أحرار الشام تكسب.. والنصرة تخسر!!
16 ذو القعدة 1436
منذر الأسعد

منذ بضعة أيام، تدور في ذهني فكرة إعداد مقال عن نقطة الضعف الوحيدة-لكنها قاتلة- في جبهة النصرة، على ما يرى أنصار الثورة باستثناء فئتين غير مخلصتين للثورة السورية، هما: داعش وغلاة العلمانيين.فالبغدادي يعد النصرة عدوه الرئيسي، وهو لا يؤمن بالثورة السورية نظرياً ولا عملياً،  حتى إن أحد الثوار الساخرين كتب مؤخراً يقول: داعش ستقاتل الصهاينة والنصريين إذا أقنعتموها بأنهم من أهل السنة والجماعة!

 

 

وأما صقور العلمنة فقد فضحتهم الثورة في مفصل حساس،  وكشفت أن أكثرهم يعادون نظام عائلة الأسد فقط ليحلوا محله، وأما بعضهم فقد تبين أنهم مدسوسون من مخابرات العصابة الأسدية!
مقتل النصرة يكمن في تمسكها ببيعتها غير المعقولة لأيمن الظواهري، إذ ترتبت عليها آثار سلبية كبرى، وليس وراءها نقطة إيجابية واحدة، ما عدا الخوف من انتهاز داعش قراراً كهذا،  يؤدي إلى خسارة الأعضاء ذوي الميول المتطرفة.

 

 

نواة جيش نظامي
بينما أنا غارق في التفكير، أتقصى الأخبار وصراع الأفكار،  حول النصرة وضرورة فسخ بيعتها للقاعدة، باغتت حركة أحرار الشام الجميع، بإعلانها فتح باب التجنيد لإنشاء جيش نظامي سوري، من خلال قوة مركزية سمتها : كتائب صقور الشام.
وأوضحت الحركة  في تعميمها  الذي أعلنته قبل ساعات، أنها فتحت باب الانتساب إلى القوة المركزية أمام الأفراد الذين يلتزمون بنظام تشكيل القوة، وذلك بعد اجتياز المقابلة التي ستجريها لجنة القبول، على أن تتوفر فيهم شروط تتعلق بالالتزام الديني والعمر واللياقة الصحية...

 

 

شخصياً، أصف هذه الخطوة بأنها ضربة معلّم كما يقال،  فهي ثمرة قرار مدروس، وتنم عن ذكاء إستراتيجي بعيد المدى، وأتوقع أن يكون لها نتائج حاسمة، في توقيت بالغ الذكاء، حيث تمر المؤامرة الأممية على الشعب السوري في أشد مراحلها إثارة،  بعد أن شعر الأميركيون بقرب سقوط صبيّهم المدلل في دمشق،  بالرغم من تدفق المساعدات عليه من كل صنف: تواطؤ أمريكي أصبح شبه معلن، تسليح روسي يزداد نوعاً وحجماً ومعه أسلحة مصرية إضافية، حماية قانونية وسياسية لم تتوفر لأحد من قبله باستثناء سيدته تل أبيب، نفط من العراق والجزائر،  قتلة مجوس من سائر السراديب قريبها وبعيدها.

 

 

 

خطوة الأحرار تستهدف تعزيز قدراتها العسكرية، لمواجهة فلول بشار وقطعان المرتزقة الأجانب من عبيد قم، لكن جبهة النصرة ستكون المتضرر الأكبر من بين الثوار الذين يقاتلون لإسقاط الطاغية.فأحرار الشام سلفية لكنها تصر على أن معركتها سوريةٌ فحسب، وليس لها أي خطط تتجاوز الشام بحال من الأحوال.ولذلك قد يبدأ كثير من أعضاء النصرة بالانضمام إلى الجيش الجديد، ما دامت قيادتهم تأبى أن تفك ارتباطها غير المعقول بتنظيم القاعدة. ويبدو أن القرار صدر بعد فشل مساعٍ زعمت تسريبات غير مؤكدة أن تركيا بذلتها لتوحيد الأحرار مع النصرة!

 

 

 

ومن المهم هنا التنبيه إلى أن هذا  الإعلان عن إنشاء القوة المركزية أتى بعد ساعات فقط من صدور بيان عن أحرار الشام، أكدت فيه أنها حركة إسلامية سورية أصيلة انبثقت من الشعب السوري للدفاع عنه وعن مصالحه وهويته،  وأنه ليس لها علاقات بأي تنظيمات خارجية لاسيما تنظيم القاعدة، وأن بناءها الأساسي والقيادي يعتمد على أبناء الشعب السوري.

