17 جمادى الأول 1437

السؤال

رجل سجنه اليهود ظلما وعدوانا، فأضرب عن الطعام حتى أشرف على الموت، فهل يجوز له ذلك؟ ولو مات فهل يعد هذا من قتل النفس عمدا؟ وهل يجب عليه أن يصبر؟ وما ترون في نصحهم؟ جزاكم الله خيرا.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيها، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسَّى سَمًّا فقتل نفسه، فسَمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا) رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا الحديث عند أهل السنة من أحاديث الوعيد المقيَّدة بأدلة التوبة والتوحيد، وهو يدل على أن قتل الإنسان نفسه من أكبر كبائر الذنوب، وهو أكبر من قتله لغيره في الجملة، وإن كان قتله لغيره من أكبر الكبائر، ومن امتنع اختيارا من الطعام والشراب مما تتوقف عليه حياته حتى مات فهو قاتل لنفسه، كما أن من منع غيره من الطعام والشراب حتى مات فهو قاتل له قتلا يوجب القصاص، وعلى هذا فما يفعله بعض المسجونين من الإضراب عن الطعام والشراب على وجه يضره فهو حرام، فإن أفضى به إلى الموت فهو قاتل لنفسه، ولا يجوز لأحد تشجيعه في ذلك ولا إعانته؛ فإن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، بل الواجب نصيحته والإنكار عليه، ولا يسوِّغ للمسجون فعل ذلك أن الذين سجنوه يكرهون منه ذلك، فهو يترك الطعام معاندة لهم، فيكون من وسائل الضغط على ساجنيه ـ كما يقال ـ ففي كثير من الأحيان لا تجدي هذه الوسيلة، بل تعود بالضرر على صاحبها، والسجن مصيبة من جملة المصائب التي يجب الصبر عليها، فعلى من سجن أن يصبر على قدَر الله، ولا يجوز له التسبب في الخلاص بشيء محرم، فعلى المسجون ظلما أن ينظر نظرين؛ نظرًا من جهة أن سجنه بقدر الله، فعليه أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله، فيكون ذلك خيرًا له، ونظرًا من جهة فعل الظالم، فله أن يدفعه بما يستطيع من الأسباب المشروعة.
ولا يخفى أن مقاومة الظلم بالإضراب عن الطعام أو الشراب إلى حد الموت أو قريب منه، معاندةً للظالم عادةٌ دخيلة على المسلمين في هذا العصر، وقد ابتلي في تاريخ الإسلام كثيرٌ من العلماء والصالحين بالسجن والتعذيب، ولم ينقل عن أحد منهم التوسل للخلاص من ذلك بالإضراب عن الطعام والشراب، بل كانوا يصبرون ويدافعون ما ينالهم من الضرر والأذى بما تيسر لهم من الأسباب المباحة، والواجب اتباع سبيل المؤمنين من سلف هذه الأمة، في هذه المسألة وغيرها. نسأل الله أن يفك أسرى المسلمين من أيدي الكافرين والظالمين، وأن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك في الخامس عشر من جمادى الأولى 1437هـ.