"هنا بلاد المسلمين.. لا نريد المثليين"
22 شعبان 1436
أمير سعيد

هذا هو أحد هتافات ألفي متظاهر مغربي ضد إساءة فاجرتي منظمة "فيمن"، اللتين تعرتا جزئياً في باحة مسجد حسان الأثري بالرباط، ثم إساءة المغربيين الشاذين، للإسلام، مرتكبين آثاماً على أعتابه.

 

 

الحادثة صادمة، فالمنظمة التي أكد صحفي فرنسي من قبل أن تمويلها يأتي من من رجل الأعمال الصهيوني فاديم رابينوفيتش الذي يمتلك إمبراطورية إعلامية في أوكرانيا (بلد فيمن الأصلي)، وغيرها، زادت في استهدافها للدين الإسلامي تحديداً بعد أن أظهرت إساءات محدودة لـ"المسيحية"، تظهر أن عدوها الأول هو الإسلام ذاته، وتأتي "المسيحية" لاحقاً، وقد لا تأتي اليهودية أبداً، على نسج صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية التي تفعل الشيء ذاته.

 

 

وزيادة الاستهداف هذا، لا يمكن تمريره على أنه مجرد ملاحقة من المنظمة ذات التوجيه الصهيوني، الذي جرى تجهيله عبر الادعاء بأن رجلاً ما يسيطر عليها، فقط لأنه "يحب الجميلات"، وهي الطريقة ذاتها التي تم بها تسطيح فكرة إنشاء موقع التواصل العالمي، فيس بوك، بأنه كان مجرد "محاولة بارعة" من شاب أنشأ هذا الموقع من أجل أن يتواصل مع زملاء الدراسة!

 

 

هذا التسطيح لا يعبر إلا عن رغبة في طمس معلومات حول جهات تريد زعزعة أسس اجتماعية وأخلاقية، وقبلها تدمير عقائد، في مقدمتها بالطبع العقيدة الإسلامية..

 

 

يهتف المحتجون الغيورون، "هنا بلاد المسلمين.. لا نريد المثليين".. والمثليون هو الاسم التجميلي الذي اختير بعناية لإخفاء بشاعة الشذوذ، وحقارته الأخلاقية، وتصويره على أنه مجرد "تماثل" في "الميل" بدلاً من جنس إلى آخر، إلى أصحاب النوع ذاته.. تسلل المسمى حتى إلى المحتجين الغيورين أنفسهم، فرددوا التسمية ذاتها، لكنّ حال المحتجين هو أحسن مقاماً كثيراً ممن تجاهلوا الحادثة برمتها، سواء أكانوا في المغرب، بل في الرباط نفسها، أم كانوا خارجه.

 

 

في خضم الأزمات الكبرى التي تمر بها أمتنا الإسلامية، ربما يستقل كثيرون هذه المصيبة على أعتاب مسجد، وإن كانت لخطيرة جداً، ولقد مرت!
مرت، ولم تثر غضباً عارماً، وكأن الإساءات للإسلام تحتاج إلى "مقبلات" إعلامية وسياسية لاستجاشة العواطف، ثم لابد أن تحدث في بلد غير إسلامي، حتى تستثير حمية المسلمين!
فما قد مر بهدوء، عدا احتجاجات خجولة في الرباط نفسها، لا يعبر عن مجرد إساءة عابرة، وإنما حلقة في سلسلة طويلة، وتخطيط تتبدى ملامحه تباعاً، فحول المصيبة عدد من المحطات، يتوجب الوقوف عندها بنوع من التأمل والاستغراق.

