أي سلفية تلتقي مع الغرب في دعم كرزاي ليبيا (حفتر)؟
7 شوال 1437
منذر الأسعد

بين لحظة وأخرى قد تشهد ليبيا غزواً صليبياً عسكرياً، بعد أن عجز عميل الغرب خليفة حفتر-كرزاي ليبيا المنتظر- عن حسم الصراع الدموي لمصلحته، بالرغم من الدعم الهائل الذي أغدقته عليه أمريكا وأوربا ونظم قمعية في الإقليم لا تخشى الله ولا تكترث لدماء الليبيين، حتى بعد أن انتقل ذلك الدعم من مرحلة التقية إلى العلن، ربما للتهديد وتكثيف الضغط النفسي على الثوار والساسة الذين يرفضون إحلال طاغية /عميل جديد  محل الطاغية/العميل البائد.

 

 

 

 

 

دعم الخصمين معاً!!
وهنا يتأكد خبث  الغرب الصليبي  الذي لعب أقذر الأدوار في الوضع الليبي منذ أن نجح الشعب الليبي في إزالة  الطاغية الهالك  معمر القذافي، فسعى بخبث إلى تعزيز الانقسامات المتراكمة وتغذية الانتماءات القبلية والجهوية،  وتعمد أن تصبح ليبيا الجديدة غابة للسلاح مع الحرص على تقديم تسليح نوعي لعملائه الذين سهر سنوات على إعدادهم لمثل هذا اليوم.

 

 

 

ذلكم ليس رأياً شخصياً أطرحه ولا يقول به كثير من الليبيين صراحةً أو مواربةً، فقد كشف موقع "ميدل إيست آي" الإخباري عن دعم استخباراتي أميركي وبريطاني وفرنسي لقوات اللواء حفتر الذي يناوئ الحكومة الشرعية في ليبيا ، وهي الحكومة التي يتظاهر الأمريكيون والأوربيون بأنهم  يدعمونها!!

 

 

علماً بأن هذه الحكومة  كانت ثمرة  حوار وطني بين القوى المتناحرة، لكنها  وُلِدت ضعيفة،والمفارقة أنها –على ضعفها-  لا تتعامل مع المجلس الأعلى للدولة رغم أنه جسم سياسي انبثق عن الحوار الوطني نفسه ، وما زالت تحاول أن ترضي الطرف الآخر المتمثل في برلمان طبرق المفتت والعاجز عن عقد أي جلسة،بحسب ما صرح به عضو المجلس خالد المشري  لقناة الجزيرة، كما لم تقدم أي دعم للثوار في مواجهة تنظيم داعش بمدينة سرت!

 

 

 

 

ويعترف  الباحث في معهد هدسون الأمريكي ريتشارد مينيتر بدعم الغرب لحفتر عسكرياً  وللحكومة سياسياً-!!-،  لأن أوربا تخشى من تدفق موجات المهاجرين غير النظاميين عليها، وهي تعتقد أن الحكومة المركزية في طرابلس غير قادرة على تأمين سرت وبنغازي !
إلا أن تفسيره غير المنطقي لهذا التناقض المشكوف، سرعان ما يتبخر عندما يقرُّ بخطأ  المخابرات الأمريكية  التي تفضِّل منذ عقود  التعامل مع طغاة أقوياء كالجنرالات الذين يستطيعون فعل أي شيء بدلاً من التعامل مع حكومات هشة منتخبة بصورة ديمقراطية!!

 

 

 

 

 

مركز عمليات غربي سري
وكان موقع "ميدل إيست آي" قد بث تسجيلات صوتية مسربة تكشف دعماً بريطانياً فرنسياً أميركياً لميليشيات  حفتر في عملياتها المنطلقة من قاعدة قرب مدينة بنغازي شرق ليبيا.
وتكشف التسجيلات محادثات الحركة الجوية بين طيارين ومراقبين جويين باللغتين العربية والإنجليزية، ويمكن سماع لكنات بريطانية وأميركية وفرنسية وإيطالية.

 

وقال الموقع الإخباري إن الأشرطة المسربة تؤكد تقارير سابقة تشير إلى وجود مركز للعمليات الدولية يساعد حفتر في حملته للسيطرة على شرق ليبيا، مضيفاً أن غارة واحدة على الأقل ورد التنسيق بشأنها في الأشرطة، ما يدل على أن غرفة العمليات لم تكن لمجرد الاستطلاع.

