حقيقة الحب بين الزوجين
16 شعبان 1437
أميمة الجابر

يحدثنا الكثيرون عن أهمية الزواج المبني على الحب , وآخرون يتحدثون عن انتهاء الحب بمجرد انشغال الزوجين بهموم ومشاكل الحياة , فيقل الحب بين الزوجين , وينقرض , وتصبح الحياة الروتينية المجردة من العواطف هي السائدة ..

 

 

 

وآخرون يتحدثون عن وجود الحب بين الزوجين , لكنه مدفون ولا يفصح عنه أحدهما للآخر , فيعاني الزوج والزوجة من مشاعرهما الجافة .

 

 

 

والبعض يتحدث عن فترة ما قبل الزواج , ويرون أهميتها لبناء الزواج السعيد .

 

 

 

ولو بحثنا عن اصل المشكلة , سنجد أنها تكمن في تقصير كل من الزوجين في البحث عن هذا الحب في قلبه هو تجاه الآخر .

 

 

 

وسبب ذلك بالأصل عدم وضوح المعنى الحقيقي للمحبة بين الزوجين , وللحب الذي تحتاجه الأسرة المسلمة ..

 

 

فالحب في حقيقته هو المودة والرحمة بين الزوجين , تلكم التي ذكرها الله سبحانه في كتابه " وجعل بينكم مودة ورحمة "  , تلك الرحمة التي يعبر عنها الزوج لزوجته , فتبادله الرفق والحنان , والعطف واللطف .

 

 

 

وهو كذلك وفاء بين الطرفين , يتشكل بالإيثار بينهما , وتقديم محبة الآخر على محبة نفسه .

 

 

 

وهو العطاء بلا مقابل , فالزوجة التي تقدم كل وقتها وجهدها لبيتها وراحة زوجها وأولادها , وبناء اسرة ناجحة و وتربية ابناء فالحين هي نموذج إيجابي للعطاء وبالتالي نموذج حي للحب  , والزوج الذي يبذل جهده وتعبه وينفق ماله ويضحي بكل ما يملك لأجل اسرته هو الآخر نموذج إيجابي للحب ..

 

 

ومن الحب البشاشة في اللقاء بينهما , حيث ترتسم البسمة على وجههما عند اللقاء مهما كان التعب , فتفرح برؤيته ويفرح برؤيتها , وتنزل كلماتهما معا على قلوب بعضهما رفقا ومحبة وأنسا بالغا ..

 

 

وهو طاعة الزوجة لزوجها , والاهتمام بحاجاته , والسعي في تلبية رغباته , والمسارعة في عمل ما يرضيه ويسعده .

 

 

والحب يظهر عندما تقدر الزوجة قوامة الزوج , وتحترم مكانته , فتوقره ويوقرها , وتحترمه ويحترمها , ويتبادلا الآراء ويتشاركا في القرارات , ويتراءيا في المواقف .

 

 

ويظهر عندما يعين كل منهما شريكه على طاعة الله سبحانه , وانظر الى هذه الصورة المعبرة عن نوع متميز من الحب والحرص على الآخر , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وايقظ زوجته فإن هي ابت نضح في وجهها الماء , ورحم الله زوجة قامت من الليل فصلت وايقظت زوجها فإن هو أبى نضحت في وجهه الماء " اخرجه مسلم .. يعلق الإمام النووي على الحديث ناصحا بوضع شىء من العطر على هذا الماء مع هذا النضح الخفيف الذي يستأذن فيه الزوجان بعضهما ..

 

 

الحب عندما نتسامح , فيعفو كل من الزوجين عن الآخر , ويصفح عنه , وينسى أخطاءه , ويتغاضى عن عيوبه , ويتذكر الحسنات والمزايا , ويغفر الزلات , ويصبر كلاهما على الآخر , وإن غضب أو تألم ذكر الفضائل , ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : " لايفرك – يعني يفارق - مؤمن مؤمنة , إن كره منها خلقا أحب منها آخر " مسلم ..

 

 

ومن الحب كلمة شكر , يقولها الزوجان لبعضهما , أو هدية بسيطة يقدمها , بغير مناسبة , فقط تقديرا لتعبه وجهده وعطائه ..

 

 

وإذا كان من السنة إخبار الشخص الذي تحبه بحبك إياه في الله , فالزوجان من أولى الناس بذلك , فلم تجف أفواه الأزواج عن كلمة الحب ؟! , ربما اشتاق الزوجان لسماع تلك الكلمة من بعضها , وربما كان لها وقع إيجابي يذيب كثيرا من الجليد المتراكم ..

 

 

أما الجملة المأثورة التي وضعها السابقون من قولهم " العشرة الطيبة تنبت الحب " , فهي حقيقة واقعة , ومعنى ثبتت صحته , فالحب الحقيقي هو الذي يأتي بعد الزواج بالعشرة الطيبة وحسن الخلق بينهما إذ يؤسس بيتهما على تقوى من الله ورضوان , ويأتي أبناؤه على التربية الإيمانية والخلق الحسن .

 

 

إن من الحب ترك الشكوى , والبعد عن النقد , ومفارقة السخرية , ومباعدة البحث عن السلبيات , بل ذكر الإيجابيات , والتحدث بها , والتشجيع عليها .

 

 

ومن الحب الابتعاد عن المشكلات وعن كل ما يثيرها , والتغاضي عن الهنات والأخطاء , للوصول لبيت دافىء سعيد .

 

 

ومن الحب لغة الحوار المهذبة بين الزوجين , فينادي كل منهما الآخر بأحلى اسمائه التي يحبها , ويسكت عن كلمة السوء , ويصمت عن كلمة الإيذاء والإضرار .

 

 

إن الحب سلوك عملي يومي يترجم في أفعال متتابعة صادقة , منطلقة من قناعة قلبية بقيمة الآخر عنده , وتصميم على إعانته على أن يكون صالحا مصلحا نافعا إيجابيا , ورغبته في أن يجتمع معه في جنة الخلود

 

 

الحب حقيقة يبحث عنها الكثير من الأزواج , رغم أنه في غالب الأحيان موجود داخلهم , وقائم بين اعينهم , محسوس بحواسهم .

 

 

إنه ليس وردة نقطفها في لحظة , ثم نلقيها بعدما يذهب عنا عبيرها , إنما هو بستان ملىء بالورود , إذا ذهبت واحدة , فإن ما حولها يعطيها عبيرها , ويلفها بسحرها وجمالها ..
أ