هل هي مساواة أم مخالفة لشرع الله ؟!
3 شعبان 1437
د. زياد الشامي

في الوقت الذي أطلق فيه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الففظ والمصطلح المناسب على المحرمات وما نهى عنه الشرع الحنيف , واستخدم الوصف المنفر ليكون عاملا مساعدا على الترك والانتهاء , فالزنا فاحشة , والخمر والميسر رجس من عمل الشيطان ...... يحاول العلمانيون وأعداء الدين العبث في المسميات وتغيير المصطلحات لتسهيل استحلال أفظع المحرمات , وتهوين تجاوز حدود الله وأحكامه الثابتة, فالزنا في عرف العلمانية المنحرف علاقة خارج إطار الزواج , والخمر من المشروبات الروحية .....الخ .

 

 

وهم بهذا العمل الخبيث والكيد العظيم لدين الله الإسلام قد تجاوزوا حدود أحلام وأمنيات إبليس اللعين , وحققوا له ما يريد من إغواء بني آدم وإضلالهم !!

 

ومن هنا يمكن للمتابع أن يفهم سر اختيار العلمانيين عموما لكلمة "مساواة المرأة بالرجل" لإغوائها وإخراجها عن دينها بداية , ومن ثم استغلالها بأبشع صور الاستغلال جسديا وسياسيا وحتى اقتصاديا ...ومن ثم الاستغناء عنها ورميها بعد استنفاذ المطلوب منها .

 

 

ويبدو أن العلمانية قد وجدت في مسألة "مساواة" ميراث المرأة بالرجل خير وسيلة لتمرير بقية أنواع المساواة المزعومة بين الجنسين , والتي وصلت إلى حدود لا يمكن لمثل هذا التقرير أن يحصيها , فهي لذلك تطرحه في كل مناسبة - في الدول العربية خاصة – لا لشيء سوى لتكريس النظام العلماني ومحاولة تهميش الهوية الإسلامية , وخصوصا بعد اندلاع ثورات ما عرف بــ "الربيع العربي" , التي حاولت فيها الشعوب إعادة تحكيم شرع الله في بلدانها , فما كان من الثورات المضادة إلا أن زادت من شراسة محاولاتها تكريس العلمانية من جديد , والعبث بالهوية الإسلامية أكثر فأكثر .

 

 

وضمن هذا السياق يمكن قراءة تقديم النائب التونسي مهدي بن غربية أمس الاثنين اقتراحا للبرلمان "مشروع قانون" يدعو إلى المساواة في الميراث بين الرجال والنساء , مع ما في ذلك من مخالفة صريحة لكتاب الله الذي يقول : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...} النساء/11 , وقوله تعالى : { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ....} النساء/176

 

 

وفي محاولة من "بن غربية" التخفيف من شدة الانتقادات التي وجهت إليه من قبل التونسيين عموما والمختصين بالشريعة الإسلامية على وجه الخصوص , قال خلال مؤتمر صحفي : إن "هذا القانون ليس قانون مساواة"، مشيرا إلى أن "غاية القانون هو أن نسمح للمواطنين أن يختاروا".

 

 

وأضاف : أنه في حال اعتماد القانون فإنه يحق للورثة الموافقة على تقسيم الممتلكات بموجب القانون الحالي، أي للرجل ضعف ما للمرأة , ولكن في حالة الخلاف واللجوء إلى القضاء ، أي أن تطالب شقيقة بالحصول على نفس حصة شقيقها من الميراث مثلا، فعلى الدولة أن تحكم على أساس المساواة .....وهو ما يخالف شريعة الإسلام بطبيعة الحال .

 

 

والحقيقة أن هذا الاقتراح يذكرنا بحقبة حكم بورقيبة الذي أصدر مجلة (قانون) الأحوال الشخصية عام 1956م , والتي أقر فيه الإجهاض، ونصّ على أن الطلاق لا يتم إلا أمام المحاكم ، وعدّل من قوانين الإرث المستمدة من الشريعة الاسلامية ، وحدد الزواج بامرأة واحدة لا أكثر. وفتح الجامعة التونسية تحت راية "علمنة التعليم"، وحدّ من دور جامع الزيتونة الذي كان تأثيره كبيرا جدا .....

 

 

وإذا كان الطاهر بن عاشور قد تصدى في زمن بورقيبة لمحاولات الأخير علمنة تونس والتجرأة على أحكام الإسلام علانية , فإن مفتي تونس عثمان بطيخ الجمعة قد تصدى لهذا الاقتراح معلنا رفضه له رفضا قاطعا قائلا : إن "الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقا، القرآن صريح في ذلك (...). هذا حكم الله لا يمكن أن نغيره.." , كما 1+1 يساوي 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6".

 

 

نعود إلى كلمة "مساواة" التي يحاول العلمانيون من خلالها مخالفة صريح القرآن الكريم وشرع الله لنقول : إنه استغلال لسحر هذه الكلمة لغايات وأهداف خبيثة لم تعد تخفى على عاقل , فمعاناة المرأة في الدول الغربية - معقل العلمانية – قد بلغت الآفاق , وتقارير اضطهادها واستغلالها والعنف الممارس ضدها من قبل الرجل الأبيض ملأت الصحف والمجلات ومواقع الشبكة العنكبوتية .