20 ربيع الأول 1437

السؤال

السلام عليكم أريد أن أسأل فضيلتكم عن شيء مهم، أنا طالبة جامعية أحببت رجلاً جداً وتعلقت به، وهو كذلك يحبني كذلك جداً ويخاف علي من أي شيء، أعلم صدقه معي في كل شيء، وأنه يحبني أكثر من نفسه وقد تأكدت من ذلك باختباره وابتعادي عنه وتمسكه بي هو متعلق بي جدا، ولكن المشكلة أنه متزوج من امرأة ويحبها كذلك، بل قد اعترف لي مراراً بحبه لها ولكنه يقول أنا أحبك أكثر منها، أنا أغير جداً وأحبه جدا ولا أريد أن يشاركني فيه أحد لكنني لن أقول أن يطلق زوجته لأرضى بك، ماذا أفعل أنا أحبه جدا ولا أريد أن أتركه هل أقبل بأن أكون زوجة ثانية أم ماذا جاوبوني سريعا الله يبيض وجوهكم.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نرحب بكِ علي صفحة الاستشارات بموقع المسلم، وندعو الله سبحانه وتعالي أن يربط علي قلبك، وأن يسترك بستره الجميل، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، كما نشكركِ علي حسن ظنكِ بموقعنا الكريم، وأسأل الله سبحانه وتعالي التوفيق في الرد علي رسالتك.
الزواج نعمة من أجلّ نعم الله علي عباده، بل هو آية من آيات الله؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فهو سكن وأمان وحب واستقرار، وهو سنة من سنن الحياة، وبالتأكيد كل فتاة تتمني أن تجد نفسها مستقرة في عش الزوجية تنعم بحياة هانئة وسعيدة في ظل زوج صالح يتقي الله فيها، يعاملها كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي".
فحسن الاختيار هو البوابة الأولي إلي السكن والمودة والرحمة بإذن الله تعالي. ولهذا كانت أول صفة ينبغي أن تكون في الزوج، أن يكون صاحب دين، فالزوج صاحب الدين هو الذي إذا أحب زوجته أكرمها وإن كرهها لم يظلمها.. ولهذا أوصي الرسول الكريم باختيار صاحب الدين والخلق حين قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزَّوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
فمما لا شك فيه أن التساهل في عدم الاهتمام بتدين وأخلاق الخاطب أساس الضياع والشقاء في الدنيا والآخرة.
ابنتي الحبيبة.. ذكرتِ في رسالتكِ أنكِ (أحببت رجلا جدا وتعلقت به) وهذا الرجل (يحبني كذلك جدا ويخاف علي من أي شيء)! ولم تذكري في رسالتك شيئا عن صفات هذا الرجل سوي أنه متزوج، وأنه متعلق بك (جدا جدا) وأنه يحبك أكثر من نفسه (يحبني أكثر من نفسه) وقد تأكدتِ من ذلك باختباره!! ولا أدري طبيعة الاختبارات التي أكدت لك على صدق هذا الرجل؟ ولكن المشكلة أنه متزوج ويحب زوجته؛ وقد أعترف لك بذلك (أعترف لي مرارا بحبه لها).
فعلي أي أساس تقبلي أن تقحمي نفسك على أسرة متحابة لتكوني زوجة ثانية؟
هل أهلك على علم بهذا العرض وما رأيهم؟
وهل تعلمين أنه يجب على الإنسان إذا أراد الإقدام على فعل فعليه مشاورة أهل الخير من أصحاب التقوى وسداد الرأي؟
كما عليه استخارة الله في هذا الفعل؟
فهذه هي آليات الزواج السليمة حتى يكون المرء على بينة من أمره، ولأن الزواج رحلة العمر وشريك الحياة يجب أن تتوافر فيه كل المقومات التي تُنبئ بنجاح هذا الزواج. هذه الوسائل يجب أن تُتبع قبل الإقدام على الزواج، فلا تهمليها بحجة الحب والتعلق.
