1 جمادى الأول 1437

السؤال

شيخنا الفاضل: يقول الله جل جلاله: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ذكر الإمام الطبري رحمه الله في (لا تقف) قولين: لا تقل، ولا ترم، وساق لكل منهما آثارا، ثم قال: ويُزعَم أن معنى (لا تقف): لا تتبع ما لا تعلم وما لا يعنيك، وناقش القول ورده، ورجح: ولا تقل! مارأيكم بصنيعه؟ وماذا ترجحون؟ولم أعرف مستنده في العربية؟ فهلا وضحتموه، أحسن الله إليكم؟

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، ذكر ابن جرير في معنى (ولا تقفُ) ثلاثة أقوال: الأول: لا تقلْ ما ليس لك به علم؛ فتقول: رأيتُ ولم تر، وسمعتُ ولم تسمع. الثاني: لا ترْمِ أحدًا بما ليس لك به علم. الثالث: ولا تقف، أي: لا تَتَّبع. وضعَّف ابن جرير هذا القول الأخير؛ إذ صدَّره بقوله: "ويُزعم أن معنى قوله (لا تقف) [الإسراء: 36] لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك، ورجح القولين الأولين، وقال: "هذان التأويلان متقاربا المعنى؛ لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور، ورمي الناس بالباطل، وادعاء سماع ما لم يسمعه، ورؤية ما لم يره".
ولعل ترجيحه لهذين القولين دون الثالث لأنهما المرويان عن مفسري السلف: ابن عباس وقتادة ومجاهد، وقد عزاها إليهم بأسانيدها.
والذي يظهر لي أن القول الثالث لا ينافي القولين الأَوَّلين، بل إنه مناسب للفظ الآية؛ فإن القفو من القَفا، فيقال لمن تبع غيره: قَفَاه.
ومن ادعى علم ما لم يعلم، أو رمى غيره بقول أو فعل لم يقع فهو متَّبع لدعواه، وقد أضاف الله الاتباع المذموم في أمور معنوية كالظن والهوى: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ)، فيدخل في عموم هذه الآية: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) كلُّ كذب، كذبٍ على الله أو على رسوله صلى الله عليه وسلم، أو على أحد من العباد، بل حتى كذب الإنسان على نفسه، كأن يُري الإنسان عينيه ما لم تريا في اليقظة أو في المنام، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أفرى الفِرى أن يري عينه ما لم تر)، فيشمل ذلك القول على الله بغير علمه، وشهادة الزور، وبَهت البريء، والقول على الله في ذاته وأسمائه وصفاته بغير علم، فتبين بذلك أن الآية عامة في كل كذب وباطل. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك، سلخ ربيع الآخر 1437هـ.