دقيقة من فضلك

لن نأخذ من وقتك كثيرا , مع أن الموضوع يستأهل منك بذل الكثير من الوقت , في دقيقة واحدة نريد من كل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال : هل أنت مستعد لاستقبال شهر رمضان كما ينبغي ؟

 

 

 

لست أقصد بالاستعداد هنا المادي , فالجميع لا يقصر في هذا الجانب , ولعله يأخذ حصة الأسد من استعداداتنا لهذا الشهر الفضيل , فالطعام والشراب بأشكاله وألوانه يدخل مطبخ كل بيت قبل حلول رمضان بأيام , وإنما قصدت بالاستعداد الإيماني والروحي والقلبي . لقد جرت عادة كل واحد منا إن أراد السفر إلى بلد بعيد , للعمل أو الدراسة أن يستعد له , فيشتري لوازم السفر , ويجهز الحقائب ويودع الأحباب , وإن دعا أحدنا بعض المسؤولين والوجهاء والكبراء إلى بيته , جهز لوازم الاستقبال واستعد قبل أيام , أفلا يستحق شهر الرحمة والمغفرة والعتق من نار جهنم أن نستعد له بمثل ذلك وأكثر ! وربما يبادر أحد القراء الكرام بالقول : أليس من المبكر الحديث عن الاستعداد لشهر رمضان من الآن , ونحن ما زلنا في بداية شعبان ؟؟ و الجواب يأتي على لسان السلف الصالح , فقد قال معلى بن الفضل : كانوا - يعني الصحابة - يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم , وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، اللهم سلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلا .

 

 

 

 


أيها القارئ الكريم :
غالبا ما يدرك كثير من المسلمين قيمة الأشياء بعد انقضائها وفواتها , فيندمون على ما فرطوا , ويتحسرون على ما تركوا , في وقت لا ينفع فيه الندم والتحسر , فالفرصة قد فاتت , والمنحة قد ذهبت , وربما تعود في العام المقبل , وربما لا تعود عليك إن لم يكتب الله تعالى لك عمرا إلى رمضان القادم .

 

وغالبا ما يكون السبب في هذا الفوات والتضييع , هو عدم الاستعداد الكافي لهذه المنحة والفرصة , فتمر الأيام والليالي من هذا الشهر الفضيل , دون أن نغترف منه ما كنا نتمناه ونرجوه ونأمله , فنقول في أنفسنا : لئن أحيانا الله تعالى إلى العام المقبل , وأنعم علينا بإدراك هذا الشهر الفضيل , فسأعتني بالقرآن الكريم أكثر , وسأبتعد ما أمكن عن الذنوب والمعاصي , وسأمتنع عن مشاهدة المسلسلات التفزيونية , وسأصلي من الليل أكثر , وسأخصص شيئا من مالي للصدقات والمبرات , وسأفعل وسأفعل .................... الخ

 

 

 

فها قد جاء وقت الاستعداد والتهيأة المناسبة , فلتكن ممن يوف بوعده وعهده , ولا تكن من المسوفين الحالمين , ولتقتدي بذلك بالصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه , عندما غاب عن غزوة بدروفاته خير ثوابها قال : (والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله كيف أصنع) وقد صدق في وعده ، وها هو أنس بن مالك رضي الله عنه يحدثنا عما فعل في غزوة أحد في الحديث الصحيح فيقول : (غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ , واللَّهُ لَئِنْ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابَهُ , وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ : يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ , إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ , قَالَ سَعْدٌ : فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ , قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ , وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ , قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } الأحزاب/23, صحيح البخاري /4 /19/ برقم 2805 قبل أن تطلع شمس رمضان بادر بالاستعداد في شعبان من خلال النقاط التالية :

 

1- حاول أن تصوم بعض الأيام في شعبان استعدادا لرمضان , كيومي الإثنين والخميس مثلا , لتدريب روحك ونفسك على جمال وروعة الصيام .

 

2- واظب على ركعات على الأقل من قيام الليل في شعبان , لتتقوى بهما على قيام تراويح وليل رمضان .

 

3- اجعل لنفسك من الآن وردا ولو قليلا من القرآن الكريم , حتى تختم القرآن أكثر من مرة في رمضان .

 

4- الزم صلاة الجماعة في المسجد , حتى تصبح ضمن برنامجك اليومي في رمضان .

 

5- اعقد النية من الآن على صوم رمضان إيمانا واحتسابا , فنية المؤمن خير معين له على إنجاز الأعمال .

 

6- جدد التوبة إلى الله تعالى من اليوم , واجعلها توبة خالصة نصوحا , حتى تبدأ رمضان من غير ذنب بإذن الله تعالى .

 

7- درب نفسك في شعبان على ترك التلفاز نهائيا , ولعلك تعلم سبب ذلك , فأسوأ المسلسلات والبرامج إنما تعرض في رمضان , لإفساد صيامك وثوابك وطاعتك , فهل تقبل بذلك ؟؟!!

 

8- اجعل من شهر شعبان ميدانا لدورة تدريبية على تعويد نفسك على غض البصر وحفظ اللسان , الأمر الذي سيعينك في رمضان على استكماله والثبات عليه .

 

9- وأخيرا تعلم في شعبان أحكام الصيام , حتى تكون على بينة من صحة صيامك وطاعتك . رمضان شهر التزود للسنة كلها , ولا يمكن تحصيل ذلك إن لم نستعد له قبل مجيئه , فرجب وشعبان شهران لتخلية النفس من نقائصها , وتحليتها بفضائلها , فإذا أقبل رمضان قطفت الثمار .

 

أسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان و نحن على أتم الاستعداد لاستقباله . آمين