قضية مسلمي كشمير المنسية
3 رجب 1436
د. عامر الهوشان

ليست قضية فلسطين المحتلة هي القضية الإسلامية الوحيدة التي لم تحل رغم مرور حوالي سبعة عقود على مأساتها , فهناك قضية كشمير المسلمة التي ما زال قسم كبير منها تحت نير الاحتلال الهندي منذ عام 1947م وحتى الآن دون حل .

وإذا كانت قضية فلسطين المحتلة قد نالت حظا من العناية والاهتمام - وإن ظاهريا في وسائل الإعلام من قبل الحكومات العربية والإسلامية , ولأغراض سياسية ربما لا تكون من أجل القدس والأقصى وفلسطين عموما - فإن قضية كشمير المسلمة لم تنل على أي حال ذلك الاهتمام وتلك العناية من قبل الحكومات الإسلامية ولو حتى ظاهريا وإعلاميا .

ونظرا لهذا النسيان وعدم الاهتمام , كان واجبا على كل غيور على دينه , أن يفضح كل ممارسات الاحتلال الهندي بحق أبناء هذا البلد المسلم , وأن ينشر ما تحاول السلطات الهندية إخفاءه وستره عن وسائل الإعلام , وأن يُذكّر بقضية مسلمي كشمير في كل مناسبة أو حادثة تجري هناك .

ومن هذا الباب لا بد من التذكير بما قامت به قوات الأمن في القسم الخاضع للادارة الهندية من اقليم كشمير المسلم أول أمس, حيث أطلقت هذه القوات الرصاص الحي على متظاهرين سلميين ، لم تكن جريمتهم إلا أن طالبوا بحقهم بنيل استقلالهم عن الهند , تطبيقا للمعاهدات والقرارات الدولية بحق تقرير المصير لهذه البقعة من الأرض , التي يقطنها غالبية مسملة ساحقة .

لم تكن هذه الحملة الأمنية الهندية هي الأولى من نوعها ضد كل تحرك سلمي لمسلمي كشمير , إلا أنها هذه المرة أدت إلى قتل صبي في ثاني يوم من الاحتجاجات الدامية التي يشهدها الاقليم منذ الجمعة الماضي .

قصة مسلمي كشمير لا تختلف كثيرا عن قصة معاناة المسلمين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال في مختلف أرجاء العالم , ولعل معاناتهم الحديثة بدأت عام 1947م , حين غادر الاحتلال الانكليزي شبه القارة الهندية , وظهر إلى حيز الوجود دولتا "الهند وباكستان" , وحسب خطة التقسيم كان الواجب أن تنضم المناطق ذات الغالبية المسلمة لتشكل ما يسمى الآن "باكستان" , والمناطق ذات الغالبية الهندوسية تشكل ما يسمى "الهند"" , أما الولايات شبه المستقلة التي كان يحكمها "أمراء ومهراجات" – ككشمير – كان لها أن تختار بين الانضمام لباكستان أو الهند أو أن تبقى مستقلة .

وكان الخروج على تلك الاتفاقات بإعلان مهراجا كشمير الهندوسي عام 1947م انضمام الولاية للهند , ذريعة لتدفق الجيش الهندي إلى هذه الولاية المسلمة لحكمها بالحديد والنار , ليبدأ معها فضل جديد من مسلسل معاناة مسلمي كشمير المستمر إلى يومنا هذا.

لقد استخدم مسلمو كشمير كل الوسائل السلمية التي من شأنها أن تمنحهم حقهم في الاستقلال عن الهند , بدءا بالإضراب العام لإيصال رسالة مفادها عدم رغبة الشعب الكشميري المسلم بالبقاء تحت إدارة وسلطة الهند , وصولا إلى المظاهرات والاحتجاجات , إلا أن كل هذه المحاولات لم تجد نفعا مع المحتل الهندي .

والحقيقة أنه لم يجد مع هذا المحتل إلا القوة والمقاومة , تلك اللغة التي لا يفهم غيرها الغزاة والمحتلون , حيث بدأ كفاح مسلمي كشمير بمساعدة بعض رجال قبائل في باكستان ضد قرار مهراجا ضم الإقليم للهند بغيا وعدوانا عام 1947م , واستطاعت هذه المقاومة تحرير ما يقارب ثلث مساحة إقليم كشمير , والذي يقع الآن تحت السيطرة الباكستانية ويسمى "أزاد كشمير" أو "كشمير الحرة" , بل كادت تلك المقاومة الباسلة أن تصل إلى تحرير إقليم كشمير كاملا , لولا مكيدة الهند بعد أن شعرت بالهزيمة , ولجأت إلى ما يسمى "الأمم المتحدة" لإنقاذها , من خلال ادعاء موافقتها على حق الشعب الكشميري بتقرير المصير , لتقف حرب التحرير الأولى في 31 كانون الثاني 1948م .

وعلى الرغم من صدور قرارات متتالية من الأمم المتحدة بحق تقرير المصير لإقليم كشمير , والتي صدرت في كل من 12 ابريل عام 1948م , و13 أغسطس عام 1948م , و5 يناير عام 1949م , إلا أنها لم تكن كافية لإجبار الاحتلال الهندي على احترام رغبة الأغلبية الكشميرية بالانضمام لباسكتان والاستقلال عن الهند .

لم تكتف السلطات الهندي بالمماطلة والتسويف وعدم الخضوع لقرارات الأمم المتحدة , بل مارست كل أنواع الاضطهاد بحق مسلمي كشمير , بدءا من التهجير والتشريد ومحاولة تغيير الطبيعة الديمغرافية للإقليم , من خلال توطين الهندوس وتهجير المسلمين , بل وبمحاولة إصدار الإحصائيات غير الصحيحة لنسبة المسلمين في الإقليم , حيث زعمت أنهم كانوا يمثلون 68% عام 1961م , ليصل العدد إلى 64% عام 1981م ...بينما الحقيقة أن نسبة المسلمين في الإقليم لا تقل عن 85% من عدد السكان البالغ حوالي 13 مليون نسمة حسب إحصائيات الكشميريين أنفسهم .

وصولا إلى اعتقال الرموز الإسلامية وكل من يدعو للانفصال عن الهند , وكان آخرهم الزعيم الانفصالي "مسرت علم" لقيادته مسيرة مناوءة للهند رفعت فيها الاعلام الباكستانية .

وأمام هذا التعنت الهندي إزاء حق الشعب الكشميري المسلم بتقرير مصيره , بل وأمام هذه الانتهاكات المتواصلة ضد مسلمي كشمير , لم ترتق ردود أفعال الحكومات الإسلامية إلى مستوى القضية , فبينما اكتفت باكستان بإدانة مقتل الصبي الكشميري على يد القوات الهندية , لم نسمع من باقي الدول الإسلامية أي تعليق على هذه الحادثة .

فإلى متى ستبقى قضية مسلمي كشمير منسية ؟!