ابنتي.. إن التعلق الذي حدث بينك وبين هذا الرجل هو من أخطاء وسلبيات الاختلاط، وأي علاقة تنشأ بين رجل وفتاة خارج نطاق الشرع هي من المحرمات ومن الأمور المنهي عنها، وكما يقولون إذا صلحت البدايات أشرقت النهايات. وما ترينه اليوم من القبول والتوافق والحب ربما يختلف الحال عنه بعد الزواج.. فلا تحكمين باليوم على الغد.. ولا تحسبين أن ما قبل الزواج مثل ما بعده.
هذا الرجل يقول لك (أنا أحبك أكثر منها)! وهذا منطق وجيه أن تكوني مفضلة على زوجته باعتبار أن كل ما هو جديد جاذب، ولكن إذا قدر الله وتزوجتِ من هذا الرجل سيتغير الحال بعد فترة زمنية قصيرة، ومع مشاكل الحياة تصبح الحياة روتينية، فتعلقه بك ما يلبث أن يهدأ، وما يحدث على أرض الواقع سوف يختلف بعد الزواج ولا شك.
ابنتي الغالية.. لا مانع شرعا من الزواج برجل متزوج من زوجة أخرى إن كان قادرا على العدل، وأنتِ ترضين خلقه ودينه، ويوجد توافق بينكما. فتعدد الزوجات أمر مباح شرعا، ولا حرج فيه ما دام الرجل قادرا على التعدد وينوي العدل بين زوجتيه. وإذا أساء بعض الأزواج هذا الحق فليس معنى ذلك أن التشريع معيب ـ حاشا لله ـ وإنما العيب في مخالفة آداب الشرع وأخلاق الدين، قال تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَي أَلاَّ تَعُولُواْ ) النساء: 3. فالشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات هو ثقة المسلم في نفسه أن يعدل بين زوجتيه في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، فمن لم يثق في نفسه بالقدرة على أداء هذه الحقوق بالعدل والسوية فلا يتزوج بأكثر من واحدة. وقال عليه الصلاة والسلام: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا". والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، لا مجرد الميل القلبي، فإن هذا داخل في العدل الذي لا يستطاع، والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه، قال سبحانه وتعالي: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء: 129، وفي الآية تحذير من الميل إلي إحدى زوجتيه دون الأخرى، بحيث يحظى بإحداهما ولا يؤدي حق الأخرى عليه، وهذا ما تسميه الآية بالميل.
ابنتي الكريمة.. نتعرض كثيرا في صفحة الاستشارات للمشاكل الناجمة عن التعدد، فنجد في كثير من الأحيان أن الزواج من رجل متزوج تجربة شائكة، إذ سرعان ما تشن الزوجة الأولى وأولادها إن كانت لها أولاد حربا لا هوادة فيها على الزوج وزوجته الجديدة.. ويستخدمون فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة....
وقد يصمد الزوج في هذه الحرب أو لا يصمد!
فهل أنت يا ابنتي مستعدة لهذه الحرب؟
هل تتوقعين أن هذه الزوجة ستقابلك بالترحاب وتبدي لكِ سعادتها في مشاطرتك لها زوجها؟؟!!
ابنتي العاقلة.. تقولين أنك امرأة غيورة، وأحسبك بذلك قد فتحتي بابا يظل مغلقا أمام العديد من الفتيات اللائي يقدمن على الزواج من رجل متزوج، ولهذا أحسبك فتاة ذات عقل راجح يحكم العقل كما يحكم العاطفة، والنقطة التي أقصدها هنا هي الغيرة، وأقصد غيرة الزوجة الثانية من الأولي، رغم أن الثانية هي التي قد اقتحمت على الأسرة استقرارها وأحدثت ما يشبه الزلزال، إلا أن الزوجة الأولي هي التي بدأت مع زوجها الطريق من أوله وربما عانت معه للوصول به إلى الاستقرار المادي والمعنوي وبينهما العشرة الطويلة والأبناء، والطبيعي أن تكون غيرة الأولى أشد وأقوى من الثانية لأن الأخيرة قد أقدمت على الزواج وهي تعلم سلفا أن في حياة زوجها امرأة أخرى، إلا أن الغيرة ربما تتحكم من الزوجة الثانية فتقلب حياتها نكدا وشجار. لهذا دائما ننصح الفتاة المقدمة على الزواج من رجل متزوج، إن كانت تعلم في نفسها الغيرة الشديدة فلتتمهل ولا تغامر فقد تنتهي حياتها الزوجية من فرط شدة غيرتها. ولا نستطيع تجاهُل الغيرة، فهي طبيعة كامنة في المرأة، ووجُودُها مؤشِّر للحب، لكن بنسبة معينة، فإذا تجاوزتها صارتْ قاتلةً مدمِّرةً.
