الدور الانحيازي للأمم المتحدة في ليبيا
12 رجب 1436
عبد الحكيم الظافر

لم يكن رفض المؤتمر الوطني العام في ليبيا للمسودة الأخيرة التي اقترحها رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برناردينو ليون، مستغرباً لمن يتابعون مسار الحوار الدائر بين طرفي النزاع في ليبيا، فالمسودة التي قدمت للمؤتمر من جانب الأمم المتحدة لم تفِ بالحد الأدنى من حقوق ومتطلبات المؤتمر الوطني الممثل للقوى الثورية التي قادت الثورة ودفعت ضريبة الدم لأجل غد أفضل لليبيين.

 

 

الدور الأممي، يكاد يكون معلوماً الآن في كل مكان، فما نفذه بن عمر في اليمن، يقوم برناردينو ليون، بتنفيذه بحذافيره في ليبيا، إذ يكاد يختزل دور الأمم المتحدة عند رعايتها لحوارات أو مفاوضات في بلدان إسلامية في تهيئة المناخ للشخصيات التابعة للدول الكبرى في الوصول إلى السلطة في تلك البلدان.

 

 

المعروف أن ليبيا تعاني انقساماً أحدثته رغبة الدول التي تسلطت على ليبيا منذ نحو قرن من الزمان في استبقائها "مستعمرة" نفطية تلبي حاجات الدول الكبرى، النفطية، لاسيما إيطاليا وفرنسا.. والولايات المتحدة وبريطانيا بدرجة أقل.

 

 

حاولت تلك القوى الدفع بالأمريكي خليفة حفتر لتولي نظام عسكري يسهل التحكم فيه كسائر الأنظمة غير الممثلة شعبياً، تحت غطاء من برلمان حكمت المحكمة العليا، ببطلانه، وجرت انتخاباته في ظروف مضطربة، بخلاف المؤتمر الوطني العام الذي جاء معبراً إلى حد بعيد عن الثورة التي قامت على الديكتاتور القذافي، والتي خاض حروبها الضروس، كتائب الثورة المسلحة التي أعطى معظمها ولاءه للسلطة الشرعية في طرابلس، والتي تتمثل سياسياً بالمؤتمر الوطني العام.

 

 

وتدور خطة الأمم المتحدة على استهلاك وقت سلطة طرابلس ريثما تجهز قوة حفتر، ويمكنها أن تحقق انتصارات على الأرض بعد سلسلة من الإخفاقات، تدخلت الأمم المتحدة في أوقاتها الأخيرة لرعاية حوارات، مصحوبة بوقف لإطلاق النار، مثلما كان الحال في بنغازي خلال الشهور القليلة الماضية.

 

 

وفي الجولة الأخيرة، وبعد جلسات متتابعة، قدم مبعوث الأمم المتحدة لليبيا برناردينو ليون، مسودة لاتفاق بدا انحيازياً بامتياز لفريق برلمان طبرق، الذي صار يجسد واجهة رقيقة لحكم انقلابي يقوده الأمريكي الجنسية، خليفة حفتر، الذي يحظى بمساندة دولية وإقليمية واسعة، على خلفية الرغبة الاستعمارية السابق ذكرها. خدع ليون وفد المؤتمر الوطني العام الذي يؤيده القسم الأكبر من الجيش الليبي (قوات فجر ليبيا وبقية الفصائل الموالية لها)، ففاجأت بمسودة خلاف ما جرى الاتفاق عليه، ما دفع الوفد لرفضها.

 

 

رد المؤتمر كان حاسماً وواضحاً، وفاضحاً للدور الانحيازي لليون ومن يقفون خلفه؛ فقد قال الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني العام عمر حميدان "إن المؤتمر انتهى إلى رفض المسودة جملة وتفصيلا لأنها لا تتضمن ما يمكن النظر فيه، فهي مرفوضة تماما وغير قابلة للنظر وتعد ناسفة لجهود الحوار الجاد، مشيرا إلى أنها لم تستند على الحل الموضوعي والشامل والمتوازن في ليبيا".

 

 

والحقيقة أن ما أغضب المؤتمر من المسودة هي إهمالها لحكم المحكمة العليا التي قضت ببطلان البرلمان الليبي، والتفت على حكم المحكمة هذا، معتبرة هذا البرلمان هو الممثل الشرعي الوحيد المعترف به دولياً، وهو بالتالي ما ينسف أسس الحوار، ويجعل قوات فجر ليبيا، والمؤتمر نفسه، كيانات "متمردة"، بشقيها العسكري والسياسي، ويقفز على الواقع الليبي الذي يشهد انقساماً في أفضل أحوال توصيفه السياسي، أو انقلاباً يقوده حفتر بمساندة من بعض أعضاء البرلمان غير الشرعي الذي تجاوز عن شرط اجتماعه في بنغازي أو طرابلس وأقامه في مدينة صغيرة (طبرق).

 

 

وفي وجود حكومتين، وبرلمانين، وجيشين، فإن انحياز الأمم المتحدة إلى جانب طرف لا يحكم العاصمة ولا المدينة الثانية الرئيسة في البلاد، ومشكوك بقوة دستورياً وقضائياً، ولا يتوفر على قوة حاسمة على الأرض، يلقي بظلال داكنات على دور الأمم المتحدة، ويضعها في صف العدو لا الراعي للحوار.. لذا، فقد كان منطقياً أن يغلق المؤتمر الوطني العام الليبي الهاتف في وجه الأمم المتحدة!