من حرب المنظمات إلى حرب الدول
23 صفر 1437
إبراهيم قارا غُل

لقد كانت تركيا على حق حين أسقطت الطائرة الروسية. أما بوتين فهو يقوم بتهديد تركيا والعالم كله مستنفر.

هل ستكون سوريا ساحة تقتتل فيها الدول؟ كيف ستتم إدارة الأزمة بين تركيا وروسيا؟ تعالوا لنحلّل الوضع بعمق أكبر ومن نافذة أوسع:

لقد قامت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية التي استباحت مجالها الجوي بشكل علني وصريح. ولكن قبل هذه الحادثة جرت العديد من اللقاءات حول هذه الانتهاكات مع الروس الذين تعهّدوا بأنها لن تحصل من جديد.

رغم هذه اللقاءات فقد حدثت الانتهاكات مجددا، والأقبح من ذلك استمرار الطائرة الروسية باختراق مجال الجو التركي رغم تحذيرها عشر مرات متتالية.

لقد قامت تركيا بحماية مجالها الجوي، أي قامت بالدفاع عن نفسها، وهذا حق طبيعي لجميع الدول.

بالرغم من تصريحات روسيا بأن هدفها من دخول سوريا هو محاربة تنظيم الدولة، إلا أنها بقيت لأيام تفجر منطقة جبل التركمان التي لا يتواجد فيها ولا حتى عنصر واحد من عناصر تنظيم الدولة.

هذا بالإضافة إلى أنها تقوم منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه سوريا بسحق قوى المعارضة المعتدلة وتنظيم الهجمات الشرسة ضد أفراد تلك المعارضة.

في حقيقة الأمر لم يكن هناك أبدا أي حساب لروسيا مع تنظيم الدولة لتقوم بتصفيته.

 

 

 

 

روسيا وإيران تحتلان سوريا
ما يجري الآن هو في الأساس احتلال مشترك لكل من روسيا وإيران لسوريا.

إن الهدف من وراء قدوم روسيا للمنطقة هو حماية نظام حكم الأسد في الشام، وكسر قوى المعارضة المعتدلة للنظام.

ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، فإيران وروسيا ستقومان بالتخلي عن بشار الأسد عندما يحين الوقت المناسب. فالهدف مما يجري هو احتلال سوريا وهذا ما تقوم به هاتان الدولتان بالفعل. فالآن هناك تدخلات جغرافية سياسية في سوريا.

لقد قامت روسيا وبتشجيع من إيران باتخاذ نظام الحكم السوري في الشام حجة من أجل دخول سوريا ومهاجمتها.

إن هذا الأسلوب المتبع في احتلال سوريا اليوم يشبه كثيرا أسلوب احتلال أفغانستان عام 1979. ففي عام 1979 قام “بابراك كارمل” باستدعاء روسيا إلى أفغانستان، واليوم يقوم بشار الأسد باستدعاء روسيا إلى سوريا.

إذا كان ثمن التدخل الروسي في أفغانستان كبيرا يتمثل في انهيار الإمبراطورية السوفيتية، فما الثمن الذي ستدفعه روسيا جراء تدخلها في سوريا؟

وإذا كانت أفغانستان أكبر ذكرى مؤلمة في تاريخ روسيا، فما هي الذكرى التي ستتركها سوريا في تاريخ روسيا؟

 

 

 

 

 

القومية الفارسية، وغطرسة بوتين
لا تدوم الحسابات طويلا هنا في منطقة الشرق الأوسط. لا تستطيع أي دولة التدخل في هذه المنطقة ثم الانسحاب في بضع سنوات.

لقد أظهر التاريخ أن تدخل أي دولة في هذه المنطقة سيكلّفها ثمنا باهظا ويترك في تاريخها جرحا عميقا، ولكن ذلك قد يستغرق زمنا طويلا.

لقد دخلنا في مرحلة جديدة تقوم فيها هاتان الدولتان بالهجمات العشوائية يمينا وشمالا وذلك من أجل طموحاتها وأهدافها الإمبريالية.

تعصف في المنطقة رياح القومية الإيرانية حيث تقوم إيران بالتدخل في جميع المناطق من سواحل إفريقيا إلى خليج البصرة وسواحل البحر الأبيض المتوسط.

