اعتبار الزكاة بالحول الشمسي
15 شوال 1437
د. عبدالله بن منصور الغفيلي

اعتبار الزكاة بالحول الشمسي(1)

ذهب عامة أهل العلم إلى اشتراط مضي الحول لإيجاب الزكاة فيما عدا الخارج من الأرض من الأموال الزكوية(2)، وذلك لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(3).
ولاتـفاق الخـلفاء الأربـعة عـلى ذلك وانـتـشار الـعـمل بذلك بين الصـحابة رضي الله عنهم(4).

 

وقد استجد فيما يتعلق باشتراط الحول لوجوب الزكاة، اعتبار السنة الشمسية حولا زكوياً، لاعتماد كثير من الناس في معاملاتهم على التاريخ الميلادي القائم على السنة الشمسية. 

 

فهل يجوز اعتبار الزكاة بالحول الشمسي؛ أم يجب الاعتماد في ذلك على الحول القمري المتمثل في السنة الهجرية؟(5)

 

فنقـول: إن التوقيت الشرعي يكون بالحول القمري(6) لا الشمسي؛ لما يلي: 

أولاً: دلالة النصوص الشرعية على وجوب الأخذ بالتوقيت القمري المتمثل بالتاريخ الهجري وطرح التوقيت الشمسي المتمثل بالتاريخ الميلادي، ومن ذلك: 

أ- قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]، وجه الدلالة: أن الله جعل الهلال علماً على بداية الشهر ونهايته، فتكون الأهلة، مواقيت بهذا المعنى، كـما يصح أن يكون الشهر بذلك قمرياً؛ لارتباطه بالأهلة، وهي منازل القمر، قال الشافعي - رحمه الله-: (إن الله حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام)، فقال تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، إلى قولـه: (فـأعلم الله تعالى بالأهلة جمل المواقيت، وبالأهلة مواقيت الأيام من الأهـلة، ولم يـجعل علماً لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها، فبغير مـا أعلم الله أعلم)(7).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- تعليقاً على الآية: (فأخبر أنها مواقيت للناس ؛ وهذا عامٌ في جميع أمورهم، فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع ؛ ابتداء أو سبباً، من العبادة، وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات لـه، وهذا يدخل فيه الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة...، وكذلك صوم النذر وغيره، وكذلك الشروط من الأعمال المتعلقة بالثمن، ودين السلم، والزكاة والجزية والعقل والخيار والأيمان وأجل الصداق ونجوم الكتابة والصلح عن القصاص، وسائر ما يؤجل من دين وعقد وغيرهما) أ.هـ(8).

 

ب- قول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36].

 

وجه الدلالة: أن الأصل الذي وصفه الله هو التوقيت بالهلال، وأن المعتبر في الإسلام هو الحول القمري المكون من اثني عشر شهراً كما ذكر الله.

 

قال القرطبي -رحمه الله -(9): (هذه الآية تـدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها، إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط ذلك الدين القيم)، (أي الحساب الصحيح والعدد المستوفي)(10).

 

قال الفخر الرازي: (قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكواتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، لا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية)(11).

وقال: (الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الهلال والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية)(12).

 

ج- قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس:5].
وجه الدلالة: أن الله جعل السنين والحساب معلقاً بمنازل القمر، ولا يكون ذلك إلا باعتبار الأشهر القمرية المعلقة بطلوع الهلال دخولاً وخروجاً(13).

 

د- قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً)(14).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم علق دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال، ورتب الحكم الشرعي (وهو الصوم هنا) على ذلك.

 

ثانياً: ولأن الاعتداد بالحول القمري والبناء عليه يتفق مع يسر الدين وسهولته ومخاطبته لجميع الناس، ذلك أن حسابه ومعرفة أيامه وأشهره في متناول الناس، ولا يحتاج فيه إلى متخصص قـال ابن القيم -رحمه الله-: (ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم، وأبعد عن الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب الشمسي)(15).

 

وبذا يكون الحول القمري صالحا لكل الناس؛ العالم والجاهل، الحضري والبدوي، في القديم والحديث، مما يؤكد أن الأخذ به متعين دون الحول الشمسي، لما في الأول من عالمية تتناسب مع عالمية هذا الدين، لاسيما مع حاجة الناس كافة للاعتداد بتقويمٍ تسير عليه حياتهم على مختلف الأمكنة والأزمنة فلم يكن إلا التقويم القمري الذي يحسب الحول القمري(16).

