مواقف غربية مريبة حول الانقلاب في تركيا
15 شوال 1437
محمد زاهد جول

قد يكون الوقت مبكراً للحديث عن مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، من الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا مساء الجمعة 15 يوليو/تموز 2016، لأن الأولوية الآن هي للمعالجات الضرورية للوضع الداخلي في تركيا، فلا تزال بعض جيوب الانقلابيين تتحصن في مخابئها، وبعضها لا يزال يظن أن أمره لن ينكشف، لأنه لم يكن مشاركاً فعلياً فيه، ولكنه كان قد أعطى موافقة عليه، ومن ثم فلن يعلم به أحد، إلا أن التسريبات التي خرجت لوسائل الإعلام بعد الانقلاب بيومين أظهرت أن الانقلابيين كانوا قد أعدوا أسماء المشاركين والاحتياط والمؤيدين، ومراحل الانقلاب، وخطواته، ومن يتعاون معهم في كل موقع وقاعدة عسكرية، وهو ما جعل أسماء المتورطين معروضة على وسائل الإعلام.

 

 

 

وكان مما كشفت عنه بعض التحقيقات مع الجنرالات المشاركين في الانقلاب، بعد أن ألقي القبض عليهم، تورط قائد قاعدة إنجرليك الجنرال "بكير أرجان فان" في هذا الانقلاب، وأنه بعد فشل الانقلاب طلب اللجوء السياسي إلى أمريكا، وأن السلطات الأمريكية رفضت ذلك، ورغم هذا الرفض الأمريكي الرسمي فقد فتحت الأعين على الدور الأمريكي في هذا الانقلاب، وما أثار الريبة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كيري في اليوم الأول للانقلاب، وهو يوم السبت، بنفيه أي تورط أمريكي في هذا الانقلاب أولاً، وفي تصريح آخر بعده أكثر ريبة تحذيره الأتراك بأن "العلاقات الأمريكية التركية سوف تتأثر سلبياً في حالة توجيه الأتراك تهماً لواشنطن بتدبر الانقلاب"، على قاعدةِ "كاد المريب أن يقول خذوني"، أي إن كيري لا يحتمل التهمة أصلاً، فكيف إذا فكرت الجهات الرسمية التركية بتقديم إثباتات الإدانة، ليس على فتح الله غولن فقط، وإنما صاحبتها تهم أخرى لجهات أمريكية مشاركة للكيان الموازي في هذا الانقلاب، ليست مكاتب الخارجية الأمريكية بعيدة عنها.

 

 

 

إن الأدلة التركية ليست مجرد شبه أو تهم عدائية لأمريكا، وإنما تستند إلى شواهد تحتاج إلى إجابات وافية ومقنعة من أمريكا، ومنها: أن القاعدة الجوية إنجرليك أطلقت ليلة الانقلاب طائرتين لتزويد الطائرات من طراز ف16 بالوقود في الساعات الأولى للانقلاب، أفأطلقت هذه الطائرات دون علم أمريكا؟ أم أن القيادة العسكرية الأمريكية سمحت لها بالإقلاع لأنها طائرات تزويد وقود وليست طائرات محاربة وذاهبة لتقصف مقر أردوغان في مرمريس وغيرها، وعلى كل الأحوال فقد شاركت هذه الطائرات في الانقلاب الفاشل، وهذا أمر يرى مختصون بأنه لا يتم بغير علم الضباط الأمريكيين في القاعدة، وأن قائد هذه القاعدة التركي "فان" لا يتحمل المسؤولية وحده، بدليل أن السلطات التركية أمرت بوقف حركة الطيران في القاعدة، وقطعت عنها التيار الكهربائي، ولم تكتف باعتقال قائد القاعدة، بل تابعت ذلك بتفتيش القاعدة، وإجراء تحقيقات أخرى فيها، بعد أن اضطرت السلطات التركية إلى فتح القاعدة ليوم واحد قبل تفتيشها، بحجة عدم التوقف عن مهاجمة داعش، وهذه نقطة مريبة أخرى.

 

 

إن هذا الكشف أعاد قراءة الموقف الأول للسفارة الأمريكية في أنقرة في الساعة الأولى للانقلاب، وقد وصفت ما يقع في تركيا حينها بأنه "انتفاضة تركية"، وهذا الوصف يحمل معنى الإشادة والتقدير والقبول لما يجري، وذلك قبل أن يخرج الرئيس الأمريكي نحو الساعة الواحدة والنصف ليلاً ليعلن موقفه بدعم الحكومة الشرعية ورفض الانقلاب العسكري، وقد تأكد لأمريكا أن الانقلاب قد فشل حتماً، وقد تعثر في خطواته الأولى برفض رئيس هيئة الأركان التركي "خلوصي آكار" الموافقة عليه، وعدم صدور البيان العسكري الأول باسمه ولا توقيعه عليه، وقد تأكد لها خروج الرئيس التركي أردوغان سالماً من محاولة اغتياله في مقر إقامته في مرمريس، بل ومطالبته الشعب التركي بمقاومة الانقلاب، والخروج إلى الشوارع، والذهاب إلى مطار إسطنبول لحمايته من الانقلابيين.

 

 

 

لقد اعتقلت الأجهزة الأمنية التركية القائد التركي لقاعدة إنجرليك، بعد إصداره أمراً لطائرات تزويد الوقود بالتحليق في الجو، من أجل تزويد مقاتلات إف 16 المشاركة في محاولة الانقلاب، ولكنه لم يكن المتهم ولا الدليل الوحيد؛ فقائد اللواء 39 آليات، اللواء حسن بولاط، يقول:" اجتمعنا سرّاً مع عسكريين من وزارة الدفاع الأمريكية في قاعدة إنجرليك 12 مرة، وكان هناك مخططات لتفجيرات في مدن إقليم الأناضول أثناء الانقلاب"، هذا في حين أن الخارجية الأمريكية تنفي علاقتها بالانقلاب قبل أن يسألها أحد.

