موعد الثورة بتوقيت علوش
15 ربيع الأول 1437
أمير سعيد

لم يشذ قائد وزعيم جيش الإسلام في سوريا عن قانون عام تخضع له الأنظمة والأجهزة الاستخبارية حين تتعامل مع حياة قادة الحركات والقوى الإسلامية، وإن شئت فزد عليها، القادة التأثيريين عموماً، لاسيما من يمكن تصنيفهم كقادة راديكاليين، بالمصطلح الغربي.

 

 

 

 

 

 

لا تلجأ الدول المعادية للحركات الإسلامية لسلاح الاغتيال إلا حالما تجده خياراً وحيداً لحل مشاكلها مع الأعداء، وتفضل كثيراً التعامل مع عدو معروف، وقيادة تمت دراستها جيداً، وتمكنت تلك الدول، وأجهزتها الاستخبارية تحديداً من توقع تصرفاتها، وتكوين خبرة كافية لمفاتيح التعامل معها، وربما القدرة على التأثير عليها.

 

 

 

 

لماذا "اغتالوا" زهران علوش؟ لماذا اغتالوا فتحي الشقاقي، أحمد ياسين، الرنتيسي، حسان عبود، خطاب.. أيضاً لماذا اغتالوا خليل الوزير، عرفات، رفيق الحريري؟.. الخ

 

 

 

 

الأهداف ليست واحدة، لكنها محصورة لحد بعيد..

 

 

 

 

يغتالون لأنهم يريدون تغليب تيار داخل تلك القوة التي يتزعمها المغدور على آخر.. يغتالون صقراً من أجل تغليب الحمائم، إذ تفرض المرحلة أن يحصل نوع من التسوية السياسية، أو بالأحرى، يريدون احتواء هذه القوة وتدجينها، سواء عبر خلف مريب أم ضعيف.

 

 

 

أو يريدون تغليب الصقور على الحمائم، فيغتالون قيادة هادئة حكيمة ليندفع خلفه المعروف سلفاً نحو التهور والانتحار السياسي أو العسكري.

 

 

 

أو يرغبون في زرع الشقاق بين الفصيل الواحد بفقدانه أهم مدماك يضبط بناءه التنظيمي أو الفكري؛ فتتشعب بالبقية الأهواء.

 

 

 

 

يغتالون هدفهم لأنه صاحب كاريزما يصعب تعويضها، أو لقطع خيوط اتصالات ودعم وامتداد نسجها وحده تقوي حركته وتغيب بغيابه.

 

 

 

أو يغتالونه لكسر شوكة قوة دولية أو إقليمية تتحالف مع فصيله.

 

 

 

 

زهران علوش (رحمه الله)، شخصية فذة كانت تتمتع بكاريزما عالية، حتى من دون أن يفتح فيه، له هيبة كبيرة إن جاء أو ارتحل، من شاهده عن قرب يدرك أن قامته فوق قامته بكثير، متحدث لبق، آسر، يجيد اختيار كلماته مثلما يجيد اختيار حراسته.. لهذا سبب أكيد في اغتياله، لكن مرونته السياسية الأخيرة ونزوعه إلى توسيع نطاق تحالفاته الداخلية والخارجية، ونأيه بجيشه عن الدخول في تحالفات تضعف من قدرته التفاوضية، وادخاره لقوة تعد الثانية في سوريا الثورة لمرحلة الحسم، جعلته هدفاً لمرحلة يراد لها حسماً على غير مراده.

 

 

 

 

من المبكر تحديد هدف القتلة بدقة، لاسيما أن الحالة السورية بعدُ سائلة، ومفتوحة على احتمالات، أيضاً من المبكر الحكم على جدوى اغتيال علوش؛ فحين اغتيل يحيى عياش أو الرنتيسي أو ياسين في فلسطين توقع كثيرون تراجع حماس لكنها الآن أقوى بكثير، لكن حين اغتيل محمد السعيد وعبدالرزاق رجام في الجزائر كان ذلك مؤذناً بتوسع الجماعة الإسلامية المسلحة، شبيهة داعش، التي أنشأتها الاستخبارات الجزائرية لوأد الحركة الإسلامية في الجزائر، وقد كادت.
فرحت روسيا وإيران ونظام بشار وداعش باغتيال علوش، لكن الرجل قد غادر الدنيا بعد أن أسس سرية فلواء فجيش يضم عشرات الآلاف ويحتفظ بتسليح جيد نسبياً، وترابط قواته على بعد أميال من قلب العاصمة السورية؛ فجيش علوش ليس الأكبر من بين فصائل الثورة لكنه الأخطر بالنسبة لأعدائها.

