اتفاق فصائل الغوطة ... "والصلح خير"
18 شعبان 1437
د. زياد الشامي

أخيرا ...... وبعد صرخات أهالي غوطة دمشق وخروجهم في مظاهرات جابت بلدات الغوطة الشرقية مطالبة بوقف الاقتتال بين الإخوة , وارتفاع أصواتهم عالية بعدم السماح بحرف مسار ثورتهم المباركة عن وجهتها الصحيحة ضد طاغية الشام وداعميه ....... تم الإعلان هناك عن توقيع "وثيقة إعلان مبادئ" بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، يضع حدا لشهر من الاشتباكات بين الطرفين .

 

 

أخيرا ..... وبعد أن بُحت حناجر الصامدين هناك بأن صمودهم في أرض المحشر على الحصار والبأساء والضراء لم يكن إلا في سبيل الله ومن أجل هزيمة أحزاب الشيطان , وليس من أجل أن يمنح اقتتال الإخوة لأيام وأسابيع فرصة ذهبية للنظام ومليشياته الطائفيه لإعادة احتلال ما لم يستطيعوا التقدم فيه شبرا واحدا عليه طوال أعوام خلت , فقد استغلت قوات الطاغية ومليشيات الرافضة الاقتتال الحاصل بين الفصائل في الغوطة ، لتسيطر على أجزاء واسعة من بلدات "دير العصافير وزبدين والركابية ونولة وحوش بزينة" و القطاع الجنوبي من الغوطة بشكل عام , والذي يعتبر السلة الغذائية للمنطقة هناك .

 

 

أخيرا .... وبعد أن توالت المناشدات من العلماء والمفكرين والوجهاء والمصلحين على الأرض وفي مواقع التواصل الاجتماعي بالمسارعة إلى رأب الصدع ونزع فتيل الخلاف بين أصحاب الهدف الواحد والمصير المشترك , والذي لا يصب إلا في مصلحة أعداء ثورة الياسمين , مذكرين الجميع بقوله تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } الأنفال/46

 

 

لا شك أن الثمن الذي دفعته الثورة السورية عموما وفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية نتيجة الاقتتال بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن كان باهظا , فبالإضافة للخسائر البشرية من الطرفين التي كان ينبغي أن تستثمر لقتال النظام النصيري والمليشيات الرافضية , هناك الخسائر المادية التي تمثلت بسيطرة النظام على القطاع الجنوبي للغوطة بأكمله , ناهيك عن الجرح المعنوي و الأثر النفسي السيء الذي خلفه هذا الاقتتال في نفوس المسلمين عموما وأهالي الغوطة الشرقية على وجه الخصوص .

 

 

ومع كل هذه الآثار السلبية لهذه الحادثة الأليمة المحزنة , فإن نبأ الاتفاق بين الفصائل المنتقاتلة قد غسل شيئا من تلك الآثار وإن لم يستطع النبأ أن يزيلها جميعا , فقد نشرت وسائل الإعلام خبر توصل جيش الإسلام وفيلق الرحمن لاتفاق مساء أمس الثلاثاء ينهي حالة الاقتتال في الغوطة الشرقية بريف دمشق , والتوقيع على "وثيقة إعلان مبادئ" بين قائد جيش الإسلام "عصام بويضاني" وقائد فيلق الرحمن "عبد الناصر شمير"، والتي تتضمن ستة مبادئ لآلية وقف الاقتتال بين الطرفين في الغوطة وهي :

 

 

وقف إطلاق النار , وتحريم الاحتكام للسلاح بين الأخوة ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وفتح الطرقات العامة أمام المدنيين ، وإعادة ممتلكات المؤسسات المدنية إلى أصحابها ، ووقف التحريض الإعلامي".

 

 

ولعل من أهم ما جاء في هذه الوثيقة اعتبار الغوطة الشرقية وحدة جغرافيا وسكانية غير قابلة للتقسيم إلى مناطق نفوذ , والتأكيد على "الاحتكام في قضايا الاغتيالات والدماء إلى محكمة يتم التوافق عليها ، والالتزام بتنفيذ أحكامها ، بينما يشدد المبدأ الرابع على الالتزام بالتنسيق الكامل والتعاون المشترك لحماية الجبهات".

 

 

وقد وضعت الوثيقة كافة النقاط الخلافية (الجبهات والأسلحة والمقرات والنفق والممتلكات) في ورقة عمل وترتيب أولويات الحل ضمن جدول زمني , وأكدت على أن "(لجنة الفعاليات المدنية المعتمدة) هي اللجنة المسؤولة عن التواصل والتنسيق بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام وهي المخولة بالتحدث الإعلامي عن سير المفاوضات .

 

 

ومع أهمية هذه الخطوة المباركة التي انتظرها الجميع بفارغ الصبر , إلا أن الأهم هو الالتزام بهذه البنود من الطرفين , حتى لا تكون هذه الوثيقة حبرا على ورق , وحتى لا يعود الاقتتال - لا قدر الله - بين الفصائل ثانية , لأن النتائج ستكون حينها كارثية على الفصائل المتقاتلة و الثورة السورية عموما .

 

 

ويتساءل المسلم المتابع لما يجري في سورية من اقتتال بين الفينة والأخرى بين الإخوة في العقيدة وأصحاب الهدف المشترك : متى سيتعلم أهل السنة في المنطقة أن مصيرهم واحد ؟! وأن عدوهم لن يوفر أحدا منهم ؟! وأن ظهور بعض الخلاف فيما بينهم في بعض القضايا لا ينبغي أن يتحول بحال من الأحوال إلى صراع واقتتال ؟! وأن المستفيد الأول والأخير من هذا الاقتتال هو عدوهم المتربص بهم ؟!

 

 

والحقيقة أن الجواب على هذه الأسئلة ربما لا يكون عند قادة تلك الفصائل فحسب , بل عند مرجعياتهم والدول أو الجهات الداعمة لهم , حيث لا يرى المتابع خطوطا حمراء رسمتها تلك المرجعيات والجهات الداعمة يجب لا تتجاوزها تلك الفصائل , وهل هناك خط أحمر ينبغي أن يفرض على الجميع أولى من حرمة الدم المسلم وإشهار السلاح في وجهه ؟!!!