 

 

 

 

واعتبر أن هذه التسريبات تضر الأطراف الدولية المعنية، لأن حفتر مناهض لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس المدعومة دولياً ويقاتل جماعات شاركت بالحملة على داعش، الأمر الذي ينسف تبريرها الكاذب لدعم عميلها بذريعة محاربة الإرهاب!.
إذاً ليس اتهامي للغرب بتمزيق ليبيا أو إخضاعها لسيطرة كرزاي الموعود، نابعاً من تقديرات فردية غير موضوعية!!

 

 

 

وأضيف هنا شهادة مهمة من مصدر غير عربي ولا إسلامي، بل لا يمكن اتهامه بالتعاطف مع أي شريحة أو قوة إسلامية.
قالت صحيفة "لوتوان" السويسرية  في مايو/أيار الماضي :إن دعم الغرب للواء الليبي المتمرد خليفة حفتر، العدو اللدود لحكومة الوفاق الوطني سيؤدي في نهاية الأمر إلي اندلاع حرب أهلية في البلاد التي تعاني أصلاً من حالة ارتباك واختلاف في المصالح ونوايا التحالفات.

 

 

 

وذكرت الصحيفة في ترجمة نشرها موقع "الإسلام اليوم"، أنه في الوقت الذي تسعى فيه الدول الغربية لإصلاح ما أفسدته في ليبيا عقب تدخلها العسكري هناك، فإن هناك حالة من التخبط الشديد قد أصابت سياستها تجاه هذه الدولة النفطية مما قد ينذر بتفاقم الوضع.

وأشارت إلى أن إعلان بعض الدول الغربية تقديم الدعم لحكومة الوفاق الوطني ومساعدتها على نقل مقرها إلى طرابلس وإثارة فكرة إمدادها بالأسلحة، يتناقض مع استمرار دعم المتمرد حفتر.

ولفتت إلى أن المشاركين في المؤتمر الدولي حول ليبيا سواء كانت الأمم المتحدة أوالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية قد اكدوا دعمهم اللامحدود للحكومة الليبية الجديدة برئاسة فايز السراج، لكن الواقع عكس ذلك، فعلى الأرض، يقوم هؤلاء  بإشعال الوضع في البلاد بقيامهم بمساعدة أعداء هذه الحكومة، وعلى رأسهم خليفة حفتر في الوقت نفسه.

 

 

 

 

 

"سلفيون" مع حفتر حتى الموت!!
أمرٌ مفهومٌ تماماً،أن يجتمع الغرب الصليبي كله-بما فيه روسيا الأرثوذكسية- على مؤازرة عميل صفيق مثل حفتر، فهؤلاء لهم أطماعهم ولديهم أحقادهم على ليبيا وعلى كل بلد مسلم؛لكن ما لا يصدقه عقل أن يقف علماء ودعاة من خارج ليبيا مع العميل كرزاي الليبي!!
والأنكى أن بعضهم ينسبون أنفسهم إلى السلفية، التي تتراوح مواقف علمائها في الشأن الليبي الراهن ما بين مؤيد للشعب الليبي ضد العميل الذي يسعى الغرب إلى فرضه عنوة كطاغية جديد، يخدم مصالح الغرب فحسب؛وبين من يرى أن الاقتتال بين الليبيين قتال فتنة يجب اعتزاله شرعاً!! مثلما أذيع بصوت فضيلة الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء( انظر: http://www.al-afak.com/showthread.php?t=12524).

 

 

وكان  الشيخ حفظه الله يجيب شخصاً سأله عن ذلك في المسجد الحرام يوم الاثنين بعد صلاة المغرب بتاريخ 20 رجب سنة 1435هـ.
 فقال الشيخ الفوزان:((اجتنبوا الفتن، اجتنبوها، واسعوا للإصلاح إن أمكن، تجنبوا الفتن، لا تدخلوا في الفتن، نعم)).