 

 

 

وأما الدليل الإعلامي فهو من خلال القنوات التي تحسب على المحور الغربي والعربي المعادي لتركيا، فهي لم تتوقف عن بث أمنياتها بنجاح الانقلاب، وكأنها حقائق واقعة، فالقنوات العربية وسكاي نيوز وبي بي سي، والقنوات المصرية، وأمثالها، كانت متحمسة لنجاح الانقلاب أكثر من الانقلابيين أنفسهم، وبعد فشل الانقلاب انقلبت هي للحديث عن أن الانقلاب مسرحية، وكان أول من أشاع هذه الدعاية المضحكة فتح الله غولن نفسه.

 

 

 

لقد اعترف قائد منطقة "هاتاي" العسكرية في التحقيقات أن الانقلاب كان يعد له منذ ثلاثة أشهر في قاعدة إنجرليك بحضور ضباط أمريكيين جاؤوا خصوصاً من واشنطن، وأن المواقف الإيرانية من الانقلاب أخذت بالحسبان، أي إنها كانت على علم بالخطط الموضوعة للانقلاب، وهذا يفتح الباب على معرفة علم روسيا به، حيث إن وزير الخارجية الأمريكي كيري كان يجتمع يوم الجمعة 15يوليو/تموز 2016 بالرئيس الروسي بوتين، بادعاء بحث المسألة السورية، فوجود كيري في تلك الليلة في موسكو يجب ألا يؤخذ صدفة، وقد غادر موسكو بعد أن تأكد لهما فشل المحاولة الانقلابية، وأن أردوغان قد تجاوز هذا الخطر في هذه المحاولة.

 

 

 

وبعد فشل الانقلاب تسارعت التصريحات الغربية في اليوم الأول والثاني والثالث، وبالذات من كيري، بمطالبة تركيا بالمحافظة على حقوق الإنسان واحترام القانون، ولم يتوقف نزيف الشعب التركي بعد، ولما يدفن الشعب التركي قتلاه، وجاءت تصريحات فرنسية تقول إن فشل الانقلاب لا يعطي أردوغان شيكاً أبيض لقمع معارضيه، ولم يلتفت أولئك الغربيون الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية لتركيا إلى أن عدد الاعتقالات بين أعضاء جماعة فتح الله غولن بعد الانقلاب يؤكد أن الأجهزة الأمنية في تركيا كانت تعرفهم، وتعرف مواقع عملهم، وتعرف وظيفة كل واحد منهم، ولكنها لم تتصرف معهم بشيء يقلقهم، لأنها لا تملك دليلاً على إدانتهم أو اتهامهم أو اعتقالهم.

 

 

 

لقد كان على الدول الغربية أن تتنبه إلى أن أحد أسباب فشل الانقلاب أن الشعب التركي خرج مدافعاً عن الديمقراطية التي تمتع بها خلال الأربع عشرة سنة الماضية، فلو لم تكن الحكومات التركية التي قادها حزب العدالة والتنمية وأردوغان ديمقراطية لما دافع عنها الشعب التركي، ولما خرج إلى الشوارع مضحياً بروحه ونفسه من أجل الديمقراطية.

 

 

 

 

ولقد كان الوزراء الغربيون بحاجة إلى مشاعر إنسانية وليس إلى ادعاءات إنسانية، وكان عليهم مراجعة أنفسهم قبل أن يضعوا أنفسهم أوصياء على الديمقراطية التركية، وقبل أن ينصبوا أنفسهم حماة للحقوق الإنسانية والسياسية، وقد شاهدوا الانقلابيين الإرهابيين يقصفون الفنادق بالطائرات الحربية، ويقصفون البرلمان، وهو بيت الشعب الكبير، بالطائرات والصواريخ، وقد رأوا الانقلابيين يطلقون النار على الناس وهم في الشوارع، ويقتلون بعضهم، ويجرحون آخرين، فالشعب التركي الذي يخرج إلى الشوارع هذه الأيام وهو يطالب الحكومة بأشد العقوبات للانقلابيين القتلة لا يطلب إلا حقه بالقصاص من القتلة والإرهابيين، فالأولى أن يتقدم أولئك الوزراء الغربيون بالتعزية والمواساة للشعب التركي في هذه الأيام وهم يدفنون قتلاهم، وعندما يجدون أن المحاكم التركية قد ظلمت الانقلابيين القتلة فليأت أولئك الوزراء، وعلى رأسهم كيري، ليدافع عنهم في الشوارع التركية، وليسمعوا جواب الأمهات الثكالى، والأطفال الأيتام، والزوجات الأرامل، وها هي أبواب البرلمان التركي الذي قصفه الانقلابيون مفتوحة للمشاهدين، فلا يكفي السفير الأمريكي في أنقرة نفي تورط واشنطن بمحاولة الانقلاب الفاشل، بل عليه أن يبرر لماذا تدافع أمريكا عن فتح الله غولن، وهو متورط بانقلابات سابقة ضد الشعب التركي، وقدمت المحاكم التركية طلباً لتسليمه من أمريكا من قبل دون إجابة، ولكن قد يصح قول البعض إن الأهون على أمريكا التخلص من غولن قبل أن تسلمه لتركيا، وهو يحمل أدلة تعاونه مع بعض أجهزتها المختصة بالانقلابات الخارجية.

 

 

المصدر/ الخليج أونلاين