اغتنموا أبويكم قبل الرحيل
22 ذو الحجه 1437
أميمة الجابر

لن نشعر كثيرا بنعمة البصر ونحن مبصرون , و لن نشعر بنعمة السمع طالما كانت آذاننا سليمة مصغية , ولن نشعر بنعمة الحركة و الحيوية أثناء السير و التنزه , لكننا عندما نفتقد أحد حواسنا حينئذ ندرك قيمة النعم التي نمتلكها و نحن غير شاعرين بها .

  

فالنعم أمامنا و بين أيدينا و من خلفنا و لا نستبق اغتنامها , أو الاهتمام بها ,  أو الشكر عليها كما ينبغى .

  

أحدثكم عن نعمة غالية من أهم النعم وأعظمها , بين أيدينا , هي آباؤنا وأمهاتنا , لكننا نشعر بهم  وكأنهم كغيرهم ممن حولنا من الناس , ونساوي علاقتنا بهم كعلاقتنا بالآخرين من حولنا , نغاضبهم , ونغفل عنهم , ونباعدهم , وربما ننساهم !

 

  فالأبناء بعد زواجهم أكثر ما يفعلونه هو تخصيص يوم كل فترة لزيارة أبويهم , بينما أيام متتالية ينشغلون عن الأحبة , ينشغلون عن أقرب القلوب إليهم , عن أكثر من يحنوا إليهم و يحبهم على وجه الأرض ! ..هؤلاء المعتبرون بين الناس بارين واصلين !

  

انتبهوا أيها الغافلون ...  إن أبويكم معكم اليوم , فهل هم معكم غدا ؟!

  

فالفرصة ما زالت فى أيديكم , يقول صلى الله عليه و سلم " خاب و خسر من أدرك أبويه أو أ حدهما في كبره ولم يدخل الجنة " البخاري

 

 فالجنة جائزة البار لوالديه , غنيمة كل مجتهد لرضاهم , كل من يدخل السرور و السعادة فى قلوبهم , كل من يسقي أمه وأباه شربة ماء باردة في يوم حار, أو يتذكرهما بهدية يقدمها إليهم بحب ..

  

الجنة هدية السهر عليهما في كبرهما و فى مرضهما , هدية لكل من يحنوا عليهما مسارعا لقضاء حوائجهما , هدية الابتسامة عند لقائهما والصبر عند بلائهما .

  

أما من يسوف السؤال عليهم , ويساوي علاقته بهم بعلاقته بالناس من غيرهم , أو يدخر أمواله عنهم , أو يقلل من زيارتهم , أو من يقطع الوصال بينه وبينهم , أو يفضل أهله و أولاده عليهم ,أو يكتنز مشاعره و حنانه عنهم , سيشعر بما بخل و ادخر بعد رحيلهم .

 

 فرد الجميل حق علينا , وكما اهتموا بنا بينما نحن لم نكن نستطيع لأنفسنا حراكا , فلنرعهم كبارا عندما يكونون في أمس الحاجة إلى ايدينا .

 

 ولنصاحبهم في الدنيا معروفا وبرا , وعطاء , كما صاحبونا من قبل عطاء بلا حدود .

  

إن الحصاد دائما يكون لما بث في جوف الأرض , فمن بث شوكا فسيحصده , ومن زرع نبتا حسنا ورعاه , فلينتظر !

  

أما من فقد أغلى الناس , واستشعر الأزمة , واحتواه الألم ببعد والديه أو أحدهما , بعد تقصيره معهما , فليستغفر الله آناء الليل وأطراف النهار على كبير جرمه وثقيل همه , وليسع ليكون ولدا صالحا فيكتب لهما من فعله الصالح بعد رحيلهما عنه .

فيا أمي أنت حملتنى تسعة أشهر وكنت سعيدة بحملي رغم وهنك وضعفك , وسهرت الليالي لراحتي وبذلت لسعادتي , قدمت شبابك كله هدية لي , وصحتك رعاية لي , حتى هرمت وعطاؤك دائم مستمر بلا انقطاع .

  

وأنت يا ابت , قدمت عطاءك حتى آخر لحظة في حياتك , قدمت الحنان والرعاية والكرم والفضل , حتى آخر اللحظات ..

  

فيا ابوي لكما من قلبي الدعاء الخالص , ومن عملي ما استطيع ردا لجميل صنيعكما , ونقي قلوبكما .

  

أوصانا الله القدير بكما في كتابة العزيز , فقال :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا , إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لها أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " الاسراء

 

 وحذرنا من التأفف في وجهكما أو الإساءة لكما بالقول أو الفعل , وأمرنا بالسمع والطاعة لكما , فاعذرونا إن كنا غفلنا أو أهملنا , وسامحونا إن كنا تعدينا أو تطاولنا , فربما غرتنا منكم المسامحة , وربما اعتمدنا على قلوبكم النقية , وثقتنا أنكم لن تحملوا منا حزنا أو ألما .. وأنتم ولاشك أهل لتلك الثقة ..