حزب أردوغان ما زال متصدراً.. الأكراد والخيارات الصعبة
21 شعبان 1436
منذر الأسعد

تدل المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات البرلمانية التركية اليوم إلى تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم عن حيازة الأغلبية المطلقة، وإن حافظ على صدارته الأحزاب الفائزة، بنسبة 41% يليه حزب الشعب الجمهوري-حزب أتاتورك- بنسبة 25% فحزب الحركة القومية 16%، وكانت المفاجأة المتوقعة حصول حزب الشعوب الكردي على 13 % ليدخل البرلمان للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية.

 

ومع أن النتائج حتى الساعة جزئية وغير رسمية، فإن رئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم أحمد داود أوغلو، بادر إلى إعلان القبول بالنتائج مهما كانت،فهي تعكس إرادة الشعب التركي.

 

 

قبل استشراف المستقبل القريب الذي سترسمه هذه الانتخابات ، يجب تذكير غلاة التغريبيين في تركيا وما حولها، بسقوط أساطيرهم عن نظام استبدادي يؤسسه أردوغان، فضلاً عن خرافة مركزية جعلوها من المُسَلَّمات بتردادهم المديد لها، هي أن أي حزب ذي جذور إسلامية لا يقبل بالانتخابات إلا مرة واحدة عندما يصعد إلى هرم السلطة، فيسحب السُّلَّم وراءه!!

 

 

جزاء سنّمار

 

 

من الجلي أن نسبة التراجع في موقع العدالة والتنمية،ذهبت إلى الحزب الكردي،وليس إلى الخصوم العلمانيين وغلاة القوميين.ولولا الله ثم سياسات أردوغان المتميزة لما حلم الكرد بولوج البرلمان التركي.. وبما أن السياسة في المفهوم الغربي الميكيافيلي تتباهى بنفعيتها وانعدام الحس الأخلاقي فيها، فلا مجال لتقريع الكرد على معاقبة أردوغان الذي نقل أوضاعهم في المجتمع التركي من هامش الحراك السياسي إلى قلبه، بالرغم من متاجرة الأتاتوركيين والقوميين برؤيته لإدماج الكرد في الهوية الوطنية الجامعة مع الحفاظ على شخصيتهم الخاصة، فلطالما صَوَّرُوها أمام الناخبين باعتبارها "خيانة" كبرى!

 

المبالغة لدى العنصريين الكرد في تصوير دخولهم البرلمان ستكون حقنة قاتلة،إذا سار الحزب الكردي وفقاً لأوهامها.
فهؤلاء يتوهمون الآن أنهم سيصبحون صانع الحكومات  والحَكَم المتفرد بين الأحزاب التي فازت في الانتخابات،الأمر الذي سيمكّنهم من ابتزاز الجميع،ثم القبول بمن يدفع ثمناً سياسياً أكبر!!

 

 

 ففي خلال أيام ستذهب نشوة النصر ويبدأ التفكير الجاد في الخيارات المتاحة،وهي لن تتجاوز خيارين، فإما الانخراط في حكومة ائتلافية يقودها العدالة والتنمية، ما لم يقرر الأخير الجلوس في مقاعد المعارضة، ليخلع الفرقاء المتناحرون أشواكهم بأيديهم، وتعود تركيا سيرتها الأولى إلى عهود الحكومات المتوالية وما يعنيه من عدم استقرار سينعكس سلباً على الإنجازات الاقتصادية.. وهنا يجد الحزب الكردي نفسه في مأزق المشاركة مع الأتاتوركيين ذوي الإرث العنصري التركي الذي يجحد وجود أكراد جملة وتفصيلاً، فقد أطلق عليهم الطاغية أتاتورك: أتراك الجبل،وظلوا في العهود العسكريتارية المنبثقة من تطرفه مهمشين،فلما حملوا السلاح أفضى صراعهم المسلح إلى عدمية مكلفة.

 

 

 

إن القلق ينتاب كل من يحب الخير للكرد لأنهم مسلمون ولأنهم- بسبب إضافي- أحفاد صلاح الدين،لأن أكثر زعاماتهم في العصر الحديث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها قيادات خائبة،حتى أصبح الأكراد يوصفون بأنهم"أمة الفرص الضائعة".. فهل يتغلب قادة الكرد في تركيا على هذه الصورة النمطية؟ ..ندعو الله أن يعينهم على التعامل مع النصر الجديد، بحكمة وأناة وواقعية، لأن اللعب بالنار في ظل الظروف المعقدة المحيطة بتركيا- إقليمياً ودولياً- سيكون باهظ الكلفة!!