الأقصى: أقوى من النسيان والخذلان
9 جمادى الأول 1437
أحمد بن راشد بن سعيد

احتضنت مدينة إسطنبول التركية على مدى ثلاثة أيام (12-14 شباط / فبراير 2016) مؤتمراً عالمياً لنصرة المسجد الأقصى بعنوان: «نصرة الأقصى: قضية أمة وأولويات عمل»، وبرؤية مؤدّاها أنه «مؤتمر توعوي تعبوي نوعي لعموم الأمة يجدّد مركزية نصرة الأقصى بأولويات عمليّة مستدامة».

 

 

 

نظّمت المؤتمر الحملة العالمية لمقاومة العدوان (قاوم)، وبمشاركة هيئة علماء فلسطين في الخارج، جمعية «إرادة» العالمية للشباب (تركيّة تُعنى بالقدس)، الرابطة العالمية للحقوق والحريات، المنتدى السياسي الدولي، وفريق الوعد للفن الإسلامي. شرُفتُ بأن أكون من المدعوين إلى المشاركة، ولم يسعني غير تلبية الدعوة، فلا مجال للقعود عن نصرة بيت المقدس في زمن لم يعد فيه أسيراً بيد اليهود فحسب، بل مخذولاً ومنسياً من ذوي القربى. وبصراحة، لم أتوقع أبداً أن يكون المؤتمر غنياً ومتنوعاً وعملياً كما شهدته. في الحقيقة، لم يكن مؤتمراً كما يوحي اسمه، بل كان مجموعات تركيز متوازية من «وِرش العمل»، كل ورشة يتحاور فيها على مدى يومين متخصصون في موضوعها، ثم يصدرون توصياتهم حول طرائق نصرة الأقصى وأهله المرابطين. بمجرد بدء المؤتمر، انتظمت الورش في مجالات عدة: سياسي، إعلامي، معرفي، شرعي/فكري، تنموي، حقوقي، ومقاوم، من غير حفل افتتاحي كعادة المؤتمرات. وكانت كل ورشة تجتمع ثلاث مرات في اليوم، فيكاد المشاركون يقضون يومهم كله يتداولون الرأي. ولا تسل عن حسن إدارة الورشة، وكفاءة المديرين، و «ديموقراطيتهم»، وثراء النقاشات وصراحتها، ما جعل التوصيات «برنامج عمل»، وما جعل المؤتمر «قصة نجاح».

 

 

 

 

 

شارك في المؤتمر علماء دين ومثقفون وسياسيون إسلاميون من أنحاء العالم، وتحدث في حفله الختامي نائب رئيس الشؤون الدينية التركي، حسان كامل يلماز، الذي قال إن «الاجتماع من أجل القدس هو أجمل الاجتماعات»، و إن «ما يعانيه المسلمون اليوم من الظلم هو محنة الأمة كلها»، مضيفاً أن أمتنا»ستبُعث من جديد من بيت المقدس...أرض المحشر والمنشر». أشرف على المؤتمر المدير التنفيذي لحملة «قاوم»، الشيخ ربيع حداد، الأمين العام المساعد لتيار أهل السنّة في لبنان، الذي أبلغني أن هدف المؤتمر «إعادة قضية الأقصى إلى دائرة الضوء، وتحقيق نتائج عملية لنصرته لاسيما في ظل تصاعد الاعتداءات عليه، واشتعال الانتفاضة الثالثة». «استبدلنا النمط المألوف في المؤتمرات، والمتمثل تقليدياً في إلقاء الخطب»، يقول حداد، «بوِرش عمل مكثفة تأخذ مداها في النقاش»، مضيفاً أن اجتماعاً آخر سيُعقد على مستوى مديري الوِرش، «لإنضاج الأفكار وتهذيب الرؤى، والخروج بخطة واضحة قابلة للتنفيذ، ثم نشرع بعد ذلك في تنظيم مؤتمر للمانحين تُدعى إليه منظمات وحكومات مهتمة بقضية القدس».

 

 

 

 

 

لا ريب أن محنة الأقصى هي محنة الأمة كلها. وما كان للعدو أن يصعّد انتهاكاته للمسجد لولا النجاح الذي حقّقته قوى الثورة المضادة في الجوار العربي والذي أعاق ولادة مجتمعات متحررة قادرة على ردع الإرهاب الصهيوني. كانت فلسطين بقدسها وأقصاها في قلب كل منتفض عربي في تونس وصنعاء والقاهرة ودمشق وبغداد. كل الأحرار والحرائر على امتداد الوطن العربي يدفعون الآن استحقاقات «النكبة» متأخرين نحو 70 عاماً، لأن «الثورة المضادة» بجراحها وسجونها ومنافيها ليست سوى إسرائيلية الهوى والهُويّة. شعب سوريا يدفع الفاتورة الأبهظ ثمناً، لأنه عاش نصف قرن يعاني من إرهاب الأسد باسم المقاومة، ثم خمس سنوات دامية عجاف بذريعة اللافتة اللعينة عينها. لكن العاقبة للشعوب التي ستظل بوصلتها متجهة إلى فلسطين، وإلى قدسها «زهرة المدائن» حيث ترحل عيوننا كل يوم. مؤتمر نصرة الأقصى في إسطنبول حراك مدني لا بد منه يؤكد للعالم كله: لا شيء سينسينا الأقصى، ولا قوة ستحول بيننا وبين نصرته.

 

 

 

المصدر/ العرب القطرية