يقولون كلمة. يا حبيبي دعها تعمل، دعها تمر. لا تدقق.

 

 

هم ذات المثقفين الذين يرون حسن نصر الله يعلن: إننا اثني عشرية. ثم لا يقولون كلمة.

قتلونا كلامًا عن ضرورة غربلة التراث السني، ووضعوا المشانق والمقاصل، وأعملوا مقصاتهم في التراث السني، كي يوائم العصر، رغم أن هذا التراث ليس تكفيريًا أو أسطوريًا يمتلىء بالخرافات والمضحكات وسب الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم، ولا يصف الشيعة بما وصفونا به بأننا أبناء زنا وسفاح! لكنهم لم يقولوا كلمة واحدة حول ضرورة غربلة التراث الشيعي. أليس فعلهم هذا طائفيًا؟ دعها.. أيوة دعها تعمل، دعها تمر.

هم ضد الطائفية بالمطلق، فهم ضد تلك الفئة من الطائفة السنية التي تنبري للدفاع عن السنَّة في العراق وسوريا. لكن، هؤلاء المثقفون ينسون أنَّهم ضد الطائفية بالمطلق حين يدافعون ويتباكون على الطائفة الشيعية وهضم حقوقها!

 

الحقيقة المرَّة، والتي لن يقبلونها بطبيعة الحال، هي أنَّهم سنَّة ضد السنَّة. يقتل الشيعة في العراق وسوريا إخوتنا السنَّة بالسكاكين والسواطير بدوافع طائفية معلنة، فيبرر لهم هؤلاء السنَّة الخونة بالكلمة والقلم. إنهم في نفس الخندق، قادهم إليه كرههم للمتدينين السنَّة، وهوسهم بالدفاع البطولي عن الأقلية، وجهلهم بالحقيقة، ذلك الجهل الذي لا يعذرهم، فليس من بحث عن الحق فأخطأه كمن بحث عن الباطل فأصابه!

 

من اليوم، ومن هذه الساعة، لا تخجلوا من سنيتكم، أعلنوها فأنتم ملح هذه الأرض، وحماة الإسلام، ودعاة التسامح، لكنكم أيضًا أسود السنَّة وأبناؤها. ولو رغمت أنوف الشيعة الروافض وإيران وأمريكا والغرب وإسرائيل، وهذه الفئة الجاهلة والخائنة من المثقفين التافهين.

 

أنا طائفي حتى العظم، حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ أهل السنَّة والجماعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وإيران. وليذهب المثقفون وبرستيجهم الثقافي إلى الجحيم.

 

سجِّل أنا سني.

 

 

المصدر/ التقرير