أي فلسفة لعمليات تنظيم الدولة المبعثرة بالسعودية؟
21 ذو الحجه 1436
أمير سعيد

إذا ما سألت خبيراً بتنظيم القاعدة والمجموعات القريبة منه عن الفرق الفكري بين هذا التنظيم وتنظيم الدولة المعروف اختصاراً باسم داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)؛ فإن أول ما سيتبادر إلى ذهنه هو فكرة "التمكين" التي حظيت باهتمام بالغ من تنظيم الدولة، حيث تتركز فلسفته في إقامة "الدولة" التي يراها في أي بقعة يضع مسلحوه يدهم عليها، وهو بهذا يرفض قيوداً كبيرة وضعها تنظيم القاعدة في تحقيق فكرة التمكين، وأنه يتوجب أن يمر عملهم بمراحل كثيرة قبل الوصول إلى هذه المرحلة.

 

 

 

بغض النظر عن وجهة نظرنا السلبية حيال فكر التنظيمين ورفضنا لممارساتهما، وبعيداً عن آراء كثيرين في أنهما تنظيمان مخترقان أو أحدهما، أم لا.. تكفيريان أم لا.. الخ؛ فإن ما يعنينا فيما تقدم هو أن فلسفة تنظيم الدولة هو أن يحقق الدولة التي يراها في أي رقعة أرض يضع يده عليها ولو مؤقتاً.. وعليه، فقد توسع في فكرة "الدولة" ثم وزع "الولايات" في مناطق لم يتمكن فيها بالمرة، فإذا كان من المتفهم نوعاً ما أن يطلق على مناطق وضع يده عليها كالموصل مثلاً اسم "دولة" لاعتباره يحكمها فعلياً (حتى لو سلمنا أو رجحنا أن ثمة من مكنه من ذلك عمداً، لكن الواقع أنه يقيم نظامه على أرضها الآن)؛ فإنه من غير المعقول أن يطلق مثلاً على نجد "ولاية" أو "طرابلس".. الخ، لأن من يحكمها بالفعل هم خصومه، وهي دول أخرى، بعضها مستقر كالسعودية، وبعضها مضطربة لكن دوره فيها شبه معدوم كطرابلس ونحو هذه.

 

 

 

المهم، أنه مهما كان متوسعاً في إطلاق مصطلح الولاية أو الدولة؛ فإن منطق الأشياء يقتضي أن يذهب باتجاه "التمكين" في هذه المناطق، وأن ينزع إلى محاولة الاستيلاء على منطقة نائية مثلاً ثم "يتمدد" مثلما تقول أدبياته، وهذا ما يتسق مع أفكاره "التمكينية"، وهو الذي أخذ على القاعدة من قبل لجوءهم إلى التفجيرات المبعثرة غير الهادفة لإقامة "دولة".

 

 

 

هذا هو المنطق، لكن تنظيم الدولة لم يفعله في السعودية تحديداً، ونحا باتجاه لا يؤدي عند "العقلاء" لإقامة "دولة"، وإنما لإحداث قلاقل وفتن وأعمال قتل؟ سيقال ببساطة: لأنه لم يمتلك القوة بعد والتي تمكنه أن يحاكي ما فعله في الموصل.

 

 

 

 

حسناً، إن كان لم يمتلك هذه القوة بعد؛ فإن "العقل" يقول له: إذن انتظر حتى تقوى ثم افعل ما تشاء؛ فإن قال: بل أفعل لكي أخلخل أركان الدولة ريثما أقوى! لكان مفتقراً لأبسط أبجديات السياسة، والتي تقول إن خلخلة الدول وإضعافها لا يستفيد منه من أحدثها، وإنما القادر على الاستفادة، وهو هنا الطرف الأقوى في المعادلة؛ فنظرية "ملء الفراغ" في السياسة تقضي بأنه متى صار هذا الفضاء فارغاً فإن القوي هو من سيملؤه وليس الضعفاء. بمعنى أوضح: فإنه على فرض أن تنظيماً هزيلاً كولاية نجد، هو الأضعف في كل مكونات تنظيم الدولة، ويضم بالكاد عدداً محدوداً من الخلايا النائمة التي تنجح السلطات الأمنية السعودية في تفكيكها يوماً بعد يوم، -  على فرض، أنه قد نجح في إضعاف الدولة السعودية مثلاً؛ فإن المستفيد ليس هو التنظيم، وإنما القوى الإقليمية المتربصة، وهي هنا بلا أدنى مواربة أو استتار "إيران"، لاسيما أنه يزامن ما يفعله من عمليات مبعثرة مع تصعيد إيراني يتناول فكرة أو بالأحرى مؤامرة تدويل الأماكن المقدسة، وتقسيم السعودية، والاستئثار الطائفي بمنابع النفط. (وهو ما يعزز من حظوظ الريبة التي تزايدت عنه بما تماهى مع أجندتي إيران وسوريا في الداخل السوري، كمثل ما فعله في ريف حلب وحول دمشق وغيرهما، وإشعاله لمعركة عين العرب، وتوقفه في الزحف نحو بغداد في وقت ظهر فيه الجيش العراقي مرتبكاً.. وكذا في درنة وسرت الليبيتين ضد الثوار وقوات فجر ليبيا.. تلك الريبة التي تعززت مع البعض بعد بدء العدوان الروسي الذي تجنب إلحاق الضرر بالتنظيم حتى كتابة هذه السطور).

 

 

 

 

 

فهل يجهل التنظيم هذه البدهية السياسية أو أن ثمة من يقوده إلى هذا الاتجاه؟!

فكما تقدم، إن ظن نفسه قوياً؛ فليس هذا هو مساره الواجب، ولا هذه هي فلسفته التي ينبغي أن يطبقها، وفارق فكر القاعدة لأجلها، ويصبح مساره المنطقي، محاولة إقامة دولة ولو في كهف في صحراء نجد ثم ينطلق منها لغيرها، وهو لم يفعل لأنه يوقن تماماً أنه ضعيف.

 

 

 

وإن أيقن أنه ضعيف؛ فإنه لا يعدو أن يكون ممهداً لغيره من القوى التي تستطيع أن تجابه دولة كالسعودية تتوفر على جيش قوي حديث التسليح، وينطلق من عقيدة تجعل جنوده يقاتلون ببسالة عن قناعة، وتخوض حرباً بتكتيك عالٍ في اليمن، وأسلحة متطورة.

 

 

هل ثمة تفسير ثالث يجعلنا نصدق أن خلايا هزيلة أو أفراداً مبعثرين يمكنهم أن يقيموا دولة؟ هل يصدقون أنفسهم حالئذ؟!