اللطمة المجرمة ..
10 ذو القعدة 1437
د. خالد رُوشه

[email protected] 

 قال لي الأب ودمعاته تتساقط : نعم لقد لطمته لطمة شديدة على وجهه !

 

 

وأكمل حديثه المؤلم بينما يحكي لي قصته البائسة مع ولده الصبي ابن ال16عاما , " وجدته ذات يوم يلبس ثيابا غير لائقة , ضيقة , تبعا لملابس الشباب الآن , فطلبت منه أن يبدلها , فرد علي أنها عادية وأن كل اصدقائه يلبسونها وأنها لا تغضب الله , فصرخت في وجهه أن : اخلعها الآن , فرفض , فأغضبني جدا , فأرغمته على خلعها , وأخذتها وألقيت بها في القمامة , فصاح الولد : لا لا تفعل , فصفعته على وجهه صفعة شديدة " ..

 

 

قلت له – متاثرا – وماذا بعد ؟! هل بكى الولد ؟ هل جرى إلى غرفته ؟! ..هل صرخ مثلا ؟!

 

 

قال : نعم صرخ صرخة واحدة متألما , لكنه بعد ذلك صمت تماما , وظل صامتا أياما طوال  , لايكلم أحدا !

 

 

وكلما حاول أحد من أهل البيت أن يحادثه أعرض عنه تماما , واستمر الوضع هكذا شهرا ..

 

 

اضطررت خلاله للإتيان بأصدقائه ومعارفه تاره و وبأقربائه تاره , لكن لاجدوى ,,

 

 

 ثم اضطررت للذهاب إلى الطبيب النفسي الذي أخبرني أنه تعرض لصدمة عصبية مفاجئة نتيجة اللطمة التي تلقاها مني عن غير توقع ومن غير خطأ يستحق من وجهة نظره , فرأى نفسه مظلوما , ورآني قاسيا ظلوما , وتكسرت أمامه صورة الأب الذي كان يتمناه !

 

 

 

نصحني الطبيب أن أذهب إليه , واستعطفه , وأعتذر له , وأخبرني أنه لاسبيل لشفائه إلا عن طريق هذه الخطوة أولا ثم يبدأ في العلاج معه ..

 

 

 

قال الأب : ذهبت إليه , وظللت استعطفه , وأعتذر إليه , ولم أتمالك نفسي فبكيت أمامه , فإذا بابني تتساقط دمعات على خديه , واحتضنته فاحتضنني ..

 

 

 

ولما دخلت أمه عليه , أشار إليها بألم في أذنه , فذهبوا به للطبيب فأخبرهم أنه قد حدث له ثقب في الأذن جراء اللطمة التي لطمتها له , ولا يزال يعالج منها حتى الآن ..!

 

 

 

يقول الاب أنه بعد ذلك لم يعد أبدا يخاطب ابنه ذاك بالذات بأي قسوة أو شدة , وأن هذا الولد قد صار عنيدا جدا , لا يأتمر بأمر , ولا بطاعة تخالف هواه , بل إن له رؤية سلبية شديدة تجاه المتدينين !

 

 

 

القصة تنطق وحدها بدروسها المستفادة , وتعبر بذاتها عن العبر والأخطاء التي ارتكبها الأب الغضوب أثناء غضبته وقسوته , وآثار تلك اللطمة المجرمة على حياة الولد ونفسيته ورؤيته الفكرية وقيمه ومبادئه وخلقه ..الخ

 

 

 

إنها لطمة واحدة لكنها يمكن أن تغير حياة ابن أو بنت من أولادنا ..

 

 

 

إن ابناءنا لحوم رقيقة و ونفوس هشة , وعقول تبدأ في البناء , وقلوب لاتزال تتعرف على الحياة والكون من حولها , فلو أردنا تربيتها فلنعلم أن السبيل إلى ذلك هو العلم والرفق والفهم ومتابعة منهاج القرآن الكريم وسنة الرسول صلى اله عليه وسلم ..

 

 

 

قلت لذلك الاب الشاكي , أن بناء القيم هو الطريق الأمثل لتوجيه السلوك , وأن الضغط لتوجيه السلوك عادة ما يأتي بالسلب , وأن وصية النبي في التربية بالعموم هي الرفق , وأنه قال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالرفق " , وأن " إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه  ، ولا ينزع من شيء إلا شانه " أخرجه مسلم

 

 

 

وأن الوالد كان يمكنه التصرف بحكمة أكثر مما فعل بدرجات كثيرة , فكان يمكنه ملاحظة السلوك السلبي , ثم يبحث عن سببه ودوافعه , هل دافعه أصدقاؤه وأصحابه , أم أن وراءه قناعات عن طريق القراءة مثلا , أم أنها اختيارات شخصية ورغبة في التقليد .. أم غير ذلك

 

 

 

ثم انه كان عليه أن يبادر بعد ذلك في بناء القيم الإيجابية المضادة لما يراه عند الولد من قيم سلبية  , ثم أن يستعين بكل من يراهم يستطيعون التأثير في الولد لبناء تلك القيم ..

 

 

 

وأنه كان قادرا على أن يتقرب من ابنه ويتحبب إليه حتى يجعله الولد قدوة من قدواته , وأن مساحة من الحوار الهادىء الراقي بينهما كانت ضرورية قبل الضغط والتشديد .

 

 

 

وأن العقاب أثناء الغضب خطيئة تربوية كبرى يجب أن يمتنع عنها كل مرب , وأن كل هذا قد يستغرق وقتا ..

 

 

 

فلما سألني قائلا : وأثناء هذا الوقت الذي ابني فيه القيم عند ولدي , ماذا أفعل إذا رايته أخطأ ؟! قلت له :

 

 

 

إن التربية يجب أن تبدأ من الصغر جدا , وبناء القيم يجب أن يبث في قلوب الابناء وعقولهم منذ بداية النشأة , وأنه قد أخطأ ابتداء لما ترك ابنه حتى عمر الصبا بغير اهتمام بمنهجية التربية .

 

 

 

ولأنه أخطأ فيجب عليه أن يتحمل , ويعالج , ويصلح , ويصبر , ويعالج بالرفق والنصح , والحوار , والإقناع , والحب , ويجعل الحزم عند الأخطاء الكبيرة , ويوظفه توظيفا إيجابيا بعلم وفهم واستطلاع لآراء الخبراء .