 

 

 

والمثير للسخرية أن السلفي الشاذ عن علمائها وتاريخها وسياسة بلاده،  كأنه في فتواه الجديدة يرد على الشيخ الفوزان لكنه رد بالاسم على سماحة العلامة  ابن باز رحمه الله،إذ قال نصير حفتر:
 يقول سماحة الإمام ابن باز في محاضرة له بجامعة الإمام بعنوان : ( موقف المؤمن من الفتن ) ، بعد إيراده حديث البخاري « إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ... » الحديث :
فهذه الفتن هي الفتن التي ﻻ يظهر وجهها ، وﻻ يعلم طريق الحق فيها ، بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها .

 

 

 

 

ثم أورد حديث « يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال » وعلَّق - رحمه الله - قائلا :
والمقصود أن هذا عند خفاء اﻷمور وعلى المؤمن أن يجتنبها ، أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم ، والمبطل من المحق ؛ فالواجب أن يكون مع المحق ، ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل .
واستدل على ماذهب إليه بقوله - عز وجل - : " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي " [الحجرات : 9]
ما قال : فاعتزلوا قال : " فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " إلى نهاية اﻵية ،
ثم فسَّر معنى اﻵية بقوله :
فإذا عرف الظالم وجب أن يساعد المظلوم ، لقوله - سبحانه - : " فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ... اﻵية .
أقول : ﻻ يشك عاقل أنه قد تبين الخيط اﻷبيض من الخيط اﻷسود اﻵن في ليبيا ؛ فوالله إن التكفييريين ومن يتعاون معهم ويرضى بأفعالهم ﻷغراض في نفسه لهم الباغون الظالمون .

 

 

 .
أما تأييد المجرم حفتر باسم السلفية فنشاز عن السلفية، وشذوذ عن السياسة الخارجية المبدئية للمملكة العربية السعودية،  التي تؤيد مخرجات الحوار الوطني الليبي، والحكومة المنبثقة عنه، والتي يعاديها حفتر جهاراً نهاراً، لأنها-على وهنها- تقف عثرة في طريق تطلعاته النرجسية.

 

 

 

والمؤسف أن من يدعو الآن إلى القتال في خندق حفتر باسم السلفية،  كان قد أفتى من قبل بأن الصراع العسكري في ليبيا فتنة يجب اجتنابها وعدم مساندة أي طرف فيها!!
وعليه فإن فتواه العجيبة الأخيرة بمثابة رد على فتواه القديمة!!

 

 

 

 

 حفتر.. صنيعة أمريكا
في وقت مبكر –تحديداً في شهر مارس/آذار 2011م- نشر باتريك مارتن مقالاً عن عمالة حفتر لواشنطن جاء فيه:
العقيد خليفة حفتر الذي  يرأس العمليات العسكرية للمتمردين في بنغازي عميل ل  سي اي ا منذ 20 سنة حينما وفرت له سكنا في فرجينيا بدار فخم تملكه لا يبعد عن مقر ال سي اي ا أكثر من 5 أميال ومنحته راتبا شهريا ضخما  ورصيد بنكي مفتوح  ! لماذا ؟؟؟

 

 

 
 
اختار المجلس الوطني الليبي الذي يمثل المتمردين في بنغازي ، متعاونا مع السي آي أي لمدة طويلة ليرأس العمليات العسكرية . خليفة حفتر ، وهو عقيد سابق في الجيش الليبي وقد نشرت خبره صحف مكلاتشي وقد ظهر القائد العسكري الجديد في حوارات تلفزيونية . وكانت الجزيرة اول من نشر خبر وصوله الى بنغازي في 14 مارس تبعها نشر كلمات مديح بحقه في الجريدة الصفراء البريطانية ديلي ميل المؤيدة للحرب في 19 مارس. ولكن في كل ما نشر عنه لم يشر أحد الى علاقته بالسي آي أي.

 

 

 

في صحف مكلاتشي كان العنوان (القائد الجديد للثوار قضى 20 سنة الماضية في ضواحي فرجينيا) وذكرت المقالة انه كان في يوم ما من كبار القادة العسكريين في نظام القذافي حتى (المغامرة العسكرية الكارثية في تشاد في اواخر الثمانينيات)، وعندها انضم الى صف المعارضة للقذافي وهاجر الى الولايات المتحدة حيث عاش هناك اكثر من عقدين حتى عودته الى ليبيا قبل اسبوعين.