 

وقد أفتت اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية بأن السنة المعتبرة في إخراج الزكاة هي السنة الهجرية والأشهر القمرية، ولا يؤخذ بالسنة الميلادية ولا الأشهر غير القمرية(17).

 

وذهب بيت الزكاة في الكويت إلى مراعاة الحول القمري في إخراج الزكاة، إلا إذا تعسر ذلك بسبب ربط الميزانية للشركة أو المؤسسة بالسنة الشمسية، فإنَّه يجوز مراعاة السنة الشمسية، وتزداد النسبة المذكورة بنسبة عدد الأيام التي تزيد بها السنة الشمسية على القمرية فتكون السنة عندئذ (2.575%)(18)، وعند التأمل يبدو الخلاف بين الاتجاهين أشبه باللفظي، إذ الجميع متفقون على اعتبار الحول القمري، وإنما أجاز بيت الزكاة احتساب الزكاة وفق الحول الشمسي مع معادلته بالقمري؛ لإخراج القدر الزائد من المال الزكوي المقابل للزمن الزائد من الحول الشمسي، وقيدوا ذلك عند تعسر إخراجه بالحول القمري، إلا أن الأصل المتفق عليه هو احتساب الزكاة وفق التاريخ الهجري، ولا ينبغي الاعتداد بالتاريخ الميلادي في ذلك إلا مع المشقة المعتبرة لما يلي:

 

أولاً: لما تقدم من النصوص والنقول الدالة على وجوب اعتبار الحول القمري دون الشمسي، لاسيما والحول الشمسي وضعي من وضع طوائف قبل الإسلام يزيدون فيه وينقصون.

 

ثانياً: ولأننا قررنا عدم جواز الأخذ بالتقويم الشمسي المتمثل بالتاريخ الميلادي واحتساب المواقيت والأحوال عليه، ويترتب عليه عدم الاعتداد به.

 

ثالثاً: ولأن اعتبار الحول الشمسي في الزكاة المتمثل بالتاريخ الميلادي يؤدي لتأخر دفع الزكاة قرابة أحد عشر يوماً؛ لزيادة الحول الشمسي عن الحول القمري أحد عشر يوماً مما يترتب عليه ترك المسلم لزكاة سنه كاملة كل ثلاثين سنة تقريباً، مما يعني تفويت ملايين المسلمين لزكاة عام مرة أو مرتين في أعمارهم، وهذا بلا شك يلحق الضرر بمصالح الأمة العامة والخاصة المنبثقة من مصارف الزكاة الثمانية (19).

 

رابعاً: أن الاعتداد بالحول الشمسي يترتب عليه عدم تعلق الزكاة بذمة مزكيها في حال نقصان نصابه أو وفاته بعد تمام الحول القمري وعدم تمام الحول الشمسي، أي عدم وقوع ذلك في المدة الفارقة بين الحولين، وهي أحد عشر يوما تقريبا، وفي ذلك مفسدة لا تخفى وتضييع لحق الله وحق عباده.

 

فإن شقّ احتسابها بالتاريخ الهجري مشقّة معتبرة فيجوز احتسابها بالتاريخ الميلادي بناء على جواز تأخير الزكاة عند الحاجة لذلك(20)، لاسيما أنه تأخير يسير(21)، والمشقة تجلب التيسير(22)، مع التقييد بما يلي:

1-أن تعلقها بذمة المزكي يتحقق من تمام الحول الهجري، وتكون دينا عليه حتى يؤديها، فلو مات أخرجت من تركته قبل قسمتها.

 

2- وجوب احتساب الفرق الناتج عن التأخر المذكور، وهو ما نصت عليه فتوى بيت الزكاة المشار إليها.
وبذلك يتبين أن نهاية الحول الميلادي أصبح زمنا للإخراج وليس وقتا للوجوب.

 

