خطوات نحو جبر الانكسار
19 جمادى الأول 1437
د. خالد رُوشه

لا تحزن ايها العبد المؤمن , ولا تتألم ايها المنكسر الضعيف , ولا تيأس ايها الوحيد الغريب , ولا تبك ايها الفقير المعوز , ولا تهتم ايها العائل المحزون , ولا تبتئس ايها المظلوم المحروم , فإن ربك هو الجبار سبحانه ..

 

 

سيذهب حزنك , ويجبر كسرك , ويزيل يأسك , ويؤنس غربتك , ويطمئن وحدتك .

سيغنيك بعد فقر , ويسترك بعد عري , ويسعدك بعد هم , ويقويك بعد ضعف , وينصرك بعد ظلم .

 

 

ويا أيتها الأمة الإسلامية المنكسرة المستضعفة , سيجبرك جبار السموات والأرض إن أنت اصلحت ونصرت وعدت إليه .

 

 

إنه هو الجبار سبحانه .. فابشر واستبشر بكل خير , " أنا عند ظن عبدي بي " , " العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "

 

 

واسمه سبحانه الجبار يجمع ثلاثة معان هي الملك الذي يجبر كسر عبيده , والقهرفوق العباد , والعلوعلى الخلق , يقول الطبري : "الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم" , ويقول الخطابي : "الجبار هو الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق" , ويقول السعدي : " هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه "

 

 

فهو سبحانه جبار جبر قوة , يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته.

 

 

وهو سبحانه جبار جبر رحمة , يصلح حال عباده , فيجبر الضعيف و الكسير والحزين والفقير وغيرهم .

 

 

وهو سبحانه جبار جبر علو , فإنه سبحانه عال فوق خلقه وهو قريب منهم يعلم ما يسرون وما يعلنون .

 

 

فاسمه سبحانه الجبار يرجع إلى كمال القدرة والعزة والملك .

 

 

فجمع اسمه سبحانه بين القهر والقسر والإرغام , والإصلاح والرحمة , والعز والمنعة والعلو .

 

 

لذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه مسبحا : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " أخرجه أبو داوود والنسائي .

 

 

وكان يدعو بين السجدتين يقول : " اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني وارزقني " أخرجه أحمد وابو داود

 

 

فلمن يذهب المكسور إلا لربه الجبار ؟ ولمن يشتكي المظلوم إلا للجبار الرحيم , ولمن يلجأ اليتيم الضعيف إلا للجبار ؟ ولمن يعود المريض الذي ضاقت به الحيل إلا إلى الجبار سبحانه ؟!

 

 

إنه سبحانه يجبر كسر القلوب كما يجبر كسر الابدان , إن هي آمنت به وافتقرت إليه ووثقت به وتوكلت عليه .

 

 

والحياة كلها آلام , وفرقة , وانكسارات , وابتلاءات , وصراعات , لكن الجبار سبحانه يرحم عباده , فيرأب الصدع ويلم الشمل ويغني الفقير ويجبر الكسير ويعطي المحروم ، لذلك فكلما جئته من باب الخضوع والتذلل والإنكسار جبر كسرك ولمَّ شعثك ورأب صدعك واعزك .

 

 

وهو المصلح إن جبر الفقير أغناه , وإن جبر المريض شفاه , وإن جبر الذليل أعزه , وإن جبر الضعيف قواه , وإن جبر الخائف أمّنه ، فالجابر هو المصلح والجبار كثير الإصلاح .

 

 

والجبروت بمعنى : الكبرياء والعز والعلو، وهو لله سبحانه وحده ، فالله قاهر الجبابرة بجبروته سبحانه , أما الخلق، فموصوفون بصفات النقص , بل قد توعد الله الجبابرة بالعذاب والشديد ، قال سبحانه :" وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ , مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ , يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ" .

 

 

 

ولكن ماهي خطواتنا نحو استحقاق الجبر من الجبار سبحانه ؟

 

 

إن أول تلك الخطى : توحيده حق التوحيد , فلا يشرك به ابدا , وتطهير القلوب من شبهات الشرك , وإخلاص التوحيد له سبحانه , فهو سبحانه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد , وهو سبحانه واحد لاشريك له ولا ند له ولاشىء مثله ولا شىء يشبهه , ولا إله غيره , لاتناله الأفكار, ولا تدركه الابصار , وهو الحي القيوم , واهب الحياة , القائم على خلقه وشئونهم , لاحول ولاقوة إلا به .

 

 

والثانية : التسليم لقضائه , والرضا بقدره , إذ لا معقب لحكمه , ولا راد لقضائه , فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن , " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون "

 

 

والثالثة : الفقر إليه سبحانه , والتبرؤ من الحول والقوة , " فلا حول ولاقوة إلا بالله " , فيعلم المؤمن قدره من الضعف والجهل والفقر والعوز , ويعرف قدر ربه سبحانه " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " , وكلما كان المؤمن أكثر افتقارا لربه كان أقرب إليه , " فاقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد "

 

 

والرابعة : اليقين الراسخ أن الحياة لا تصلح إلا بمنهجه سبحانه , الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ,وأن مناهج البشر كلها عوار ونقص وجهل وظلم , فالعدل كله والرحمة كلها والعلم كله والصلاح كله في منهج الله , " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " .

 

 

والخامسة : التسليم لشرعه , فهوسبحانه وتعالى، جبر خلقه على ما شاء من شريعة , فشرع لهم من الدين ما ارتضاه سبحانه وحكم به , فالمؤمن يجب ان يسلم له في ذلك , تسليما تاما ويرتضي ماارتضاه الله لعباده من شرائع , بيد أنه سبحانه جعل لهم الاختيار ولم يجبر أحدًا من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك , وكل ذلك تحت مشيئته , قال سبحانه : " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" , وقال سبحانه : " أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ"

 

 

والسادسة : الثقة في الله الجبار , وفي قدرته , وقوته , وعزته , ولطفه بعباده , وأنه يركن إلى ركن شديد , ويلجأ إلى الكبير المتعال , وأن نواصي العباد بيده , ماض فيهم حكمه , لا مبدل لكلماته , ولا مغير لسننه , الأرض جميعا قبضته , والسموات مطويات بيده , سبحانه , فالبشر جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشىء أو يضره بشىء لن يحصل لهم ذلك إلا بما شاء الله وقدر , عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة .." متفق عليه

 

 

 

السابعة : اللجوء إليه عز وجل , والتوكل عليه , والاعتماد عليه , والاستنصار به , والدعاء له دعاء مخلصا , والتذلل له , والتضرع على بابه , والاكتفاء به حسب ونصير ووكيل , " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل , فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم "

 

 

الثامنة : مع كل ما سبق يجب الأخذ بأسباب الجبر والنصر, فالإيجابية صفة المؤمن , والتوكل ينافي التواكل والسلبية , وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من هم وحزن مقعد عن العمل والإنجاز , فعلو الهمة تجاه الآخرة هو سبب من اسباب الصلاح والإصلاح , قال النبي صلى الله عليه وسلم  "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها "  صحيح الجامع .