 

 

وأوضح البيان أن الحركة تسعى من خلال عملياتها العسكرية والسياسية إلى تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بما ينسجم مع تاريخه وهويته الإسلامية ونسيجه الاجتماعي. 
وترى الحركة بحسب البيان أن أهداف الثورة هي إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه وتعتبر مؤسسات الدولة ملكًا للشعب السوري.

 

 

وقامت الحركة بتصنيف المجتمع الدولي على حسب موقفه من جرائم نظام الأسد إلى دول مُعِينَة على جرائم النظام وأخرى صامتة غير آبهة بمقتل مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين وثالثة تسعى لنصرة المظلوم وتخفيف المعاناة.
وفي هذا الصدد ثمّنت الحركة جهود دولتَيْ تركيا وقطر في وقوفهما بجانب الثورة وتخفيف المعاناة عن الشعب السوري – والمأخذ هنا في رأيي المتواضع تجاهل البيان لوقوف السعودية مع السوريين ضد طاغيتهم؟ فالسوريون يشعرون أن العالم كله ضدهم ما عدا هذه البلدان الثلاثة –
..وهذا البيان رد غير مباشر على اتهامها بالتبعية للقاعدة، من قبل واشنطن وعصابات بشار وأبواق خامنئي الأخرى في المنطقة!!

 

 

رقمان صعبان متنافسان
يخلص المتابع لخريطة الصراع المفصلي في سوريا والمطلع على بعض خفاياه، إلى أن كلاًّ من الأحرار والنصرة رقم صعب يتعذر تجاوزه في أي رؤية واقعية للخلاص.. طبعاً الرؤية الأممية المناوئة تعادي هاتين الجهتين بشراسة، لأنها رؤية تقوم على إبادة أكبر عدد ممكن من أهل السنة في سوريا، وتشريد من نفذ بجلده منهم، لفرض تغيير سكاني نهائي يصبح معه الرافضة والأقليات أكثرية عددية!

 

 

ولست أتفرد بهذا الادعاء، فهناك صحافي فرنسي يدعى: نيكولا هينان،  واكب الثورة السورية منذ بداياتها،  وقد زار سورية مرات عدة،  كان آخرها عندما اعتقله تنظيم "داعش" في مدينة الرقة.. ويبدو أن صفقة ما مع الحكومة الفرنسية،  مكنت هذا الصحفي الذي فوجئ بجمال وشعبية الثورة السورية في بداياتها... أن يبقى على قيد الحياة،  ليعود إلى وطنه ويكمل انطباعاته عنها،  وعما رآه في سجون التنظيم.

 

 

وضع  هينان كتاباً يفضح فيه نظام الأسد وأموراً أخرى،  عنوانه: (جهاد أكاديمي)، وقد نشرت أورينت نت حواراً مع هينان،  يتميز بنبرة النقد الحادة لسلوك الغرب وتهاونه تجاه قتل المدنيين السوريين،  واتهامه له بأنه هو من مكّن تنظيم داعش من أن يزدهر. وموضع الشاهد من الحوار قول هذا الصحافي الشجاع:

المشكلة ان لديك العديد من الكتائب الإسلامية في سوريا ولكن لا نستطيع ان نقول عنها مجموعات إرهابية،  سآخذ جبهة النصرة وأحرار الشام على سبيل المثال،  وأنا لا أشاركها أجندتها السياسية ولكن ما دامت لم تهدد الغرب لن اعتبرها إرهابية على العكس سأساعدها على التخلص من بشار الأسد لتساعدني على التخلص من داعش حتى ولو بشكل سري،  ولكن للأسف لا أعرف لما يريد البعض تكبير حجم الوحش من الغباء إدراجهم في قائمة الأعداء هم يقاتلون بشار والدولة الإسلامية لماذا لا نتعاون معهم؟ هذا غباء!.

 

 

 

ونقطة تحفظي الوحيدة على كلامه الموضوعي أنه يفسر سياسة الغرب بالغباء، وأنا أرى أنها خبث ممنهج ولدي عشرات الأدلة، لكن هذا ليس موضوعنا اليوم.

 

 

 

المهم أنني أرجّح تقدم أحرار الشام أكثر فأكثر، وتراجعاً ملموساً –ولو متدرجاً-لجبهة النصرة لأن عنادها قد يجعل الكفة ترجح لمصلحة الأحرار، ولا سيما إذا علمنا أن كثيراً من عناصر الجيش الحر الذين انضموا إلى النصرة من السوريين، فعلوا ذلك بعد أن منع الغرب المنافق    عنهم السلاح والعتاد –وحتى نفقات معيشتهم المتواضعة ونفقات عائلاتهم المشردة-. ولم يكن أمامهم بدائل..