إعطاء الجندي من زكاة الفطر
27 رمضان 1436
د. عبدالعزيز بن سعود عرب

حكم إعطاء الجندي من زكاة الفطر :
البحث في هذه المسألة مبني على مصرف زكاة الفطر، هل هو كمصرف سائر الزكوات وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في قوله:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ"(1) أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
أن مصرف زكاة الفطر كمصرف سائر الزكوات.
وهو مذهب الحنفية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4).
القول الثاني:
أن مصرف زكاة الفطر هو للفقراء والمساكين فقط.
وهو مذهب المالكية(5)، و قواه شيخ الإسلام ابن تيمية(6).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
قوله تعالى:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ"(7).
وجه الدلالة:
استدل أصحاب هذا القول بعموم هذه الآية، وأن صدقة الفطر زكاة فأشبهت زكاة المال في المصارف(8).
المناقشة:
يمكن أن يناقش استدلال أصحاب هذا القول بأحد أمرين:
الأول: أن قياس مصرف زكاة الفطر على سائر مصارف الزكاة ؛ قياس مع الفارق، وذلك لأن سبب وجوب زكاة الفطر هو البدن وليس المال بخلاف بقية أصناف الزكاة فإن سبب وجوبها النصاب وحلول الحول، والأولى قياس مصرف زكاة الفطر على مصرف الكفارات، وذلك لأن الله أوجبها طعاماً كما أوجب الكفارات طعاماً(9).
الثاني: أن هذه الآية بينت مصارف الزكاة عموماً، والنبي صلى الله عليه وسلم بين مصرف زكاة الفطر خصوصاً - في أحاديث تأتي في أدلة القول الثاني -، فالآية عممت وأطلقت والأحاديث في بيان مصرف زكاة الفطر قيدت وخصصت.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"(10).
وجه الدلالة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قول النبي صلى الله عليه وسلم(طعمة للمساكين) نص في أن ذلك حق للمساكين "(11).
الدليل الثاني:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أغنوهم في هذا اليوم "(12).
وجه الدلالة:
في هذا الحديث إشارة إلى أن من حِكَم زكاة الفطر إغناء الفقراء والمساكين عن المسألة في يوم العيد، ولو صرفت زكاة الفطر إلى غير هؤلاء -أي إلى بقية أصناف أهل الزكاة -لما تحققت الحكمة والمقصد – والله أعلم –.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه من هذه الأقوال – والله أعلم – هو القول الثاني القائل: بأن مصرف زكاة الفطر هم الفقراء والمساكين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن قال بالثاني: أن صدقة الفطر تجري مجرى كفارة اليمين والظهار والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفارة الحج، فإن سببها هو البدن وليس المال... ولهذا أوجبها الله طعاماً، كما أوجب الكفارة طعاماً، وعلى هذا القول فلا يجزي إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطى منها في المؤلفة ولا الرقاب، ولا غير ذلك وهذا القول أقوى في الدليل"(13)، وقال رحمه الله في موضع آخر في تقرير أن مصرف زكاة الفطر للمساكين:" وقوله تعالى في آية الظهار: "فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا"(14)، فإذا لم يجز أن تصرف تلك للأصناف الثمانية، فكذلك هذه "(15).
وقال ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية"(16).
وبناءً على هذا القول فإنه لا يجوز إعطاء زكاة الفطر إلى الجندي المسلم، إلا إذا تعلق به وصف الفقر أو المسكنة فإنه يجوز حينئذ إعطاؤه لأجل وصفه هذا – والله أعلم–
________________
(1) ورة التوبة ؛ آية : 60 .
(2) انظر : حاشية ابن عابدين : 3/325 .
(3) انظر : المجموع للنووي : 6/106 .
(4) انظر : الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة مع المغني لابن قدامة : 2/667 .
(5) انظر : الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي : 2/126 .
(6) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم : 25/73 .
(7) سورة التوبة ؛ آية : 60 .
(8) انظر : الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة مع المغني لابن قدامة : 2/667 .
(9) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم : 25/73 .
(10) رواه أبو داود برقم : [1623] ، ورواه ابن ماجة برقم : 1827 ؛ نقلاً من صحيح سنن ابن ماجة للألباني : 1/306 ، برقم : [1480] ؛ وحسنه فيه ، وكذا حسنه في إرواء الغليل : 3/332 ، وصححه الحاكم في المستدرك : 1/409 بقوله : " هذا حديث صحيح على شرح البخاري ولم يخرجاه " ؛ ووافقه الذهبي.
ولكن الألباني رحمه الله تعقب تصحيح الحاكم هذا في إرواء الغليل 3/332 بقوله : " وفي ذلك نظر ، لأن من دون عكرمة لم يخرج لهم البخاري شيئاً ، وهم صدوقون سوى مروان فثقة فالسند حسن ... " .
(11) مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم : 25/75 .
(12) رواه الدارقطني في سننه : 3/89 ، وهو ضعيف ؛ انظر : إرواء الغليل 3/332 .
(13) مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم : 25/73 .
(14) سورة المجادلة ؛ آية : 4 .
(15) مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم : 25/75 .
(16) زاد المعاد لابن القيم : 2/22 .