________________________

(1) يراد بالحول الشمسي: السنة الشمسية، وهي عبارة عن دورة الشمس حول الأرض، وتنقسم السنة تبعاً لذلك إلى فصول أربعة هي الصيف والشتاء والربيع والخريف، وتتكون السنة الشمسية من 2422، 365 يوما تقريبا، وأما تقسيمها إلى أشهر فهو من صنيع بعض الأمم، بحسب ما يَعنُّ لها، ومن ذلك تكوَّن التاريخ الميلادي، انظر التاريخ الهجري للدكتور زيد الزيد ص 22.
(2) المبسوط 2/15، فتح القدير 2/112، بداية المجتهد 3/114، المنتقى شرح الموطأ 2/94، البيان للعمراني 3/155، روضة الطالبين 2/184، الشرح الكبير مع الإنصاف، أما الحبوب والثمار فعند حصادها تكون زكاتها، وأما المعادن فلا يعتبر لها الحول حال وجودها، وإنما يستقبل بها حولٌ بعد زكاتها إن كانت أثماناً،انظر الإنصاف 1/215، والمغني 4/74.
(3) أخرجه ابن ماجه في الزكاة برقم 1782 في باب من استفاد مالاً، عن طريق حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة، وحارثة ضعيف، ولـه شاهد من حديث علي بن أبي طالب عند أبي داود وغيره، وقد حسنه الزيلعي في نصب الراية 2/328، ونقل عن النووي في الخلاصة قوله: حديث صحيح أو حسن، ثم قال: لا يقدح فيه ضعف الحارثة لمتابعة عاصم له، أ.هـ، وقال الحافظ في التلخيص الحبير2/156: حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة، أ.هـ.
وجاء اشتراط الحول في أحاديث أخرى لا تخلو من ضعف، قال الشوكاني في السيل الجرار 2/13، ومجموع هذه الأحاديث تقوم بها الحجة في اعتبار الحول أ.هـ.
(4) فقد جاء اشتراط الحول عن أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وقد رواهما مالك في موطأه برقم 638، وجاء عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما عند البيهقي مرفوعاً وموقوفاً، وصحح البيهقي الموقوف منها، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب موقوفاً عليه، وذلك عند البيهقي في السنن الكبرى، باب لا يعد عليهم بما استفاده من نتائجها حتى يحول عليه الحول (4/103)، وقال البيهقي: والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة فيه عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم أ.هـ، السنن الكبرى 4/95.
(5) سمي الحول القمري بذلك؛ لارتباطه بدورة القمر حول الأرض وبسبب ذلك تحصل الشهور، وكل دورة للقمر تمثل شهراً قمرياً تبلغ مدته 52، 29 يوماً تقريباً، ويكون عدد تلك الشهور اثني عشر شهراً وهي الأشهر العربية المعروفة المبدوءة بمحرم المختومة بذي الحجة، فتكون السنة القمرية 354،36، فهي أقل من أيام السنة الشمسية بفارق (10،88) أيام، ويلاحظ أن الحول القمري مرتبط بحركة القمر ودورته حول الأرض، ولا علاقة له بحركة الأرض حول الشمس، والعكس فيما يتعلق بالحول الشمسي، انظر التاريخ الهجري (23).
(6)وقد نص على ذلك عدد من الفقهاء كما في: تبيين الحقائق 1/261، رد المحتار2/295، مخنصر خليل2/162، أسنى المطالب2/125، المغني8/8، المحلى1/75. وانظر الموسوعة الفقهية 23 /242، قلت وهو الأصل، ولم أقف على خلافه.   
(7) الأم 3/118.
(8) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/133، 134.
(9)هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي الأنصاري المالكي أبو عبد الله، العالم الفقيه المفسر، له مصنفات من أعظمها: الجامع لأحكام القرآن والتذكرة في أحكام الآخرة، توفي عام 671 هـ [شجرة النور الزكية ص (179) طبقات المفسرين للادنروي(1/246)]..
(10) الجامع لأحكام القرآن 8/133-134.
(11) التفسير الكبير 16/53.
(12) التفسير الكبير 17/35-36.
(13) التفسير الكبير 16/50.
(14)متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا. برقم (1906) ومسلم كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً. برقم (1080) كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(15) مفتاح دار السعادة 2/272.
(16) انظر التاريخ الهجري (52).
(17) 9/200 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك في الفتوى رقم (9410).
(18) أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات لعام 1423هـ، الصادر من بيت الزكاة في الكويت(20).
(19) وهي المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
(20) ويتضح ذلك جليا في حق بعض الشركات التي تؤسس ميزانيتها المالية بالتاريخ الميلادي؛ لارتباطها بفروع عالمية تعمل وفق ذلك التاريخ ؛ لكونه المعتمد عالميا، مع ما يوفره لأرباب الأموال من زيادة في وقت العمل تقدر بأحد عشر يوما سنويا، مع ثبات بداية كل شهر فيه ونهايته، وعدم تعلق ذلك بالرؤية الشرعية.   
(21) فجمهور أهل العلم على القول بوجوب الزكاة على الفور، وهم مع ذلك يجيزون تأخير الزكاة لأعذار تجمعها الضرورة أو الحاجة المعتبرة. ينظر بدائع الصنائع 2 / 4، المدونة1/370، أسنى المطالب 1/366، الفروع2/453.
(22) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص76، والمنثور في القواعد الفقهية 3/171.