رستم غزالي.. مؤشر مهم على اقتراب التفكك الكبير
7 رجب 1436
دـ أحمد موفق زيدان

حالما أكدت العصابة الأسدية نبأ وفاة رئيس جهاز الأمن السياسي السوري السابق اللواء رستم غزالي رجعت بي الذكريات إلى ليلة دخولي العاصمة الأفغانية كابول مطلع مايو/ أيار 1992 حين كانت قوات المجاهدين الأفغان تعلن التحرير والسيطرة على المدينة من عملاء السوفييت.. يومها توجهت إلى مبنى وزارة المخابرات الأفغانية ربما بحكم الخبرة  المريرة مع أجهزة استخباراتية طائفية في سورية، لأرى نهاية جهاز مخابراتي دموي قد يشفي بعض غليلي من جهاز مخابرات بلادي الذي أذاقنا كل أنواع الإهانة والظلم..

 

 

 

يومها كنت مراسلاً لصحيفة الحياة اللندنية وما إن وصلت إلى المبنى المكون من عدة طوابق حتى  طلبت من مرافقي أن يرشدني إلى غرفة الوزير الجنرال غلام يعقوبي صاحب الصيت  الأسوء في التاريخ الأفغاني ..دخلت المكتب الفخم ووجدت بقايا بركة دم وسط الغرفة..قال لي من كان في المبنى إن الوزير انتحر هنا أمام مكتبه تماماً حيث كان يقف أكبر رأس أفغاني ذليلاً صاغراً أمامه.. فانتقم الله منه بأن يسقط قتيلاً في مكان ضحاياه الكثر الذين أذلهم ، ولكم أن تتخيلوا ما كنت أفكر فيه .. لم أفكر يومها بتقرير صحافي سأعده عن الحادثة، وإنما تذكرت يومها هل سأشهد نهاية كهذه للعصابة الأمنية الاستخباراتية السورية قبل أن أرحل عن هذه الدنيا ..

 

 

 

ونحن نتابع كيف أن العصابة الأسدية تقتل أبناءها أو ينتحر أبناؤها كما حصل من قبل فإن الحدث يؤرخ بلا شك إلى مرحلة جديدة عنوانها غروب النظام الاستبدادي الطائفي الديكتاتوري عن الشام، لا سيما مع بشائر التحرير من الجنوب والشمال والصمود الأسطوري لأهل الشام ،  يقابله تبلد إحساس عالمي ربما غير مسبوق فبينما كان العالم المتكاذب يحتفل بإبادة الأرمن كان يتوارى خجلاً من مشاهدة مناظر الإبادة الشامية ومعها العراقية القادرة على فقأ عيونهم ولكنها عيون فولاذية هنا ..

 

 

 

رستم غزالي رئيس جهاز الأمن السياسي الذي كان الصندوق الأسود للعصابة الأسدية لعله أدرك قبل أن تتم تصفيته على أيدي أولياء نعمته أنه عميل رخيص ، والأعجب أنه لم يتعلم من درس سيده من قبل غازي كنعان حين أُعلن عن انتحاره، وقبلهما سيدهما رئيس الوزراء محمود الزعبي، ومع هذا لا يزال يصر بعض الخونة العملاء على التسابق  لخدمة نظام لا يرى فيهم إلا أحجاراً على رقعة شطرنجه..

 

 

 

الأنظمة الديكتاتورية الشمولية نسغ حياتها هو الاستبداد وأدواته الاستخبارات وحين يتم قتلهم أو تصفيتهم أو موتهم بطريقة غامضة فهذا يعني أن الضرب بدأ يحصل ليس تحت الحزام فقط وإنما الضرب وصل إلى النخاع الشوكي وما على العصابة الحاكمة إلا أن تستعد للشلل والموت السريري أو الموت الكامل ..وهو ما رأيناه في رحيل قادة الأجهزة الأمنية قبل سقوط الأنظمة الديكتاتورية الشمولية، فالصندوق الأسود لا بد أن يُدمر قبل سقوط الأنظمة تفادياً لأقل الخسائر، وهو ما حصل مع رستم غزالي الذي كان شاهداً على مرحلة مهمة من عبثية النظام الطائفي السوري وإجرامه في لبنان، وكذلك على عبثيته في سورية..

 

 

 

لكن ومع هذا لن يتعلم العملاء والخونة من كل ما يرونه بأعينهم، وها هم يرون بأنفسهم كيف أن النظام الطائفي يسرق وينقل كل أرصدة مدينة إدلب المالية ولا يبقي لهم إلا فوهات مدافع ليكونوا في فوهاتها لتتحول أجسادهم وليمة تمدّ النظام بأكسجين حياة ولو لأيام،  ومع هذا يواصلون الدفاع عن العصابة وها هو ما حصل بإدلب يتكرر في جسر الشغور وغيرها  وصدق الله تعالى :" فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور."