18 ربيع الأول 1437

السؤال

مرحبا أنا فتاة في 18 من عمري، منذ صغري كنت وحيدة تقريبا لم أكن أخالط أحداً وكانت لي صديقة واحدة.. مشكلتي أني لا أستطيع الاختلاط مع الآخرين، دائماً أجلس وحيدة حتى في المناسبات العامة لا أجلس مع قريباتي! ولكن شخصيتي عبر الفيسبوك مختلفة؛ فأنا أتحدث معهم بطلاقة ومرح حتى أنهم كثيراً ما يستغربون من تغير شخصيتي.. بالإضافة إلى أني بدينة وأعتقد هذا هو السبب الرئيسي فطالما احتقرتني بعض الفتيات ما جعلني أحتقر ذاتي أيضاً.. لدي الكثير من المشاكل في حياتي أحيانا أتمنى الموت وأستريح.. أرجوكم ساعدوني.

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابنتنا الكريمة، أهلاً ومرحباً بكِ في موقعك (موقع المسلم)
وبالنسبة لما تحدثتِ عنه أجيبك بما يلي:
أولا: انتبهي لهذه الحقيقة وافهميها جيداً، أن الله سبحانه وتعالى، إلَهُنا وخالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا ومتولي أمورنا، أرحم الراحمين بعباده، والرؤوف بهم واللطيف العفو الودود بعباده؛ فإلَهنا – عز وجل – رؤوف رحيم لطيف خبير، عليم حكيم، رحيم بعباده أرحم بنا من أنفسنا لأنفسنا، وفي الحديث عن عمر قال: قدم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسَبي، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيًّا في السبي أخذتْه فألصقتْه ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أترون هذه طارحة ولدها في النار"، قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها" رواه البخاري
و إن الله خلقنا في هذه الحياة لنسعد بالاستقامة على دينه وعبادته وطاعته، واتباع شرعه، ونسعد عند مقابلته – سبحانه – في الآخرة بإدخالنا جنته العظيمة دار السلام.
ثانيا: أختي الفاضلة اطرحي عنك هذا اليأس والهم والغم والضيق، وأبشري بالفرح والسرور والسعادة والطمأنينة القريبة بإذن الله تعالى، واعلمي ان الله سبحانه وتعالى يحبك لأنك أمته الذي خلقك ورزقك وتكفل بأمرك وتدبير شأنك ومن جملته ذلك أن يكفل لك السعادة والراحة والطمأنينة، ولكن الله جعل لهذا أسبابا إذا ألزم الإنسان نفسه بها واجتهد في العمل بها، حقق له الله كل ما يرجو من صلاح الحال وراحة البال، والصادق على طاعة الله تعالى والخضوع والاستسلام له والحرص على رضاه في كل ساعة، ويتحقق هذا بالمحافظة الصادقة على الصلوات الخمس،والإقبال على الله فيها ومحادثة الله، والشعور أنك أمام الله، احرصي على أن تعطي الله من الأدب والتوقير والتعظيم له؛ لأنه ربك وخالقك، وبحضور قلبك وصدق مناجاتك،ثم أقبلي على ربك في سجودك وتحدث مع ربك واشكي له ما عندك، واطلبي منه التفريج وتيسير الأمور، وشرح الصدر وكل ما عندك، واطمئني بأن الله سيجيبك على الفور؛ لأنه الرب الرحيم، يقول تعالى:{ ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيِيَنّه حياةً طيبة } واقرأي القرآن كثيراً، وأكثري من سماعه، وأكثري من ذكر الله، فهذا يحقق الله به كل خير. والابتعاد عن المعاصي والذنوب والحذر من ترك الصلاة فإنها سبب ما تشتكي منه من الضيق والهم والغم يقول تعالى " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ".
فالسعادة في طاعة الله والإقبال عليه وملازمة ذكره، والشقاء والتعاسة في الإعراض عنه وترك الصلاة ونسيان ذكره.
ثالثا: فأول ما يجب أن نبدأ به هو الاجتهاد في تقوية ذاتنا بتقوية إيماننا وزيادته بالاجتهاد الصادق في طاعة الله تعالى بفعل الواجبات ولاسيما الصلاة والإكثار من الأعمال الصالحة كقراءة القرآن يومياً،وذكر الله كثيراً والمحافظة على أذكار الصباح والمساء وسماع دروس العلم النافع وحضور مجالسها، لأننا جميعاً في حاجة إلى محاسبة أنفسنا على الاستقامة بطاعة الله والتمسك بشرعه والتذكر باستمرار الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب والجزاء. هل آمنا بالله تعالى؟ واستقمنا في حياتنا على الالتزام بجميع تعاليم الدنيا في جوانب حياتنا؟
رابعا: ويجب علينا جميعاً أن نتعلم أهم ثلاث مسائل تتوقف عليها سعادتنا في الدنيا والآخرة:
الأولى: أن نعرف الله جيداً بأسمائه وصفاته وما يجب له من تأليهه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وطاعته والتقرب إليه بالعمل الصالح من كثرة ذكره وقراءة القرآن والصدقة ونفع الناس وتذكر يوم القيامة والاستعداد له والحرص على النجاة في الآخرة.
الثانية: معرفة تعاليم ديننا دين الإسلام في جميع الجوانب وأن نتمسك بها في حياتنا بما يخص عبادتنا مع اللامباشرة كالصلاة، الزكاة، الحج، والصيام. ومنها يشمل معاملاتنا مع بعضنا البعض، صلة الرحم، الوالدان، الجيران وما يشمل جوانب الحياة.
الثالثة: معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة اسمه ونسبه وسيرته وأنه خاتم الرسل ووجوب طاعته في كل ما أمر به وتر كل ما نهانا عنه وأنه جاء ليعلمنا كيف نعبد الله ونطيعه ويعلمنا التعاليم التي نطيع بها الله،وتعلم هذه المسائل السابقة يكون بحضور مجالس العلم والمحاضرات في المساجد، وقراءة الكتب الدينية وسماع المحاضرات عبر إذاعة القرآن الكريم، والقنوات النافعة.
خامسا: وعلينا بضرورة الحرص على تعلم ما سبق ذكره والعمل به، وأن يكون أكبر اهتمامنا إن أردنا السعادة في الدنيا والسلامة والنجاة في القبر وعند ملاقاة الله يوم القيامة للحساب والجزاء.
سادساً: اعلمي أن كل ما يلزمكِ هو تنمية قدرتكِ وزيادة ثقتكِ بنفسك. لذلك
أنصحك بما يأتي:
1- مشكلاتكِ مرتبطة مع بعضها، فلم يتمّ إشباع احتياجاتك النفسية والعاطفية للحب والاهتمام والشعور بتقدير الآخرين لك. لذلك أصبحتِ لا تقدّرين ذاتكِ ولا تشعرين بقيمتك.
2- ضرورة اقتحام كل المجالات التي تجنبتِيها، فالانعزال لا يساعد إلا على تفاقم المشكلة، وربما هو سبب الاكتئاب، فحاولي دفع نفسك للتواجد حيث يوجد الآخرون والحديث مع من حولك.
3- فتشي في نفسك عن الميزات والجوانب المضيئة، تذكّريها وتذكري أن كثيراً غيركِ لا يتمتع بها؛ فافرحي بفضل الله عليكِ. وكذلك شاركي غيركِ فرحتهم بما أعطاهم الله، وذكريهم بفضل الواهب عليهم، وأعظمي ما يقوم به الآخرون واحمديهم عليه؛ مما يجعلك شخصية محبوبة مرغوبة يسعى الآخرون لصداقتها، ويجعلكِ تشعرين بالثقة في نفسك وحبّ وتقدير الآخرين لك.
4- عاملي الآخرين بتلقائية وعفوية، ولا تنشغلي برأيهم فيكِ وكيف ينظرون إليكِ؟
5- احرصي على ممارسة الرياضة بانتظام؛ حتى يتجدد نشاطك وتتخلصي من البدانة. فرتبّي برنامجاً تلتزمين به تفرغين منه بإذن الله وأنت ذات وزن معتدل يسعدكِ ويسعد الآخرون لسعادتك.
6- أكثري من القراءة والاطلاع الذي يعود عليكِ بالتعرف على العلوم والمعارف المختلفة، مما يتيح لكِ الفرصة في المشاركة في الحوارات والمناقشات مع الآخرين.
7- مارسي هوايتكِ المفضلة مما ينميها وينمّي ثقتكِ بنفسك ويدفعكِ للمشاركة مع الآخرين في النشاطات المختلفة.
8- أكثري من الابتسام في وجوه الآخرين وتعاملي بلطف مع الجميع ولا تترددي في مشاركتهم الحديث والتواصل معهم فعلّكِ تجدين أحداً منهم يشارككِ اهتماماتك وينسجم معك.
9- وثّقي علاقتك بالله تعالى بالحفاظ على الصلاة وكثرة الذكر واجعلي مردّكِ في كل ما تواجهين إلى الله تعالى وأكثري من مناجاته ودعائه؛ فإنّه نِعمَ من يجيبك ويهبكِ الإحساس بالرضا ويعطيكِ الصبر ويمدّك بالقوة في مواجهة الصِّعاب والمشاكل.
10- عليكِ بالتعرف على أقرب المساجد إليكِ والتردد عليه، وحضور الجمعة ودروس العلم والمحاضرات والنشاطات النسائية.
11- اتخذي رفقةً صالحة من المسجد، وتواصي معهم على المحافظة على الصلاة والقرآن وذكر الله.
12- اعتزّي بنفسكِ وبدينك، واحمدي الله أن جعلكِ مسلمة. والجئي إلى الله أن يثبتكِ على الإسلام ويتوفاكِ عليه.
أسأل الله أن يشرح صدركِ ويريكِ الحق يوفقك لاتباعه، ويجعلكِ ذُخراً للإسلام.
والله الموفق.