إذا رأيت مراهقا يدخن أو يحشش ماذا تفعل؟
7 جمادى الأول 1437
د. جاسم المطوع

هذا السؤال عرضته على مجموعة من الشباب والفتيات أعمارهم بين 12 و16 سنة، وقلت لهم: إذا رأيت مراهقا يدخن أو يحشش أو يشيش فماذا تفعل؟ فقال الأول: أقول له إن الدخان يضر بصحتك، وقال الثاني: أقول له أنت تحرق نفسك ورئتيك بالدخان، وقال الثالث: أقول له: أنت تحرق نفسك بالدنيا، وستحرقك هذه الشيشة في الآخرة، وقال الرابع: أقول له أنت حر وقد اخترت الطريق الخطأ بحياتك، وقال الخامس: أسأله هل تقبل أن تحرق ثيابك؟ فيجيب لا، فأقول له: أنت قبلت بأن تحرق نفسك ولا تقبل أن تحرق ثيابك، وإجابات كثيرة عرضها الشباب والفتيات أثناء لقائي معهم بالغرفة التجارية بمكة المكرمة، وكان عدد الحضور بحدود ألف شاب وفتاة، ثم خرج شاب عمره 15 سنة وعرض تجربته بالتوقف عن التدخين، وكيف أنه أثر على أصدقائه فتوقفوا كذلك، كان لقاء رائعا وصريحا مع الشباب، تحدثنا معهم كيف يتصرفون لو وجدوا صديقا لهم في المدرسة يروج الحشيشة أو الدخان.

 

 

 

 

 

وأثناء الاستراحة استوقفني أحد أولياء الأمور وقال لي: كيف تتحدث مع الشباب بهذه الجرأة؟ فقلت له: هذا هو الصواب، لأن الأمر انتشر كانتشار الضوء في وضح النهار، فلا توجد مدرسة إلا وفيها على الأقل مدخن أو مروج سواء من الشباب أو البنات، قال: ولكنك كنت تدربهم كيف يتحدثون مع المدخنين والمحششين، قلت له: الصواب أن نربي الشباب على الجرأة في مواجهة السلوك الخاطئ، لأنه هو الذي يشاهده وليس نحن، فالتوجيه يكون بطريقتين: الأولى التوعية، والثانية: السلوك الإيجابي، فأما التوعية فنعطيه معلومات عن التدخين والحشيشة، ولكن الأهم من هذا كله أن نعلمه كيف يتصرف ويتحدث مع صديقه لو وجده يدخن أو يروج للحشيشة.

 

 

 

 

قال أنا معلم بمدرسة ولكني مستغرب من قوة تفاعل الشباب معك، ويخرجون على المسرح ويتحدثون بكل طلاقة وجرأة، ونحن في المدرسة نجبرهم على الخروج! قلت له: ربما لأني حمستهم ولا مست قضيتهم وشجعتهم، وبينت لهم بأني أستفيد من خبرتهم، ثم في الأخير صفقنا لهم، فشبابنا يحتاجون لهذه اللفتات البسيطة التي تدعم ثقتهم بأنفسهم، ولا ينبغي أن نعاملهم وكأنهم متهمون أو مجرمون.

 

 

 

 

 

وأثناء حديثنا مع المعلم استأذن ولي أمر آخر بالحديث فقلت له تفضل، فقال: أنا استغربت كيف أنك تعطي الشباب والفتيات في الدورة التدريبية تمارين باستخدام الآيباد والجوال، ولا تستخدم الورقة والقلم! كما أنك تسألهم بعض الأسئلة وتقول لهم ابحثوا الآن في غوغل وأخبروني بالنتائج، فقال المعلم: وأنا كنت مستغربا كذلك من ربطهم بالجوالات واللابتوبات أثناء الدورة، ونحن دائما نحذرهم منها فما هو تعليقك، فقلت لهما: أنا أحب أن أتعامل مع الواقع، واليوم نحن في زمن لا نستطيع أن نمنع الأجهزة عن شبابنا وفتياتنا، وخاصة في هذا السن، ولكن من واجبنا أن نعلمهم كيف يستخدمون الأجهزة ويوظفون التكنولوجيا بطريقة صحيحة، قال الأب: والغريب أني رأيت تفاعلهم معك بطريقة عجيبة، قلت له نعم لأنني كلمتهم بما يحبون، وقدمت لهم ما أحب فقبلوا كلامي، ثم التفت إليهم وقلت لهم دعوني أبح لكم بسر، أنا جلست مع الشباب هنا لمدة يومين وذكرت لهم كما سمعتم قصة "اصبر عن الحرام يأتيك الحلال"، وقصة "يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز"، وقصة "الشاب المحشش والمدخن"، وكنت أتابع ردود أفعال الشباب والفتيات في إنستغرام وتويتر لحظة بلحظة وهم متأثرون جدا، وقد أعلنت إحدى الفتيات في تويتر أنها ستترك الدخان، وقال لي شاب أنا شاركت معك في التمارين وأنا مدخن، ولكني اليوم قررت أن أترك الدخان والشيشة، كل هذه الإيجابيات لأننا تعاملنا معهم باحترام، واستمعنا لهم وحاورناهم بطريقة مريحة ليكونوا هم الذين ينشدون التغيير لا أن نغيرهم جبرا.

 

 

 

فهذه مقتطفات من دورة "المراهق الذكي"، مع تحفظي على مصطلح المراهقة، لأننا نحن نسمي هذه المرحلة مرحلة "الفتوة" وهو سن التكليف، فهذا السن ليس سنا مزعجا أو سن الانحراف كما يروج له، بل هو سن النضج وسن التفرد وسن البناء وسن الانطلاقة، وسن تحديد الأهداف والهوية، وأذكر من التجارب الجميلة والأفكار الذكية التي عشتها مع منظمة شبابية في تركيا تساعد الشباب والفتيات على ترك الدخان والحشيشة والشيشة، وهي منظمة خيرية تطوعية يتم تقسيم الشباب والفتيات في يوم الإجازة ليتجولوا في شوارع استنبول، فإذا وجدوا شابا مدخنا وقفوا عنده وسلموا عليه ثم عرضوا عليه أن يتوقف عن التدخين، فإذا رفض يستخدمون معه طريقة ذكية وفكاهية لإيقافه، وهي أن يتحلقوا حوله حتى يكون في وسطهم ثم يصفقون مع بعض ويرددون عبارة "أنت تستطيع أن تترك التدخين"، أكثر من مرة مع ابتسامة وضحكة ومرح فيضطر الشاب أو الفتاة أن يتوقف عن التدخين ويطفئ السيجارة، ثم يتوقفون عن التصفيق ويقولون له: مثلما أنك استطعت أن تتوقف ولا تكمل هذه السيجارة، فإنك تستطيع أن توقفها مدى الحياة، ثم يعطونه هدية ويبحثون عن مدخن آخر، وقد قابلت الشباب الذين فكروا بهذه الفكرة الذكية وعرضوا علي نتائج عملهم المبهرة في إيقاف الكثير عن المدخنين بهذه الوسيلة الذكية، فشبابنا وبناتنا متميزون لو أحسنا التعامل معهم، باستثمار ذكائهم وقدراتهم ومواهبهم بما ينفع دينهم ودنياهم.

 

 

 

المصدر/ الكويتية