تقوم طهران اليوم بثقة منقطعة النظير بإقامة الشراكات مع المنظمات الإرهابية المختلفة وذلك لتدمير دول الجوار لها. فهي تستطيع أن تهدد جميع الدول الواقعة في خليج البصرة. باختصار ما تقوم به إيران اليوم هو تصرفات تطفلية تثير الأعصاب.

أما روسيا فتحمل عن طريق فلاديمير بوتين موجة قومية روسية إلى الشرق الأوسط عبر سوريا، كما حملتها إلى جورجيا من قبل عبر أوكرانيا.

روسيا تريد استرجاع سيطرتها القيصرية، سيطرتها السوفيتية بواسطة فلاديمير بوتين. لذلك من المحتمل أن يكون هدف موسكو التالي بعد سوريا هو بلاد القفقاس أو حتى بلاد وسط آسيا، ذلك لأن الخارطة التي يحملها بوتين هي خارطة سوفييتية.

 

 

 

 

 

 

انفجار أكبر أزمة بين الدولتين
يعيش العالم اليوم قلق مواجهة الطموحات الإمبريالية لهاتين الدولتين.

فالسكون الموجود الآن في أوروبا وأمريكا وإن فتح المجال أمام هذه الطموحات للتوسع، إلا أنه سيتم وضع حد له في النهاية.

فكما تم خلال خمس سنوات التخلي عن مشروع الهيمنة العالمية ” القرن الأمريكي الجديد” الذي بدأته أمريكا بعد الحرب الباردة، فسيتم تحديد نهاية الطريق لكل من روسيا وإيران.

تركيا وروسيا، لكل منهما تاريخ سياسي متجذّر لمئات السنين. كلا الدولتين تمران بامتحان جديد.

منذ مئات السنين لم تتقارب أنقرة وموسكو كتقاربهما اليوم، فاليوم يوجد تعاون وشراكة هائلة بين البلدين على كل من الصعيد الاقتصادي، السياسي، الاستراتيجي والتكنولوجي.
ولكن على المدى البعيد كان من المتوقع أن يظهر التنافس في مجالات المصالح الاستراتيجية بين البلدين. وكان التنبؤ هو كون بلاد القفقاس ووسط آسيا تشكلان هذه المجالات.

لم يكن أحد يتوقع أن كلا الدولتين ستدخلان مرحلة من التسابق والنزاع حول سوريا.

للأسف لقد بدأ هذا النزاع في جغرافية صعبة.

لقد انفجرت أكبر أزمة بين الدولتين منذ الحرب الباردة وحتى الآن.

بالرغم من كون تركيا على حق في الأحداث الأخيرة، إلا أن كلا الدولتين بحاجة إلى سياسة دقيقة وبرودة أعصاب من أجل إدارة هذه الأزمة.

هذه الأزمة الجديدة التي من شأنها أن تحدث هزة كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي، وإن كانت تبدو بين دولتين، إلا أنها أظهرت من خلال سوريا صورة جديدة للعالم.

من الآن فصاعدا ستأخذ كل دولة موقع بناء على هذه الصورة الجديدة.

 

 

 

 

 

 

من حرب المنظمات إلى حرب الدول
أعني أن الأزمة السورية تحولت من حرب منظمات إلى حرب دول.

الآن القضية ليست قضية داخلية لسوريا، ولا تخص النظام السوري. لقد تطورت القضية السورية لتصبح قضية إقليمية، ومن ثم قضية عالمية.

خلال الفترة الماضية كانت الحرب بين الدول مغطاة بغطاء حرب التنظيمات، أما بعد أزمة الأمس فقد أصبحت الحرب بين الدول علنية. من الآن فصاعدا ستتغير قواعد اللعبة.

هذه الأزمة بين سوريا وتركيا ستتطور أيضا لتصبح أزمة إقليمية. حتى أنها ستصبح عالمية في المجالين السياسي والاقتصادي.

أما بعد هذه الأزمة على خارطة القوى سيصبح عالميا بكل ما تعني الكلمة من معنى.

في تصفية حسابات القوى العالمية لن تكون هناك فرصة للتخفي أو اللعب المزدوج، سيكون على كل دولة فرض سيطرتها ونفوذها بشكل واضح وصريح.

يبدو أن المنطقة ما بين حدود إيران وسواحل البحر الأبيض المتوسط ستتحول إلى منطقة أزمة دولية، إلى منطقة صراع بين الدول.

منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تدخل أكثر الفترات حرجا عبر التاريخ، حيث ستصبح منطقة استعراض القوى، ولربما ستصبح منطقة أزمة أكثر من منطقة خليج البصرة.

 

 

 

 

 

 

 

لن يتم قبول الوصاية على حدودنا الجنوبية…
لا تتحمل تركيا فكرة أن تحتل روسيا وإيران حدودها الجنوبية. ولا تستسيغ أن تحاط من قبل هاتين الدولتين. ولن تقبل بتاتا أن ترتبط علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي بوصاية روسية إيرانية. لأن ذلك سيكون بمثابة خسارة مميتة لحساباتها المستقبلية.

إن ما تقوم به روسيا وإيران اليوم هو نفس الشيء الذي كان يراد أن يحصل عن طريق حزب الاتحاد الديمقراطي تحت ما يسمى ” ممر شمال سوريا”.

كل من السياستين تهدفان إلى تضييق الخناق حول رقبة تركيا.

إن الكلمات الكبيرة التي ألقاها الرئيس الروسي بوتين والتي تتضمن الكثير من التهديد لتركيا، وإن كانت موجهة للرأي العام الروسي على الأغلب، إلا أنها كلمات غير مستساغة.

في الساعات القادمة سيتضح موقف موسكو بشكل أكبر.

نتمنى أن لا يتم اتخاذ إجراءات متمادية أكثر من ذلك، وإلا فإن هذه الأزمات ستؤدي إلى إحراق روسيا.

إن طور بوتين الهجومي، أظهر نقطة ضعفه.

فبالرغم من ظهور التدخل الروسي في سوريا على أنه محاولة روسية لفرض نفوذها في الشرق الأوسط، إلا أنه في حقيقة الأمر جاء بتحريض إيراني.

فكما تقوم إسرائيل باستخدام قوة أمريكا العسكرية في الشرق الأوسط، اختارت إيران أن تستخدم قوة روسيا العسكرية على نفس النمط.

إن عشق بوتين للقوة والسلطة مكّن إيران من السيطرة على السياسة الإقليمية الروسية. فطهران اليوم تقوم بالعمل على خريطة قوى جديدة وذلك من خلال جر روسيا إلى جبهة الحرب.

في فترات لاحقة سيكون الثمن الذي ستدفعه موسكو باهظا جدا.

 

 

 

 

 

موجة إرهاب جديدة في الداخل
لقد تم إنشاء حكومة قوية في تركيا. كما يوجد في تركيا رأي عام قوي وحساس. يمكننا القول بأن القوة الأكثر فعالية في العالم الإسلامي اليوم هي تركيا.

في فترة كهذه، بإدارة واعية لهذه الأزمة يمكننا التغلّب عليها. أي خطوة خاطئة قادرة على تحويل صراع الأزمة الإقليمية إلى حرب دول في سوريا.

يجب على صاحبي القرار في موسكو أن ينتبهوا إلى تصرفاتهم الرعناء، فروسيا التي ليست لها حدود مع سوريا تنتهك الحدود التركية، ضاربة بعرض الحائط الموقف التركي، كما أنها تقوم بتفجير مناطق سكن إخواننا وأقاربنا التركمان أمام أعيننا.

الآن كلا الدولتين على قمة من الحذر. وكذلك حلف الناتو أيضا.

ما هي القرارات التي سيتم اتخاذها، ما هو الأسلوب الذي سيتم نهجه لحل هذه المسألة، لا أعلم، سوف نرى.

الأيام القليلة القادمة حساسة جدا، فحدّة الموقف الآن تخفي مخاطر كبيرة، يجب تهدئتها.

الأهم من كل ما سبق ذكره، ضرورة تطبيق تركيا خططها في الدفاع عن النفس. فكل يوم قادم يعني أزمة جديدة مشابهة لهذه الأزمة.

على تركيا أن تأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع ما ستعكسه هذه الأزمة من موجات إرهابية داخل تركيا.

يجب على الجميع أن يعلموا أن لا أحد يستطيع أن يلعب بكرامة تركيا ويحط منها.

فكوننا قد صبرنا عليهم لا يعني أننا خضعنا لهم.

روسيا لم تأبه لتحذيرات تركيا حيال استخدام قواعد الاشتباك

ردود الفعل الدولية حول إسقاط تركيا للطائرة الروسية

لهذا قررت موسكو عدم التصعيد ضد أنقرة

المصدر: صحيفة يني شفق التركية