 

 

 

 

اغتيل علوش أخيراً، والدواعش الآمنون في تحركاتهم يتهمونه بالمرور إلى تركيا تحت سمع النظام وبصره، وكان البعض يتحدث عن غموضه في عدم إشغال جبهة الغوطة كما ينبغي، أو كما يقدرون هذا. ولقد قيل إنهم قد قتلوا قادة أحرار الشام واستبقوه؛ فإذا هم فقط قد سبقوه.

 

 

 

 

 

 

يحسب لمعظم قادة الفصائل "الإسلامية" أن أعداءهم يلجؤون إلى تصفيتهم كآخر خيار متاح.. لا نزكي أحداً، لكن قد نرى أن مثل هؤلاء الكبار لا محل لهم من الإعراب في الحالة العربية، ولا ينبغي لهم إلا أن يكونوا تحت الثرى في معايير أهل الأرض، أو في حواصل طير خضر ـ نحسبهم كذلك ـ في معايير السماء. لم نسمع يوماً عن اغتيال آخرين غيرهم إلا في حالات نادرة؛ فمتى سمعنا عن قادة تيارات علمانية قد قصفتهم الطائرات المغيرة؟!

 

 

 

 

 

 

كان للثورة السورية توقيتات مهمة مع اغتيال عبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد في 18 نوفمبر 2013 فاتح حلب ثم اغتيال حسان عبود قائد حركة أحرار الشام أكبر حركات الثورة السورية على الإطلاق في 19 سبتمبر 2014 مع 45 من قادة الحركة، ثم في 26 ديسمبر 2015 اغتيل علوش مع عدد من قيادات جيش الإسلام، والجميع قد تم اغتياله أثناء اجتماعات قيادية سرية تسربت معلومات عنها لأجهزة النظام وغيره.

 

 

 

 

 

 

 

يجمع بين الثلاثة سير متقاربة، خلفية شرعية، عمل دعوي وخيري قبل الثورة، كاريزما خاصة، إدارة فصائل كبيرة العدد، إنجازات عسكرية ملموسة، ومناطق استراتيجية تسيطر فصائلهم عليها، اغتيال الصالح إثر نجاح لافت للواء التوحيد في معارك حلب وإعزاز، وإثر تحول قد طرأ على الساحة الإقليمية بعد انتكاس "الربيع العربي"، والبدء في التحالف الإقليمي ضده، واغتيل عبود بعد شهرين من إعلان البغدادي ما يقول إنها "الخلافة الإسلامية"، وبعد اتخاذ المناطق التي تسيطر عليها حركة أحرار الشام هدفاً له، واغتيل زهران علوش على إثر اجتماع الرياض لفصائل "الثورة السورية" والذي وقع على بيانه وفد جيش الإسلام، وبعد ثلاثة شهور من الاحتلال الروسي لسوريا واندفاعها العسكري خشية سقوط دمشق – بحسب تأكيدات دوائر غربية - وعقب تنسيق عالي المستوى بين روسيا والكيان الصهيوني (المتمرس بالاغتيالات شأنه شأن الإيرانيين) الذي لا تبعد قوات علوش كثيراً عنه. وهي توقيتات مهمة للغاية.

 

 

 

 

 

 

غاب المؤسسون البارزون الآن عن فصائل الثورة السورية الرئيسية، لكن مع هذا؛ فإن إرثاً تركوه لا يسهل تجاهله أو توقع سهولة توجيهه خارجياً؛ فنحو مائة وخمسين ألفاً من حملة العقيدة والسلاح معاً في سوريا، بحسب تقديرات شبه متطابقة، ليس بمقدور جهة توجيههم، حتى لو افتُرض جدلاً أن خلفاء قادتهم سوف يغيرون دفة سفينتهم، لأن السيولة التي قد تحرك انتماءاتهم تبعاً لقناعاتهم الراسخة نوعاً ما تعد عنصراً ليس لعاقل أن يتجاهله في مستقبل سوريا ومحيطها.

 

 

 

 

مأزق كالمأزق الدولي في ليبيا يصعب فك طلاسمه لدى اللاعبين الدوليين، لن يحله تغييب شخصية كبيرة ولو كانت بحجم زهران علوش، رحمه الله.