 

 

بالعودة إلى السطور الأولى، ففيمن منظمة يفترض أنها قامت من أجل الاحتجاج على "الاضطهاد الجنسي وقمعه"، وأنها "أسست لتدافع عن حقوق المرأة"، مثلما تقول وثائقها منذ نشأت في العام 2007، وتنص – كما تقول رئيستها آنا جوستول – على تخصصها في "مناهضة الاستغلال الجنسى للمرأة، والقمع الديني للمرأة!"، لكنها على النقيض تمارس بذاتها اضطهاداً مباشراً على عضواتها، فوفقاً للمخرجة الأسترالية كيتي غرين التي تحرت عن المنظمة ، في فيلمها الوثائقي "أوكرانيا ليست بيت دعارة"؛ فإن الرجل المسيطر على عضوات المنظمة، وهو فيكتور سفياتسكي، "كان فظيعاً في تعامله مع الفتيات. كان يصرخ في وجوههن ويشتمهنّ"؛ فمعاملة السيد للإماء هذه، والتي تصف عضوة بالمنظمة، علاقتها به بأنها "أقرب إلى متلازمة ستوكهولم" (أي تعاطف المخطوف مع الخاطف).. هي من داخل منظمة "تناهض قمع المرأة"!

 

 

 

ليست هذه الازدواجية هي ما أردت التنويه إليه، وإنما سيادة هذه المعاملة القاسية نوعاً ما، ووصف السيد لجواريه بأنهن "ضعيفات الشخصية.. يظهرن الاستكانة"، مثلما نقلت تقارير صحفية عن فيلم المخرجة الأسترالية، بحيث صارت حالة عامة، لا تدل فقط على التناقض والازدواجية فحسب، وإنما تدل أكثر على أن ما هو معلن من أمر المنظمة ليس هو الهدف الأصلي، ولا هي معنية به أصلاً.

 

 

 

ومجافاتها لمبادئها ليس محصوراً على سلوك نفاقي داخلي فحسب، بل هو سلوك عام يتجلى في تركيز جل نشاطها على تدنيس المقدسات الإسلامية، والتشكيك فيها، وإلا، فما لهذه المنظمة لم تنبس ببنت شفة مرة واحدة عن "الاستغلال الجنسي للمسلمات" في أراكان، وإفريقيا الوسطى.. بدوافع "دينية" – إن جاز التعبير – بوذية، وكذا في الهند باسم الملل الشركية التي تستعبد المرأة، وكذلك في سجون الطغاة العرب، وأيضاً بالاستغلال العوزي في ألبانيا، وبعض بلدان دول البلطيق.. والقائمة طويلة جداً.. فلماذا "لم تتعر فتيات فيمن من أجل كل هؤلاء؟!"

 

 

 

فإذا كانت المنظمة تجافي أي "استغلال ديني" للمرأة؛ فلديها ملفات لا حصر لها لا تتطرق أبداً إليها، لكنها لا تفعل ولن تفعل، وإذا كانت تبحث عن حقوق المرأة عموماً، فلماذا تجاهلت المعاناة السياسية للمرأة في معظم بلدان العالم "النامي"، وفي قلبه الإسلامي؟!
كل هذا لا يعني فيمن، والصهاينة الذين يقفون خلفها، نحن فقط المعنيون.

 

 

 

محطة أخرى تستوقفنا، هي أن فيمن ليست تختار ضرباتها اعتباطياً، إذ هي في عالمنا العربي – على الأقل – تختار أزمنتها بعناية؛ فالفتاة المصرية الملحدة التي تعرت بأمر من صهاينة فيمن، فعلت رذيلتها مرتين، إحداهما بعد شهور من خلع مبارك، وكانت تهدف المنظمة من ورائها التماهي مع الرأي القائل بأن المصريين إن أرادوا الحرية السياسية فعليهم أن يأخذوا معه هذا اللون من "الحرية الفاجرة" في مغلف واحد، وإلا فعليهم بالعودة إلى الاستبداد والحشمة معاً!، والمرة الثانية كانت احتجاجاً على دستور 2012، وهو الدستور الوحيد الذي أقره المصريون في استفتاء اتسم بالشفافية والنزاهة.. وكتبت الفتاة مع أخريات على أجسادهن العارية عبارة "الشريعة ليست دستوراً"، وعبارات مسيئة للرئيس مرسي.

