من سقطوا ومن نجحوا في امتحان تركيا
11 شوال 1437
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ساعات عصيبة مرت أمس ليس فقط على المواطن التركي ولكن على معظم المواطنين المسلمين والعرب حول العالم... وتعلقت أنظار الجماهير بشاشات التلفزة التي تنقل وقائع محاولة الانقلاب العسكري في تركيا التي تنعم باستقرار لم تشهده من قبل في عصرها الحديث منذ أكثر من 12 عاما هي فترة حكم حزب العدالة والتنمية الذي أعاد البريق للاقتصاد التركي وانتشله من الضياع ووضع تركيا في مصاف أكبر دول العالم لتتنافس بقوة مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في مجالات النمو والتقدم الاقتصادي والحضاري بعد أن كانت قاب قوسين أو أوأدنى من الانهيار..

 

استمع العالم لبيان نسب للجيش التركي بشأن السيطرة على الحكم في البلاد بحجة "تدهور الأوضاع" وانطلقت مروحيات عسكرية لقصف البرلمان وبعض المواقع الحيوية وأغلقت دبابات جسر البسفور الشهير بينما سيطرت قوات أخرى على مطار أتاتورك في اسطنبول لبعض الوقت وبدا المشهد وكأن الانقلاب قد نجح بالفعل وأنه سيطر على البلاد  وانتظر البعض بين لحظة وأخرى القبض على الرئيس أردوغان أو قتله وهنا ظهر أول الساقطين من أصحاب النفوس المريضة والمناوئين للحرية والعدل ودعاة الاستبداد والقمع الذين يتخفون في لباس "الإعلام والليبرالية والدولة المدنية" ليكشفوا عن هويتهم الحقيقية وليفضحوا أنفسهم على الملأ كطغمة فاسدة لا تعرف سوى مصالحها...

 

وظهر للجميع كيف كانت تضحك هذه الطغمة طوال الاعوام الماضيةعلى جموع البسطاء بشعارات رنانة كاذبة لا تفقه معناها حيث فرحت هذه الأبواق الكاذبة بالانقلاب وأسمته ثورة وأيدته بفرح شديد وأصبغت على القائمين عليه كافة صفات "الشجاعة والبطولة والإقدام"..منتهى الازدواجية والارتباك والجهل بابسط معاني السياسة والإعلام لأشخاص يتصدرون المشهد الإعلامي في عالمنا العربي ويستمع إليهم الملايين فهل حان وقت زوالهم؟!..

 

في نفس الوقت شهدنا سقوطا مروعا للغرب العلماني الذي كان يضايقه كثيرا توجهات أرودغان الإسلامية على بساطتها وهدوئها فقد صمت هذا الغرب تمام في الساعة الأولى من المحاولة وسمعنا تصريحات خانعة على شاكلة "مراقبة الأوضاع وضبط النفس والنظر بقلق والتحذير من سفك الدماء" دون عبارة واحدة تؤيد الحكومة المنتخبة منذ عدة أشهر في انتخابات نزيهة شارك فيها أكثر من 80 في المائة من الشعب وظهر هنا الحقد الغربي على بلاد المسلمين وكراهية استقلالها واستقرارها حتى لو اتبعت "مبادئ الديمقراطية" التي يزعم الغرب احترامها ولم تتغير هذه اللهجة إلا بعد ساعات عندما تبين فشل الانقلاب...

 

أما أول الناجحين في هذه المحنة الكبيرة فهو الشعب التركي العظيم الذي لبى نداء الوطن واستمع للرئيس المنتخب ونزل إلى الشوارع ليدافع عن حريته وإرادته أمام المدافع والدبابات وسطر بشجاعته أمام عدسات وسائل الإعلام العالمية والمحلية أسمى معاني التضحية فلم يخش من طلقات الرصاص ولا من منظر الجنود المدككين بالسلاح ولا من صوت المروحيات التي كانت تطير على ارتفاع منخفض لإرهابه وإعادته لبيته, ورأى العالم أجمع كيف صعد المتظاهرون إلى أسطح الدبابات واستولوا عليها وقبضوا على الجنود بداخلها وما هي إلا ساعات قليلة إلا وانسحب الانقلابيون من الشوارع خوفا من جسارة الجماهير..

 

أما ثاني الناجحين في هذا الاختبار فهو الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته التي وقفت بقوة وثبات أمام الانقلاب فقد خرج أردوغان 3 مرات للشعب التركي متحدثا إليه وطالبا منه الخروج والدفاع عن بلاده وتوعد الانقلابيين بالمحاكمة والانقلاب لا زال في بدايته ورئيس أركانه تحت ايدي الانقلابيين وقد تبين أن الانقلابيين قصفوا مقر إقامة الرئيس التركي وحاولوا اقتحام مقر الرئاسة دون أن يؤدي ذلك إلى زعزعة موقف أردوغان الذي أصر على التوجه إلى اسطنبول وحط في مطارها رغم ان الانقلابيين معهم مروحيات عسكرية قد تنجح في إصابة طائرته...

 

وكان موقف رئيس الوزراء التركي على نفس المستوى من الشجاعة والثبات فقد خرج إلى أجهزة الإعلام العالمية وتحدث إليها وندد بما جرى وطالب النواب بالتوجه للبرلمان وإعلان موقفهم الرافض للانقلاب وهو ما جرى بالفعل ..أما ثالث الناجحين في المحنة فهم زعماء أحزاب المعارضة في تركيا والمناهضة لأردوغان فقد خرجوا منددين بما جرى ووضعوا الخلافات جانبا ودافعوا عن قيم الحرية والعدالة وانحازوا للشعب ونحوا مصالحهم الشخصية, وهو درس كبير ينبغي على أحزاب المعارضة في عالمنا العربي أن تتعلمه لكي تبني نفسها بعيدا عن المكاسب الوقتية الضيقة التي سرعان ما تذوب وتتلاشى وتحصل على شعبية حقيقية من الجماهير وليس من السلطة التي تتلاعب بها.