الصفقة وأسرى "إسرائيل".. ما ينبغي أن يكون
27 جمادى الثانية 1437
أمير سعيد

مر دون احتفاء أو اهتمام يذكر من الإعلام العربي، خبر كان له أن يهز المنطقة كلها لو كانت الظروف مختلفة؛ فالبيئة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية باتت أصغر بكثير من أي وقت مضى، ولم تعد تكترث لأسر هذا العدد من الجنود الصهاينة دفعة واحدة لهذه الدرجة.. أربعة جنود أعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة أسرهم في العدوان الأخير من الصهاينة على قطاع غزة، مشفوعاً بفضيحة كشفها أيضاً تمس الحكومة الصهيونية التي لم تبال بجنودها حتى الآن أو تطلب مجرد معلومات عنهم من آسريهم.

 

 

 

وإذا أخذنا "شريحة" زمنية ماضية وقارناها بنظيرتها الحالية لهالنا ما نستنتجه منهما، وهو أن العدو قد نجح بتفوق في معركة طمس الوعي، وبمساندة أنظمة تتحكم في آلة إعلامية عربية أمكن لهما تغييب الانتصارات، والانكسارات أيضاً في حدها المحفز على النهوض؛ فما ينبغي لهذه الآلة الإعلامية أن تفعله احتفاء بهذا الانتصار الفلسطيني الفريد لم تفعله، بل زادت سلباً بانتقاص هذه المقاومة ونعتها بكل نقيصة وكل جريمة تحدث في حوض عالمنا العربي، حتى غدت المقاومة رديفاً لكلمة "الإرهاب"، وصارت التصاق صفة الإرهاب بالعدو ضرباً من ضروب الماضي.

 

 

 

 

في خلفية الإعلان عن هذا المغنم الحربي الفريد، كانت التقارير الإخبارية تتوالى بأن زيارة وفد حركة حماس إلى القاهرة إنما كانت لدفع الحركة للتدخل في سيناء إلى جانب النظام المصري، لكن مع توكيد الحركة تبين أن ثمة ملفاً كان يستدعي ترطيب العلاقة بين الحركة المهيمنة على غزة والقاهرة، وعادت إلى الواجهة الحلقة الوحيدة التي ظلت دوماً تحول دون قطع العلاقات بين حركة حماس والنظام المصري لمدة تزيد عن خمس سنوات منذ أن نجحت حماس في انتخابات 2006، وحتى ما بعد اندلاع انتفاضة يناير 2011 بشهور، مروراً بالحسم العسكري في العام 2007، والذي نجحت حماس بموجبه في الهيمنة على القطاع عسكرياً بعد طرد الأجهزة الأمنية التي عرفت بأجهزة (الجنرال الأمريكي) دايتون. ملف الأسرى الذي خاض من أجله نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وامتداده، مفاوضات ماراثونية مع الحركة من أجل الإفراج عن أسير الكيان الصهيوني جلعاد شاليط في إطار صفقة أفرج بموجبها عن مئات الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الصهيونية.

 

 

 

توترت العلاقات بين الحركة والنظام المصري بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، وإلى ما بعد عدوان "إسرائيل" على قطاع غزة، بنحو عام، إلى أن تبين لاحقاً أن الحركة قد نجحت في أسر أكثر من جندي صهيوني؛ فشهدت تلك العلاقة سكوناً وامتناعاً عن التصعيد بعد فترة من اتهام الحركة بالضلوع في أحداث عنف بمصر.. وبعد أن تأكد الجميع من أن الحركة لم تزل تحتفظ بورقة مهمة جداً في صراعها مع الكيان الصهيوني عادت الحاجة إلى فترة صمت أعقبتها مفاجأة زيارة وفد رفيع المستوى من الحركة إلى القاهرة، أطلق مسؤولو الحركة على إثره تصريحات إيجابية عن الحكومة المصرية في مقابل إشارات ليست سلبية من الإعلام المصري، أهمها حديث المذيع المصري المقرب من النظام، وائل الإبراشي عن الحركة كحركة مقاومة.

 

 

 

 

فرض دور الوساطة الذي ستضطلع به القاهرة عليها تخفيف حدة التوتر مع الحركة، كما ألجأ الحركة إلى الإعلان عن "معلومة مجانية" أولية عن الأسرى وعددهم؛ فقد وجدت الحركة ذاتها مدعوة إلى الإعلان في ظل معطيات تتعلق بعدد من الموضوعات، مفاوضات ميناء غزة، والحاجة لتوسيع منطقة الصيد البحرية لتصل إلى 9 أميال بحرية، والعمل على فك حصار خنق مفروض على قطاع غزة، والتقليل من آثار موقف الحركة الداعم مبدئياً لمطالب الثورة السورية، والذي خصم كثيراً من حجم الدعم الذي كانت تتلقاه الحركة من إيران، لاسيما بعد إغلاق مقرها بدمشق تأثراً بموقفها السياسي الذي أغضب نظام بشار الأسد.

 

 

 

 

ربما أدركت الحركة أن عليها الاحتفاظ بأسرى صهاينة لتغيير المعادلة في محيطها، وفتح كوة في جدار الحصار المضروب على قطاع غزة، وهي قد استوعبت المعادلة جيداً والتي تفيد بأن احتفاظها بأسراها لأطول فترة ممكنة هو ضمان لقبولها كلاعب في المنطقة، وجزء من لوازم "شرعيتها" الإقليمية، وعلمت أنه ينبغي عليها بدء المفاوضات وعدم تأجيلها، في الوقت الذي يتعين عليها ألا تنهيها سريعاً دون تعجل أو تهور.

 

 

 

 

 

وهي أدركت أيضاً أنه ينبغي عليها ألا تظل مستمسكة برهن علاقتها بالقاهرة بمسألة حكم ما قبل 30 يونيو 2013، وأنه يتوجب عليها أن تفكر بما تفرضه عليها اللحظة ومعادلتها الواقعية الجديدة، وهي قد خطت بهذه الزيارة، ثم بالإعلان عن وجود الأسرى في هذا الاتجاه.

 

 

 

 

لكن أهم ما ينبغي للحركة أن تلتفت إليه، هو ألا تنحصر صفقتها القادمة – كما الماضية – في سياق تبادل الأسرى (وإن كان تبييض السجون الصهيونية كما يقول مشير المصري، مطلباً ملحاً وسامياً)، وأن عليها ألا تستجيب للعبة عزلها في قطاع غزة دون أن يكون لها كلمة واضحة ومؤثرة فيما يتعلق بالاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك، قضية فلسطين والعالم الإسلامي الأولى، والتي نجحت "إسرائيل" بمعاونة السلطة الفلسطينية في تحديد مجالات العمل المقاوم وحركاته المتنوعة في فلسطين، وجرها بعيداً عن مربع العمليات الرئيس، الأقصى المبارك.. فصحيح أنه #بكفي_حصار كما يقول الوسم الفلسطيني الذائع الانتشار، لكن من قبل #بكفي_عدوان_على_الأقصى .. وإلا فهدمه لن يصبح مستحيلاً بعد قليل، لا قدر الله.