 

 

وحينما ابتذلت عضوة بفيمن تونسية، اختارت موعدين لافتين أيضاً، هما حكم حكومة النهضة، ورئاسة منصف المرزوقي، لترسل الرسالة ذاتها، والثانية لدى استهداف رسامي شارلي إيبدو لتتعرى وتحرق المصحف..

هكذا،

 

 

أما الآن؛ فإن فيمن نشطت بالتزامن مع ضغوط تمارس على حكومة بن كيران في المغرب مع أجل إظهارها، إما متشددة دينياً أو متسيبة تماماً، إذا ما خضعت للقوانين المغربية العتيدة التي لا يمكنها تغييرها بجرة قلم؛ فتزامن تعري الفتاتين مع تجريم شواذ، وحفلات ماجنة لمغنية غربية استدعت لتفجر قضية بابتذالها أيضاً، ضمن سلسلة من الافتعالات الأخلاقية المقصودة، لمحتها المذيعة الجزائرية الشهيرة خديجة بن قنة في رصد تناول التردي الأخلاقي الممنهج مؤخراً في دول المغرب العربي، وختمته بتلك الفاجعة أيضاً: "جمعية المثليين جنسيا في تونس أصبحت بالقانون جمعية مرخصة لها حقوق وواجبات، ومن الطبيعي أن تطالب في المستقبل بحق الزواج للمثليين".. وهذا لا يأتي متزامناً اعتباطاً مع الحادثتين الفاجرتين في المغرب.

 

 

أما المحطة الثالثة؛ فلابد أن نتوقف عند هذا التواطؤ الواضح لسلطات أمنية أوروبية، أخص هنا، ما طالب به وزير الداخلية المغربي محمد حصاد نظيره الإسباني خورخي فيرنانديز دياز، من "توضيحات بشأن تمكن ناشطة إسبانية تدعى لارا ألكازار من فيمن من الحصول على جوازي سفر إسبانيين بهويتين مختلفتين للالتفاف على السلطات المغربية في الحدود"، ثم استدعاء وزارة الداخلية أيضا المستشار السياسي للسفارة الإسبانية بالرباط وطلبت منه توضيحات حول "الكيانات أو المنظمات التي تقود وتدعم الناشطة في أعمالها المعادية للمغرب".. هل يبدو الأمر هنا عفوياً؟!

 

 

المحطة الرابعة، حول الحصانة التي يتمتع بها هؤلاء، إلى الحد الذي لا تقدر سلطات عربية على ملاحقتهن قضائياً مكتفية بترحيلهن مثلما حصل مع فاسقتي فرنسا اللتين فجرتا بباحة مسجد حسان ذي القداسة الدينية – كمسجد بالأساس - والرمزية التاريخية والسياسية أيضاً، لارتباطه باسم العائلة المالكة في المغرب.. فهل يعني توقيف الشابين المغربيين وإطلاق سراح الفرنسيتين أن المنظمة خارج نطاق المحاسبة أو أن جنسية "المستعمر" فقط هي التي ما زالت تمنع ملاحقته؟! ربما هذا أو ذاك!

 

 

الأخطر في تلك المحطات، أن فيمن هي إحدى أدوات تمهيد لانتهاك، مقدسات، حياء، نشر إلحاد، كسر ثوابت أخلاقية، تذويب مناعة المقاومة لهذا الفجور الأخلاقي، تهوين من أمر المساجد، واحترامها، واحترام القرآن.. إلخ..
المسألة في غاية الخطورة، لكنها تمر بهدوء، وبلا ممانعة حقيقية؛ فالعذر ينهض أمام الجميع "لقد تكسرت النصال على النصال"! لكن أتراه عذراً حقيقياً يستقيم أمام استحقاق حضاري، وآخر أخروي دقيق؟!