سلام للصهاينة وتهديد لغزة !!
17 ذو الحجه 1436
د. زياد الشامي

في الوقت الذي تزداد فيه انتهاكات الاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى , من خلال ما يقوم به من اقتحامات وتدنيس لباحاته منذ فترة طويلة وحتى الآن , تمهيدا لتقسيمه زمانيا ومكانيا كما هو مخطط له منذ سنوات , والذي يبدو أنه قد بات أمرا واقعا في هذه الأيام ......تخرج أصوات عربية عقدت سلاما مع الكيان الصهيوني منذ عقود تحث فيه باقي الدول العربية على توسيع نطاق السلام مع هذا الكيان الصهيوني !!

وفي الوقت الذي يحتاج فيه المرابطون الفلسطينيون في الأقصى إلى دعم الحكومات العربية ولو بالتصريحات ضد سلطات الاحتلال فقط - أو بالصمت وعدم التصريح ضد المقاومين الرافضين لإجراءات سلطات الاحتلال على الأقل – حيث تزداد حدة المواجهات بين عشرات المستوطنين الصهاينة المقتحمين للأقصى يوميا – وآخرها كان صباح اليوم الأربعاء بزعامة الصحفي الصهيوني "أرنون سيجال" منسق رابطة شباب لأجل الهيكل المتطرفة – يتبادر إلى سمع هؤلاء وسمع المسلمين عموما دعوات لمصافحة الصهاينة , وعقد اتفاقيات سلام معهم !!

لم يكن جديدا أن تمر اعتداءات الصهاينة على الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموما , وعلى الأقصى خصوصا دون أن تكون هناك ردة فعل عربية إسلامية فاعلة ومؤثرة , فغاية ما يمكن أن تسمعه منذ سنوات هو التنديد والاستنكار العربي والإسلامي من تلك الانتهاكات , ومطالبة المجتمع الدولي المتواطئ مع الصهاينة بالتدخل لوقفها ....ولكن الجديد أن يدعو رئيس دولة عربية إلى مزيد من التقارب مع "إسرائيل" , و إلى إبرام اتفاقات سلام بين الدول العربية و الكيان الصهيوني وفي هذا الوقت بالذات !!

ويزداد الاستغراب حين يجري المتابع مقارنة بين تعامل تلك الأصوات العربية المعنية بالقضية الفلسطينية مع الكيان الصهيوني وبين تعاملهم مع قطاع غزة ومن يقودها منذ سنوات , فالدين والعقل والمنطق يحتم أن تكون العلاقة مع غزة علاقة أخوة و نصرة و مساندة وانتصار , بينما تكون العلاقة مع الصهاينة دينيا وعقليا وواقعا وتاريخا علاقة عداوة وحرب .

لقد انقلبت الموازين المعايير رأسا على عقب , وأصبح الغزاويون والمقاومون منهم تحديدا إرهابيون وملاحقون من قبل أجهزة سلطة عباس في الضفة الغربية , ومن قبل الدولة الوحيدة التي يستطيع الغزيون التنفس من خلالها عربيا , والتواصل مع العالم الخارجي من خلالها .

ولا أدل على ذلك من حملة اعتقالات قادة المقاومة الإسلامية "حماس" وأتباعها , والتي تشنها سلطة عباس في رام الله , ناهيك عن قمع المظاهرات التي خرجت في رام الله والضفة الغربية تنديدا بما يجري في الأقصى من انتهاكات , ودعما للمرابطين فيها والمقاومين والصامدين ...بينما التنسيق الأمني مع الاحتلال يجري على قدم وساق , ولم يتأثر بالأحداث الأخيرة قيد أنملة !!

من جهة أخرى ما يزال المعبر العربي الوحيد مغلق بوجه أهل غزة , رغم النداءات المتكررة لفتحه ولو للحالات الإنسانية فقط دون جدوى , ومما يزيد الطين بلة - كما يقال – هدم الأنفاق التي كانت تعتبر الحل الأخير الذي اضطر الغزيون اللجوء إليه لتخفيف حدة الحصار المفروض عليهم منذ سنوات , ليكتمل السيناريو العجيب في طريقة تعامل بعض ساسة العرب مع أهل غزة بمشروع "القناة المائية" الذي يهدف في الظاهر إلى منع التهريب عبر الأنفاق المهدمة , بينما أهدافه الحقيقة تتعدى ذلك إلى الإضرار بغزة وأهلها وسيناء عموما .

لقد حذر الكثير من الخبراء والمختصون من خطورة هذا المشروع على غزة وسيناء , مشيرين إلى أنه سيزيد من ملوحة التربة , مما يؤدي لفقدان انتاجيتها لتصبح تربة مالحة , بالإضافة لتأثيره على المياه الجوفية المحيطة بالمنطقة ، وتهديد الأمن المائي للقطاع , ناهيك عن الضغط على القشرة الأرضية الذي سيزيد من احتمالية الزلازل .

وعلى الرغم من كل تلك الأضرار المتوقعة , وعلى الرغم من مناشدة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية السلطات المصرية بوقف العمل بهذا المشروع المدمر المؤذي....إلا أن عدم الاكتراث بتلك الأضرار و المناشدات هو سيد الموقف حتى الآن على ما يبدو .

وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق الهجوم الإعلامي المصري غير المسبوق على المقاومة الفلسطينية في غزة وحاضتها الشعبية , وكأنها هي العدو الأول والأخطر , في مقابل عبارات التودد والتقارب مع الكيان الصهيوني , حيث تم استبدال مصطلحات من قبيل : العدو الإسرائيلي أو الصهيوني أو الاحتلال أو .... بعبارات أخرى : كالدولة الجارة أو المجاورة أو حدودنا الشرقية ...الخ , ناهيك عن دعوة بعض ساسة العرب اليوم وعلى منبر الأمم المتحدة إلى ضرورة تبلور تحالف دولي عربي إقليمي لمواجهة "الإرهاب" الإسلامي والانتصار عليه , بينما يتم التغاضي عن إرهاب طاغية الشام في سورية , وإرهاب الصهاينة في فلسطين المحتلة , وإرهاب الصفويين في العراق واليمن , وإرهاب البوذيين في بورما ....الخ

فإن المتابع العربي المسلم لا يستطيع إلا أن يعبر عن عجبه وعجب المسلمين من هذه المعادلة الجديدة في التعامل مع الاحتلال الصهيوني وغزة المسلمة العربية , ومن تزوير المصطلحات ليغدو المقاوم إرهابيا والإرهابي بريئا !!