 

 

 

 

وقد ختمت مكلاتشي مقالتها بالقول "منذ مجيئه الى الولايات المتدة في بداية التسعينيات ، عاش حفتر في ضواحي فرجينيا خارج العاصمة واشنطن" ونقلت عن صديق له قوله انه لا يعلم بالضبط ماذا كان حفتر يعمل لإعالة نفسه وعائلته الكبيرة.
وللذين يقرأون بين السطور فإن قصة حياته توحي بانه كان عنصرا يعمل في السي آي أي. وبغير ذلك كيف كان يمكن لقائد عسكري ليبي كبير ان يدخل الولايات المتحدة في بداية التسعينيات ، بعد سنوات قليلة من تفجيرات لوكربي ، ثم يستقر في العاصمة الامريكية إلا اذا كان ذلك بإذن ومعاونة من وكالات المخابرات الامريكية ؟ وقد كان حفتر يعيش على بعد 5 اميال من مقر السي آي أي في لانجلي، لمدة سنوات طويلة؟

 

 

 

إضافة الى أن صحيفة واشنطن بوست نشرت في 26 مارس 1996 تقريرا عنه واصفة تمردا مسلحا ضد القذافي في ليبيا واستندت الصحيفة الى شهود عايشوا التمرد قائلة "القائد هو العقيد خليفة حفتر الذي يقود مجموعة على طراز كونترا تقيم في الولايات المتحدة باسم الجيش الوطني الليبي"

 

 

 

ومن الواضح ان المقارنة بقوات (الكونترا) تجلب الى الأذهان الجماعات الإرهابية التي كانت الحكومة الامريكية تمولها وتسلحها في الثمانينيات ضد حكومة ساندنستا في نيكاراغوا. وكذلك فضيحة ايران كونترا والتي تضمنت بيع اسلحة امريكية لايران مع استخدام حصيلتها لتمويل عصابات الكونترا في امريكا اللاتينية تفاديا لحظر الكونغرس .

 

 

 

وفي كتاب صدر عن صحيفة لو موند دبلوماتيك بعنوان (استغلال الأفريقيين ) في عام 2001 ، تتبع المؤلف العلاقة مع السي آي أي الى زمن أبعد ، الى 1987 ، ذاكرا ان حفتر وكان عقيدا في جيش القذافي ، اعتقل وهو يقاتل في تشاد ضمن تمرد مدعوم من ليبيا ضد حكومة حسين حبري المدعومة امريكيا. ثم هرب الى معسكر الجبهة الانقاذ الوطني الليبية وهي جماعة المعارضة الرئيسية للقذافي، والمدعومة من السي آي أي، وقد قام حفتر بتنظيم ميليشيا خاصة به عملت في تشاد حتى اطيح بحبري من قبل منافسه المدعوم فرنسيا ادريس ديبي في 1990.

 

 

 

وحسب الكتاب ، فإن "قوة حفتر التي خلقتها السي آي أي ومولتها في تشاد، اختفت فجأة بمساعدة السي آي أي بعد قليل من الاطاحة بالحكومة بواسطة ادريس ديبي" ويشير الكتاب الى تقرير بحثي صادر عن الكونغرس في 19 كانون اول 1996 وفيه ان الحكومة الامريكية كانت تمول وتدرب جبهة الانقاذ الوطني الليبية وان عددا من اعضائها اعيد تسكينهم في الولايات المتحدة.

 

 

 

  بعد الانقلاب عاد عدد من الأسرى الليبيين إلى الوطن، فيما نقلت طائرات أميركية عناصر «الجيش الوطني الليبي» الى زائير ومن ثم الى الولايات المتحدة حيث استقر حفتر  .

 

 

 

حقيقة تشبيه المليشيا التي قادها حفتر بالكونترا الممولة من قبل السي آي أي، يدل دلالة واضحة على نوعية (الثورة ) في ليبيا التي ربما بدأت عفوية ولكن الامبريالية الامريكية اختطفتها، وأن الحكومة التي سوف تنصبها لن تختلف في القمع عن حكومة القذافي ، كل الفرق أن أمريكا سوف تنهب النفط الليبي وتستغل موقع ليبيا الإستراتيجي لإقامة قاعدة تشرف منها على تغلغلها في القارة الإفريقية.