ألغام خطة "دي ميستورا"
18 ذو القعدة 1436
د. زياد الشامي

لا يمكن تشبيه الوثيقة التي قدمها المبعوث الأممي إلى سورية "دي مستورا" بشأن الحل السياسي في بلد تشتعل فيه الحرب منذ أكثر من أربع سنوات بالمثل العربي القائل : "تمخض الجبل فولد فأرا" , فالحقيقة أن فحوى الوثيقة والخطة المقدمة لا ترقى إلى تشبيهها من حيث قيمتها أو فائدتها بالنسبة للشعب السوري الثائر على جلاده بالفأر بالنسبة للجبل .

 

 

نعم ....يمكن اعتبار هذه الوثيقة أفضل ما كان ينتظر النظام وحلفاؤه الرافضة والروس وحتى الأمريكان والغرب وكثير من الأنظمة العربية للأسف الشديد , فماذا يمكن أن يتمنى هولاكو العصر الذي أذاق السوريين ألوان العذاب بكافة الأسلحة التقليدية والكيماوية , وأزلامه من القتلة والمجرمين النصيريين الذين أهانوا كرامة السوريين قبل أن يريقوا دمائهم في كل بقعة على أرض الشام , وأسياده من المليشيات الرافضية التي أضحت الآمر الناهي في قلب عاصمة الأمويين دمشق ....أكثر من بقائهم على سدة الحكم في سورية بصورة أو بأخرى . لقد تضمنت خطة الوثيقة التي كشفت عنها صحيفة "الحياة"على ألغام بكل ما تحمله الكلمة من معنى , وتضمنت مراحل تنفيذها الثلاث إشارات واضحة إلى عزم المجتمع الدولي لإجهاض الثورة السورية , وإعادة تأهيل النظام من جديد بأسماء جديدة وعناوين مستحدثة , ويمكن إجمال هذه الألغام فيما يلي :

 

 

 

1- أولى هذه الألغام هو تعمد عدم ذكر مصير طاغية الشام , حيث لم يرد في الوثيقة أي إشارة إلى تنحيته عن الحكم , أو استبعاده من أي حل سياسي , أو التأكيد على عدم لعبه أي دور في مستقبل سورية ....وهو المطلب الذي من أجله صبر السوريون و صابروا على ما حل ويحل بهم من جراح وآلام طوال أكثر من أربع سنوات على يد هولاكو العصر وزبانيته . والمدهش في الأمر أنه بدلا من مطالبة المجتمع الدولي ممثلا بمبعوثه الأممي - دي مستورا – بمحاكمة طاغية الشام على جرائمة المستمرة حتى ساعة كتابة هذا التقرير أمام محكمة الجنايات الدولية , والموثقة محليا وإقليميا ودوليا , نراها تحاول تأهيل نظامه من جديد , وغالبا ما ستحاول إشراكه في مراحل الحل السياسي ومعاملته أثناء ذلك كشريك مفاوض لا كمجرم مارق

 

 

 

. 2- ثاني هذه الألغام يتمثل في المحافظة على ما يسمى "مؤسسات الدولة السورية" وعلى رأسها مؤسسة الجيش والأمن , والاكتفاء بإصلاحها حسب تعبير الوثيقة , وهو ما يعني بقاء سيطرة الأقلية النصيرية على البلاد , واستمرار الدكتاتورية والفساد , ونسف أي تغيير سياسي حقيقي في البلاد , والتي بذل الشعب السوري من أجله ثمنا باهظا من دمه وماله وعرضه وكرامته . والعجيب في الأمر هو إصرار المجتمع الدولي على المحافظة على ما يسمى "مؤسسة الجيش والأمن" الذي لم يدع جريمة حرب أو إبادة إلا ارتكبها بحق الشعب السوري , والأعجب منه حديثه – المجتمع الدولي - عن المؤسسات في بلد لم يعرف طوال فترة حكمه على مدى أربعة عقود شيء اسمه نظام حكم المؤسسات , وإنما هو حكم عصابة هيمنت على الجيش والأمن , وراحت تحكم البلاد والعباد "بالإرهاب" .

 

 

 

3- أما اللغم الثالث فهو مدسوس في العبارات الغامضة العائمة التي تخفي وراءها ما لا تحمد عقباه مستقبلا على بلاد الشام , حيث جاء في المرحلة الأولى من خطة الوثيقة : إجراء مفاوضات تستند إلى بيان جنيف للوصول إلى اتفاق مرحلي ، يتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار بين نظام الطاغية والمعارضة ، وتعاون القوات المقاتلة (عدا الفصائل الإرهابية) وإصلاح القطاع الأمني وصولاً إلى تشكيل سلطات انتقالية . وما يعنينا من هذه العبارة هو ما بين قوسين , فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أمريكا قد أدرجت جبهة النصرة ضمن لائحة الإرهاب لديها منذ عام 2012م , وأن قوات طاغية الشام و المليشيات الرافضية التي تدعمه وعلى رأسها حزب اللات ليست على تلك القوائم الإرهابية الأمريكية او الغربية , فإن معنى ذلك أن الخطة الأممية ما هي إلا تنفيذ للرؤية الروسية للحل في سورية , والذي يرمي لتعاون النظام المجرم مع ضحاياه من المعارضة على مواجهة ما يسمى إرهاب "داعش" و"النصرة" وأمثالهما من وجهة النظر الغربية .

 

 

 

 

وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى عمليات قصف قوات التحالف الدولي لمواقع لحركة أحرار الشام في سورية أكثر من مرة , وعدم وضوح موقف الغرب وامريكا من "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش في غوطة دمشق .....فإنه من الواضح أن المعارضة المقصودة في نص الوثيقة إنما هو الجيش الحر الذي يوصف غربيا بالمعتدل , والذي حاولت أمريكا تدريب بعض أفراده مؤخرا .

 

 

 

إن الحقيقة التي لم تعد خافية على كل متابع للشأن السوري أن العالم بأسره - إلا من رحم الله من بعض الدول العربية والإسلامية – يسعى جاهدا لإبقاء نظام طاغية الشام مهيمنا على الحكم في سورية , تحت شعار "الحل السياسي" !! ولكن ذلك التآمر الدولي على ثورة الياسمين وجهاد أهل الشام لا يمكن أن يقف أمام قول الله تعالى : { .... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } يوسف/21