ما سر سقوط جنرالات إيران في حلب؟
9 رمضان 1437
د. وسام الدين العكلة

في السابع من حزيران/ يونيو الجاري وخلال إلقائه خطابه بمناسبة افتتاح مجلس الشعب الجديد بدا "بشار الأسد" عصبيًا وعلى درجة كبيرة من الانفعال والغضب، خاصة عند حديثه عن معركة حلب حيث استخدم عبارات بعيدة كل البعد عن الأصول والأعراف الدبلوماسية خلال وصفه معارضيه، وتعهد باستعادة "كل شبر من سوريا" وقال إن حلب ستكون "المقبرة التي ستدفن فيها آمال وأحلام السفاح" في إشارة إلى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان". كما وزع "بشار الأسد" اتهاماته بالخيانة والعمالة والإرهاب للمعارضة السورية ولوفد الهيئة العليا للمفاوضات على وجه الخصوص، مؤكداً على مواصلة الحرب ضد الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة بذريعة محاربة الإرهاب، معلنًا رفضه لأي عملية سياسية قد تجري في المدى المنظور إلا بناء على وثيقة المبادئ التي قدمها فريقه خلال مباحثات جنيف 3.

 

 

 

ما يقف وراء انفعال "بشار الأسد" إلى هذه الدرجة غير المعهودة في خطاباته السابقة أنه بات يدرك أن ورقة مكافحة الإرهاب التي طالما اختبأ خلفها طوال السنوات الماضية للبقاء على سدة الحكم بدعم من روسيا وإيران قد سقطت، أو على الأقل تم سحبها من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل دخول قوات فرنسية وبريطانية إلى الأراضي السورية ومشاركتها الفعلية في قتال تنظيم الدولة إلى جانب الفصائل والقوى في شمال سوريا دون التنسيق مع قواته التي حاولت خلال الأيام الماضية الاقتراب من حدود الرقة الإدارية لإرسال رسالة بأنها موجودة وطرف رئيس في الحرب على الإرهاب.

 

 

 

ما يجري في شمال سوريا من تطورات متسارعة أثارت حفيظة الحلف الثلاثي (روسيا – إيران – النظام السوري) ودفعته إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الدفاع في طهران لمناقشة التداعيات التي قد تترتب على هذه التطورات المفاجئة، ولوضع خارطة طريق واستراتيجية عسكرية جديدة للصراع في سوريا وعلى الأخص في معارك حلب والرقة في ضوء التقارير التي تتحدث عن وجود خلافات إيرانية - روسية حول سير المعارك هناك، والتي تجلت بامتناع الجانب الروسي عن توفير غطاء جوي كاف للمعارك في ريف حلب الجنوبي وبالتحديد في بلدة "خان طومان" الاستراتيجية أدت إلى خسارة إيران العديد من ضباطها هناك، إضافة إلى العشرات من الميليشيات التابعة لها الشهر الماضي وسط أنباء تتحدث أيضًا عن صفقة روسية - أمريكية حول مستقبل سوريا دون التنسيق مع طهران ودمشق  ووضع دستور جديد للبلاد يضمن حصول "قوات سوريا الديمقراطية" على ثمن سياسي يكافئ قتالها ضد تنظيم الدولة إذا ما نجحت باستعادة مدينة الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية.

 

 

 

ومن أهم الملفات التي كانت مطروحة للنقاش على طاولة اجتماع وزراء دفاع الحلف الثلاثي، الموقف التركي المتوقع تجاه التطورات الميدانية شمال سوريا، خاصة فيما يتعلق بالموقف من توسع رقعة المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية وما سيشكله ذلك من ضغط على الأمن القومي التركي والخيارات المتاحة أمام الحكومة التركية، وربما زيادة الضغط على تركيا داخلياً من خلال رفع وتيرة الهجمات الإرهابية التي يتبناها حزب العمال الكردستاني (PKK) ضد المدنيين والجيش التركي داخل الأراضي التركية من خلال تكثيف الدعم العسكري لهذا الحزب.

 

 

 

بالعودة إلى معركة حلب فإننا نعتقد أن التطورات الأخيرة خلطت الأوراق بشكل معقد وباتت خيارات جميع الأطراف محدودة ومحفوفة بالمخاطر بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية التي توليها جميع الأطراف للسيطرة على مدينة حلب التي تعتبر صورة مصغرة عن الصراع الدولي الدائر في سوريا، ففي حلب توجد قوات روسية وإيرانية وقوات "بشار الأسد" إلى جانب حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية وفي الطرف المقابل هناك نفوذ أمريكي وتركي وسعودي وقطري وقوات الجيش الحر، ولا ننسى تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. ولا شك أن إيران سترمي بكل ثقلها لكسب المعركة هناك لكن الأمر ليس بهذه السهولة فالثوار يقفون بالمرصاد للتحضيرات الإيرانية ويدركون أن معركة حلب هي "أم المعارك" بالنسبة لهم، وهي من سيرسم خارطة الحل السياسي لمستقبل سوريا، لذلك نرى اليوم توقف المفاوضات السياسية بانتظار ما ستؤول إليه الأمور هناك.

 

 

 

 

حلب التي عول النظام كثيرًا عليها بداية الثورة بالانحياز إلى جانبه باتت اليوم أكثر مدينة تؤرقه وهو ما يفسر حالة الغضب التي بدت على "بشار الأسد" عند حديثه عنها في خطابه الأخير. إيران أيضًا تنظر إلى حلب بقلق وتوجس شديدين لما قد تؤول إليه معركتها فلم تقف في وجه قواتها أي مدينة أخرى مثل حلب، رغم استقدام أعداد كبيرة من قواتها الخاصة في الحرس الثوري لقيادة المعارك هناك، فخسرت على أراضيها خيرة ضباطها وجنرالاتها فمن لم يقتل في الحرب العراقية - الإيرانية طوال ثمان سنوات قتل في حلب، وتواجه اليوم ضغوط كبيرة في تعبئة المزيد من المرتزقة للتخفيف من خسائرها العسكرية هناك من خلال التجييش الطائفي والأناشيد الحماسية الموجهة حتى لتجنيد الأطفال في القتال بحجة أن الطريق إلى القدس يمر عبر حلب، في الوقت الذي تحاول إلقاء تبعات خسارتها على تركيا من خلال اتهامها بتزويد فضائل المعارضة بأسلحة نوعية وإدخال المئات من المقاتلين من أراضيها إلى جبهات حلب.

 

 

 

المصدر/ ترك برس