أوجع مافي الموت !
9 رجب 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

لسنا نعرف الكثير عن الموت , لكننا نؤمن بما قد علمنا ربنا سبحانه وتعالى بشأنه , عن كونه انقطاع عن الحياة الدنيا , وانقضاء للأجل , وخروج للروح , وعن كونه له سكرات , كما قال صلى الله عليه وسلم .

 

وأنه أول درجات الآخرة , وأنه محتوم على كل من عليها , " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "

 

ومعه ينتهي اختبار الإنسان وابتلاؤه في هذه الحياة , ويبدأ يتلقى أثر ما قدم , ونؤمن بكل ما ورد عن الموت في كتاب ربنا سبحانه وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم .

 

لكن اشد ما يوجع عند ذكر الموت هو تلك الحسرة التي تحصل لمن أدركه الموت على خسرانه , وتفريطه , وغفلته ولهوه , ولغوه , وصراعه على الدنيا وزينتها ..

 

إنها الحسرة البالغة التي تتبعها الحسرات الثقال , لحظة  " اجتماع سكرة الموت مع حسرة الفوت " !

 

لكم مرت علينا أوقات راحة , وأوقات فراغ , وأوقات صحة , وأوقات طاقة , وأوقات مرح وفرح , وأوقات كسل ودعة , ضيعناها كلها فيما لا طائل من ورائه إلا المسئولية الثقيلة والتبعة الرزيلة .

 

لكن لحظة الموت تنجلي فيها حقائق الفوت , ويرى المرء ساعتها ما قدم وما أخر , ويتمنى أن يعود ليصلح , لكن هيهات , ولات حين مندم !

 

قال سبحانه :" حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت , كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "

 

روي ان الربيع بن خثيم قد حفر قبرا , فكان إذا وجد في قلبه قسوة دخل فيه فاضطجع ثم يصرخ (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) ثم يرد على نفسه: يا ربيع قد رجعت فاعمل .

 

وقال عمر بن عبد العزيز في آخر خطبة له  :" خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه، وتدعونه في صدع من الأرض، غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنياً عما خلف، فقيراً عما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت، وانقضاء مواقيته" .

 

ومن اشد الحسرات ايضا ما يحصل في القبر للعباد الخاسرين عندما يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم هذا مقعدك لو آمنت، ثم يفتح لهم باب إلى النار فيقال هذا مقعدك، فيتحسر على فوات مقعده من الجنة.

 

واعظم الحسرات يوم القيامة ما وصف الله به ذلك اليوم في قوله: (يوم الحسرة) وفيه أشد الحسرة إنما تكون كما جاء في الحديث عندما يؤتى بالموت على هيئة كبش فيذبح بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت !
وقد حذر الله تعالى عباده حتى لا يتحسروا من غفلتهم وجرمهم  وأمرهم بالتوبة والرجوع وعدم اليأس من رحمة الله قال تعالى: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ*وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ*أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ"

 

وقال سبحانه :" قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ "