.. وأخيرا الكرد.. متى تكف الاستخبارات الإيرانية عن اغتصاب الفتيات؟!
21 رجب 1436
أمير سعيد

فريناز خسرواني، الاسم الذي هز أرجاء مهاباد الكردية التي تحتلها إيران، بعد أن تعرضت تلك الفتاة التي تعمل بفندق "تارا" هناك لمحاولة اغتصاب من ضابط استخبارات إيراني؛ فدافعت عن عرضها حتى لاقت ربها، سيكون اسماً يذكره تاريخ المدينة جيداً، تختزل فيه القضية الكردية التي تغتصب حقوقها قوة البطش الإيرانية الرهيبة.

 

 

غير بعيد عن الأذهان جريمة إعدام ريحانة جباري، الفتاة الأحوازية السنية، التي حوكمت بتهمة قتل من حاول اغتصابها، ضابط الاستخبارات الإيراني أيضاً؛ فأعدمت قبل ستة أشهر؛ فكلتا الفتاتين، من أقلية مضطهدة من قبل السلطات الإيرانية، وكلتاهما أثار مقتلهما احتجاجات واسعة النطاق.

 

 

معاناة الأقليات ليست جديدة في هذا البلد المحكوم بالحديد والنار، لكن الجديد هو أن الشعوب المضطهدة بدأت في نفض غبار الذل، والانتفاض في وجه المحتلين الفرس، والاحتجاج على ممارساتهم التعسفية بشكل أكثر جرأة وشجاعة.

 

 

مهاباد تحولت إلى كتلة احتجاجية فور انتشار خبر مقتل خسرواني؛ فالأكراد، كغيرهم ضاقوا ذرعاً بتسلط الإيرانيين، وهم تشجعوا، مثل الأحواز والبلوش للتحرك من أجل نيل حقوقهم، وما يلمس من مضاعفات الجريمة أن الشباب الكردي قد بات أكثر فعالية، وما قيل عن حرق الفندق الذي حصلت فيه الجريمة البشعة بأكمله هي إحدى مؤشرات هذه الفعالية في التعبير عن الغضب المكتوم.

 

 

في أقصى الشمال الغربي لإيران، حيث تقطن ملايين من الكرد، الذين انتفضوا مراراً من أجل نيل حقوقهم من الفرس، وكان بإحدى تجلياتها إنشاء دولة مهاباد الكردية قبل سبعين عاماً، يشعر الكرد أن شيئاً ما قد تغير في المنطقة، وأن غدهم ربما لن يكون كأمسهم.

 

قبل سبعين عاماً، أعدم رئيسهم القاضي محمد، وقبيل إعدامه كتب وصيته، وهو على حبل المشنقة، وفيها أن: "العجم (يعني الفرس) هم أعدى أعدائكم، فهم أكثر ظلما وألعن وأكثر فسقا وأقل رحمة من الجميع.. لا يتورعون عن اقتراف أي جريمة بحق الشعب الكردي.. وهكذا كانوا دائما، فالبغض والكراهية متأصلان فيهم طوال التأريخ ولحدّ اللحظة.

 

 

انظروا كيف تعاملوا مع زعماء شعبكم،  (...) لقد خدعوهم جميعا، حيث تعاملوا معهم بالمرونة واللين في البداية، ومن ثم فرقوا جمعهم وشملهم، وأخيرا قاموا بكل خسة  ودناءة بتصفيتهم.. لقد خدعوهم بأن أقسموا لهم بالقرآن، وأوحوا إليهم بأن نية العجم تجاههم صافية وإنهم يحسنون صنعا معهم.    ولكن وا أسفاه على سرعة تصديق الكرد الذين انخدعوا بيمين وعهود العجم التي قطعوها لزعماء الكرد، وكل ما قطعوه لم يتجاوز حدود الكذب والخداع.

 

 

ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي، أنصحكم لله..  (....)  وأطالبكم بألا تنخدعوا أكثر بالعجم ولا تصدقوا حلفهم بالقرآن ولا بعهودهم وعقودهم، لأنهم لا يعرفون الله ولا يؤمنون به ولا برسوله ولا بيوم القيامة ولا بالحساب والكتاب.. وما دمتم كردا، فإنكم في نظرهم مجرمون ومحكومون، حتى لو كنتم مسلمين.. من اجل ذلك، فإن رؤوسكم وأموالكم وأرواحكم مباح وحلال بنظرهم، ويعتبرون كل ما يقومون به ضدكم هو غزوة (...) أنا على قناعة بأن هنالك الكثير من الذين هم اعلم وأقدر منا، سوف يقعون في شرك وخداع ومؤامرات الأعاجم.. لكنني آمل أن يكون مقتلنا درسا وعبرة للمخلصين من أبناء الشعب الكردي".

 

 

هذه الوصية، بدأت تعرف طريقها لأذهان الكرد الآن، فلقد شجعتهم أجواء إقليمية، وضعت فيها إيران في الزاوية أو كادت، مع الهزائم المتتالية لحلفائها في سوريا واليمن، وإحراز جيش العدل البلوشي انتصارات في الداخل الإيراني، ومصالحة الكرد مع الحكومة التركية التي تبدو أنها ماضية أو على الأقل تحرز تقدماً، في أن يسعى الكرد للإفادة من الظرف الذي تمر به المنطقة؛ فصارت جريمة مهاباد عنواناً لحالة نضالية تنمو، وانتفاضة تتبلور.

 

 

إن ما حصل في مهاباد، ينذر بغد يسوء الإيرانيين، ويزلزل عرشهم الذي بنوه على المظالم وقهر الأقليات؛ فمحيط إيران ينتفض ضدها، والداخل أيضاً ينضج ثورته على نار هادئة، والشعوب الهضيمة تبحث لها الآن عن ثغرة لتنفذ منها إلى حقوقها السليبة، والأمر مرتبط كثيراً بالحالة الإقليمية؛ فإن تحررت اليمن وسوريا، وترنحت قبضة إيران في لبنان؛ فإن انتفاضات الداخل توشك أن تحدث تغييراً، وأن يبنى عليها. وحالئذ، ستجد طهران دولاً كثيرة تنتظر تلك اللحظة لتزلزل الأرض من تحت أقدامها. فما دون تلك المظالم قرن كامل افترست فيه إيران شعوباً مختلفة، وأخضعتها دونما إرادة إلى سلطانها الغشوم.. وآن وقت التحرر.