الحلول العربية للمشكلة الإغريقية
30 رمضان 1436
أمير سعيد

العتب على بلاد الإغريق وحدها إذ لم تفطن للحل الذي تنتهجه الشقيقة الصغرى، قبرص، لأزمتها الاقتصادية الخانقة؛ فالأمر لا يحتاج إلى فلسفة لاختصار الطريق.. يطرق اليونانيون أبواب أوروبا، لكن الأوروبيين رغم سخائهم الخبيث معها.. بخلاء!

 

 

ليس من سبيل سوى اللجوء إلى أصحاب الكرم الحاتمي؛ فمن غيرهم يهب لنجدة بلاد أرسطو وأفلاطون! فقبرص تحل الآن بعض مشكلاتها الاقتصادية بعد استيلائها – دون مقاومة سياسية وقانونية تذكر – على حقل أفروديت الذي يبعد 190 كم فقط عن ميناء دمياط المصري، والواقع ضمن امتياز نيميد، ونقبت عنه شل البريطانية لصالح مصر قبل انتفاضة يناير 2011

 

 

أما اليونان فما زالت "مقصرة" في انتهاب ما يمكنها من "المال السائب"؛ وهي فطنت أخيراً لتلكؤها في هذا؛ فطار وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتسياس أثناء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة بلاده، إلى فلسطين المحتلة، حيث التقى وزير خارجية الكيان الصهيوني سلفان شالوم، اتفقا بالأثناء على مطالبة الاتحاد الأوروبي بتمويل جزئي لمد أنبوب غاز من فلسطين المحتلة إلى أوروبا عبر اليونان (منتهكاً بهذا الحقوق المصرية في مساره بالشريط المصري الساحلي)، كجزء من حل يساهم في إنعاش الاقتصاد اليوناني.

 

 

هذا "التقصير" لاحظته قبل خمسة سنوات، حينما كانت الأزمة مشتعلة كمثل حالتها تلك؛ فكتبت: "لا أحد تقريباً التفت إلى حقيقة مؤلمة وقاسية، وهي رغم ألمها صادقة؛ فالخبراء قد شرقوا وغربوا في أسباب الأزمة وتعسفوا في اختلاق أسباب وجيهة لهذا الانهيار؛ فلم يجدوا إلا الفساد وكثرة "فوائد" الديون، وتجاهلوا سبباً جوهرياً يجعل عدداً من دول أوروبا لا تشاطر نظيراتها الثراء والرفاه.

 

 

إنه عجز اليونان عن امتصاص اقتصاداتنا العربية ورؤوس أموالنا الغبية، مع أننا بكل جدارة تداعينا لأزمتها بالاضطراب المالي في أسواقنا وبورصاتنا رغم عدم ارتباطنا المباشر باقتصادها الواهن.

 

 

اليونان مأزومة الآن لأنها ما أنشأت جيشاً يحتل بلادنا، ولم تمنحنا "معاملة متميزة" في اتفاقاتنا الأمنية، وهي لم تفعل ما تفعله أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا، حتى ولا ألمانيا التي انهزمنا دونها نفسياً لا عسكرياً ونجحنا ـ غير مشكورين ـ في إنقاذ اقتصادها قبل عام من الاضطراب والتأثر جراء الأزمة العالمية، وانتثرت تقارير إبان انتخاباتها الماضية تلمح إلى دول عربية بعينها تدخلت لإنقاذ هذا الاقتصاد "العربي" من التراجع، بضخها أموالاً سائلة في وقت الأزمة، مع أن الألمان بعد ذلك امتعضوا من مشاركة بعض أصحاب رؤوس أموالنا في صفقات شراء شركات السيارات الألمانية الموشكة على الإفلاس كفولكس فاجن وبورش وأودي وأخيراً مرسيدس، وتمنوا ألا يعقدوا صفقات مع عرب إلا حالما شعروا بصعوبة الموقف، وحينها قال السفير الألماني السابق المعتمد في أكثر من بلد عربي بلغة عربية فصيحة "الصديق وقت الضيق"؛ فأنعم بنا من أصدقاء!!"

 

 

لأن "الصديق وقت الضيق"، فليس مستبعداً أن نجد الذين ضخوا ملياراتهم من أجل إسقاط أردوغان، ثم ما يئسوا في معاودة ضخهم الأموال لإنجاح خصوم حزبه في الانتخابات الماضية، قد هبوا مجدداً لإنقاذ اليونان بديلاً عن أوروبا، وسوف لن نتفاجأ باستثمارات هائلة خليجية في منطقة الجزر اليونانية لتعويم اليونان على حساب حاجات الشعوب الخليجية والعربية.. ليس ما يحول بينهم وذاك إلا "طلبات" تصدر من عواصم نافذة تفرض "مشروع مارشال عربي لإنقاذ اليونان".

 

 

الربا محق أموال اليونان بالتأكيد، الفساد ساهم بقوة في أزمتها الاقتصادية، اعتساف "الوحدة" مع أوروبا بلا روية.. كلها عوامل حقيقية، لكن الأظهر أن اليونان لم تتمكن من استعمار دولنا كي تجبرنا على ضخ المال لها عند كل أزمة، ولم تفرض علينا أوجه محددة لإنفاق الميزانيات تفي لها باستحقاقات "الاستعمار" أو الاحتلال، وبالتالي لا تتوفر على تريليونات يورو في بنوكها تضبط لها إيقاع الاقتصاد، وتحفظ رمانته أن يميل هكذا أو هكذا..