ابنتي الكريمة.. حينما تقدم الفتاة على الزواج وتكون على بصيرة من وضع زوجها وحياتها المستقبلية معه بصورة واضحة لا لبس فيها ولا تزييف.. تقدم على هذه الحياة وهي متقبلة وراضية ومتأقلمة مع كل ما يعتريها ويقابلها من أمور المفترض أنها تعلمها ورضيت بها، وأنت قد علمت أن هذا المتقدم للزواج منك متزوج من امرأة أخرى وربما لديه منها أبناء، وأن الحياة مستقرة بينهما، ومن الطبيعي أن المرأة تكره من يشاركها في زوجها، ولكن ذلك – في ظني – يحدث من الزوجة التي دخلت عليها زوجة أخرى، وليس من الزوجة الأخرى، التي رضيت أن تقترن بزوج تعلم – مسبقاً – أن لديه زوجة!! وأنت تعترفين بذلك.
ابنتي الغالية..لا تتسرعي في هذا الزواج فأنتِ تقولين أن هذا الرجل أخبرك مرارا أنه يحب زوجته.. فربما قد حدث بعض الفتور في حياته ويريد التجديد مع زوجة جديدة. لهذا قبل إقدامك على مشروع زواجك من هذا الرجل أجيبي مع نفسك على هذه النقاط الهامة:
ما هو السبب الذي جعل هذا الرجل يقدم على الزواج منك رغم حبه لزوجته؟
هل أنت مستعدة نفسيا للقبول والرضا بالعيش والحياة مع زوج متزوج، أي في حياته امرأة أخرى لها جذورها الثابتة في أعماقه؟
هل ستقفين إلى جواره وتتحملين غيابه عنك.. وتتعالين على مشاعرك وعواطفك عندما يذهب إلى زوجته الأولي.. التي قد تفرض عليه البقاء عندها أكثر منك؟!
والغريب في مشكلتك أنك لم تذكري لنا رأي أسرتك في الأمر ورأي زوجة هذا الرجل وأولاده في زواجه منك.
كل هذه الأمور تستحق منك الإجابة عليها بصدق وشفافية.. بعيدا عن العواطف.
واستخيري الله فيما أنتِ مُقبلة عليه، وانظري في نفسك، هل أنت قادِرة على مُواجهة زوجته، وتحمُّل المشاكل؟
أما إذا ما تمت الموافقة وتم الزواج، أستسمحك أن تضعي رضا الله بين عينيكِ، ثم رضا زوجك، ولا تذكري زوجته الأولي أمامه إلا بالخير، وتذكَّري أنها أختك في الدِّين، وأختك في رباط الزوجيَّة، وهي حب زوجك الأول، ومؤلِم لها بالطبع زواج زوجها عليها، فاصبري على ما يصدر منها من إساءةٍ أحيانًا، ولا تردِّي الإساءة. أعيني زوجك على برِّها، وعلى العدل، وعلى أداء حقوقه الواجبة. لذلك ننصحك أن تلتمسي لها العذر، وأن يتسع صدرك إذا أردتِ الحياة الزوجية الهادئة، وتذكري الله في كل أحوالك.
وفي الختام.. بقي القرار قرارك أنت، وما كان دوري إلا تسليط الضوء على كل زوايا القضية. وأوصيك أن تكثري من الاستخارة والدعاء أن يرزقك الله زوجا صالحا وذرية طيبة، ونحن ندعو لك أن يريك الله الحق ويرزقك إتباعه ويجنبك السوء ويكتب لك الصلاح والفلاح والعيش الهانئ المستقر ونحن في انتظار جديد أخبارك فطمئنينا عليك.