دلالات زيارة بابا الأقباط للقدس
16 صفر 1437
د. زياد الشامي

رغم رفض البابا كيرلس السادس - البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية - زيارة القدس فى أعقاب هزيمة 1967 و وقوع المدينة المقدسة فى يد الاحتلال الصهيونى ... و رغم قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية - وهو أعلى سلطة فى الكنيسة – عام 1980م منع الأقباط من زيارة القدس ، فى أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و "إسرائيل" , والذي استمر العمل به طوال عهد البابا شنودة الثالث.......إلا أن بابا الكنيسة القبطية الحالي "تواضروس الثاني" تجاهل موقف الرفض و القرار الكنسي و قام بزيارة إلى القدس عبر عاصمة الصهاينة المزعومة "تل أبيب" .

 

 

وبالرغم من محاولة الكنيسة التغطية على هذه الزيارة , ومحاولة إضفاء الشرعية عليها بشتى الوسائل , من خلال الزعم بأنها ليست زيارة بالمعنى الرسمي كما قال "تواضروس" نفسه لبعض وسائل الإعلام , وإنما هي "واجب إنساني تجاه إنسان قدم حياته كلها لخدمة الوطن والكنيسة" حسب وصفه , إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة كونها زيارة رسمية من أعلى شخصية دينية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية .

 

 

كما أن محاولات البطريركية المرقسية تبرير هذه الزيارة من خلال إصدار بيان أكد أن هدف زيارة تواضروس هو المشاركة في جنازة مطران الشرق الأدنى فقط ، وأنها لا تعني كسر قرار المجمع المقدس بمقاطعة السفر إلى القدس تحت الاحتلال "الإسرائيلي" الصادر عام 1980م ..... لا يبدو أنها قد نجحت في إقناع أتباع الكنيسة - فضلا عن غيرهم من المصريين والمسلمين – بشرعية الزيارة .

 

 

ويكفي دليلا على ذلك بيان حركة "مسيحيون ضد الانقلاب" التي رفضت الزيارة، وأكدت أن موقف تواضروس يمثله وحده ولا يمثل أقباط مصر، واصفة الزيارة بالحلقة في "سلسلة تصرفات تواضروس التي تؤجج الفتن الطائفية" .

 

 

والحقيقة أن الزيارة في هذا التوقيت بالذات , حيث الانتهاكات الصهيونية للأقصى مستمرة بل و تزداد يوما بعد يوم , و عملية تهويد القدس والأقصى تجري على قدم وساق , و استباحة دماء الفلسطينيين - لمجرد مواجهتهم لأطماع الصهاينة – باتت معلنة وقانونية بعد الصلاحيات الواسعة من الحكومة الصهيونية للجيش والشرطة بقتل كل من يشتبه به من الفلسطينيين ..... تحمل الكثير من الدلالات أهمها :

 

 

1- التشجيع على التطبيع مع الكيان الصهيوني , من خلال الاعتراف الفعلي بسيادته على المدينة والأماكن المقدسة , وتجاهل جميع انتهاكات الاحتلال بحق القدس وأهلها منذ عقود وحتى الآن .

 

 

والحقيقة أن السير في هذا الاتجاه بات اليوم واضحا من بعض دول المنطقة , سواء من خلال اختفاء عبارات المقاطعة ولغة العداء لليهود التي استبدلت بمصطلحات من قبيل " الدولة الجارة" , أو من خلال تغير واضح في تحويل بوصلة العداء نحو "حركة حماس" في الوقت الذي ينبغي أن تكون محصورة بالصهاينة !!

 

 

و مع محاولات تلبيس الزيارة لباس الطابع الديني والإنساني , إلا أن كل الأدلة تؤكد أنها مسيسة بامتياز لعل أهمها : خرقها لقرار المجمع الكنسي الذي يمنع من الزيارة , فكيف يجتمع خرق القرار الكنسي مع مزاعم كونها "زيارة دينية" ؟!

 

 

وهذا في الحقيقة ليس كلام المسلمين واستنتاجاتهم لهذه الزيارة , بل هو كلام ناشط قبطي "رامي جان" , الذي أكد أن زيارة "تواضروس" بمثابة تطبيع رسمي مع "إسرائيل" مضيفا - عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" - أن أي تفسير آخر يعد مهاترة لا داعي للدخول فيها .

 

 

وعن تبرير الكنيسة بأن وصية مطران الشرق الأدنى أن يدفن بالقدس هو ما اضطر "تواضروس" لخرق قرار المجمع الكنسي و القيام بالزيارة ... رد المفكر والكاتب القبطي جمال أسعد على ذلك بتأكيده على وجود بدائل كانت متاحة أمام "البابا"، لتجنب كسر هذا الحظر، تتمثل في أن يقوم بالصلاة عليه قسيس مثل "البابا" في نفس درجته الكهنوتية، أو أن يرسل لجنة من الأساقفة والمطارانة للقيام بالصلاة " .

 

 

2- فتح الباب أمام زيارة الأقباط للقدس المحتلة بعد زيارة البابا لها , والذي يعبر بوضوح عن تغير موقف الكنيسة القبطية من رفض الزيارة إلى القبول عمليا , خصوصا إذا علمنا أن بابا "الأقباط" قد ذهب إلى القدس من خلال تل أبيب وبتأشيرة صهيونية ، وليس عن طريق الأردن كما جرت العادة !!

 

 

ومن الأدلة على هذا التغير في الموقف ما شهدته السنوات الأخيرة من انكسار ملحوظ فى موقف الكنيسة تجاه زيارة القدس ، فهى من ناحية لم تتخذ أية عقوبات تجاه من يخالفون القرار , وهو ما جعل بضعة آلاف من الأقباط يترددون على القدس فى السنوات الأخيرة , لتأتي هذه الزيارة لترسخ هذا التغير في الموقف , وتمنح الشرعية على من يود زيارة القدس مستقبلا .

 

 

ولا يخفى ما في ذلك من دعم لرؤية أنصار ومؤيدي أوهام السلام مع الصهاينة , الذين يريدون فتح الباب على مصراعيه لزيارة القدس بدعوى دعم صمود القدس وأهلها , وعدم ترك القدس لليهود وحدهم ..... على حساب أنصار وداعمي نهج مقاومة المحتل الذي يتبنى موقف الرفض وتحريم زيارة القدس والأقصى ما دامت في ظل الاحتلال , لكونها بمثابة التطبيع مع العدو الصهيوني , و شرعنة لاغتصابه المقدسات ....

 

 

ليست هذه الدلالات من قبيل المبالغة أو التهويل لحادثة الزيارة , بل هي قراءة واقعية لها , ويكفي تأكيدا على ذلك تصدر هاشتاج يحمل وسم : "القدس_تلعن_تواضرس" قائمة الهاشتاجات الأكثر تداولا يوم الخميس الماضي ، حيث تضمن آلاف التعليقات الرافضة لهذه الزيارة من الأقباط أنفسهم فضلا عن المصريين والمسلمين عموما .