إيّاكم وأن تتهاونوا! فلم تنتهِ المسألة بعد
26 ذو الحجه 1437
إبراهيم قارا غُل

ل من المحتمل وجود محاولة انقلابية جديدة؟

 وماهو السيناريو الذي يُجهّزه الذين تجرّؤوا على إدخال تركيا بالحرب الداخليّة؟ هل من المحتمل أن نتعرّض لصعقةٍ غير متوقّعة من النوع والمكان؟

 هل مانراه في الدول المحيطة تُقدّم لنا رؤوسَ أقلام المخطّط تجاه بلدنا؟ أم أنّ عملية 15 يوليو/تموز كافيةٌ لتُظهر لنا أبعادَ الخطر الذي يلاحقنا؟ أم أنّنا تهاوَنّا ولجأنا لكذبة "تمّ حلُّ المسألة"؟

 

هذه المحاسبةُ محاسبةٌ دولية والمسألة لم تنتهِ بعد

 لدينا أسئلةٌ حرجةٌ جدًا، وكافّة الأجوبة مؤلمةٌ من نوعها، وسببُ قلقنا هو ما واجهناه إلى حدّ اليوم. لا أحدَ يتهاون ويلجأ إلى كذبة "تمّ حلُّ المسألة" قبل أن تتمّ المحاسبة الكاملة تجاه ما عانينا منه إلى اليوم وقبل أن تظهرَ الصورة بوضوحٍ تام.

ولا أحدَ يُصدّق محاولات بعضهم للفت أنظارنا وتشتيت أذهاننا كما فعلوا قبل اعتداء 15 يوليو/تموز؛ أي في اعتداء 17-25 ديسمبر/كانون الأول لقد أنسونا هذه العملية لدرجة أنّنا لم نتوقّع أيّ ضربةٍ جديدة من غولن ورجاله الإرهابيين.

إنّهم على علمٍ تمامًا بأنّ هذه المحاسبةَ محاسبةٌ دولية وأنّها الأساسُ للمخطط التاريخيّ، وهي مستمرّةٌ اعتبارًا من انهيار الدولة العثمانية وعلى علمٍ تمامًا بأنّ المسألة لم تبدأ ولم تنتهِ بمنظمة غولن الإرهابية فقط، ولا بدّ ألا ننسى بأنّ الخطر مستمرٌّ طالما تستمرّ تركيا بالتحدي.

 

هناك من يُضعف خطّ الدفاع

 لا أحدَ سواهم يحاول دفعَ تركيا إلى ساحة الحرب من دون أيَ وسيلةٍ دفاعيةٍ؛ وذلك إمّا بسبب سذاجتهم أو عدم رؤيتهم للصورة بوضوح. كم مرة وقعنا في فخهم! لقد أضعفوا مقاومتنا ودرع دفاعنا تجاه "التدخلات السرية" الصادرة من السياسة والنظام وعالم الأعمال تحت حجة "التسوية".

ولذلك نحن في هذه الفترة بالضبط نادينا من أجل "المقاومة القاسية". نحن مدركون تمامًا ما نقوله؛ فتركيا تُقاوم اعتداء الموجة الدولية وهناك من بدأ بتجهيز خريطة تركيا من بين خرائط المنطقة، ونحن على علمٍ تمامًا بماذا يعني ذلك.

 

لذلك نادينا مرارًا لتأسيس خطوط مقاومة فردًا فردًا وبيتًا بيتًا وشارعًا شارعًا وحيًّا حيًّا. ونحن مدركون أيضًا بأنّ هذا التحدّي مستمرٌّ طالما لن تركعَ تركيا وطالما عارضت نظامَ الوصاية المستمرَ منذ الحرب العالمية الأولى وطالما دعمت تركيا كلَّ المبادرات السياسية التي تدفع إلى استقرار المنطقة وازدهارها.

الخطر يأتي من حلافائنا
 تلك الاتفاقات لن تحمينا

 دعوني أُكرّر مرّةً أخرى بأنّ المسألة ليست مسألةُ منظّمة غولن الإرهابية فقط وليست تنظيم البي كا كا و البي يي دي؛ بل المسألةُ هي اعتداءٌ متعدّد الجبهات، وهذه التظيمات هي تنظيمات فقط لتنفيذ أهداف تلك الجبهة الأساسية. ودعوني أكرّر أيضًا بأنّه تمّ توظيف جميع التنظيمات من أجل هذه الحرب الكبيرة، وأنّ قناة سوريا الشمالية هي خطّة حصار تركيا وإحاطتها وأنّ الاعتداء في الحقيقة هو آتٍ من حلفاء تركيا ويُنفّذ من جنوب تركيا.

 

على تركيا أن تُعيد النظر في علاقاتها مع المؤسّسات الدولية. لا أحدَ يُسيء فهمي؛ فأنا لا أقصد أن تنفصلَ عنهم ولكنّني أقصد بأنّ عليها أن تنظر إلى علاقاتها بالنظرة الموضوعية وتُعيد تأسيس علاقاتها وفق هذه النظرة. إنّ أيّ دولةٍ وأيّ بلدٍ تتعرّض إلى الخطر تتحوّل إلى وضعيّة الدفاع تلقائيًا فهذا هو ردُّ فعل تلقائيّ، ولا يوجد أيُّ دولةٍ تُسلّم مستقبلَها إلى حلفائها ولا أيُّ دولةٍ تُسلّم عمليّاتِ دفاعها إلى حلفائها، لأنّ هذا ما يُسمى بالانتحار بكل معنى الكلمة.

 

ثرثراتٌ فقدت صلاحيّتَها

 إنّ المؤسسات الأمنيّة الدولية بدأت تتحوّل إلى مصدر خطرٍ بالنسبة إلى تركيا. سيرى صاحب النظرة الصحيحة بأنّ الخطرَ آتٍ من هذه المراكز مباشرة. سنقضي على مستقبل تركيا إن ربطناها بدعومات اتحاد الناتو أو أيّ كيانٍ آخر.

لاحظوا إلى سياسات أمريكا تجاه سوريا ولاحظوا أيضًا إلى سياسة ألمانيا أو بريطانيا، ولاحظوا إلى نظرة الاتحاد الأوربي تجاه تركيا، جميعُ سياساتهم هي ضدُّ تركيا والحقيقة أنهم يُخطّطون لتحويل تركيا إلى سوريا، ولا أحدَ يتّهم كلامي هذا بثرثراتٍ فقدت صلاحيّتها " بأنّني عدوُّ الغرب وأمريكا".

 

وإنّ الذين لا يزالون يطرقون بابهم بهدف "الحصول على جزء من السلطة" إمّا أنّهم لا يزالون يعرفون سوء نوايا هذه البلاد أو أنّهم يتأملون حتى من سوء نواياهم أو أنّهم لا يستطيعون أن يروا بوضوح الموقف الجديد لتركيا وهذه المنطقة.

 

حينما أطلقَ حلفاءُ تركيا الرصاص عليها...

 

هناك شيءٌ واحدٌ علينا أن نلتزم به بعد أن رأينا أنّ عملية 15 يوليو/تموز هي مخطّطٌ أمريكيّ لسحب تركيا إلى حرب داخلية وأنّها ليست محاولةً انقلابيةً. هناك شيءٌ واحدٌ يقع على عاتقنا في هذه الفترة التي يتمّ فيها تسويق خريطة تركيا الجديدة وهو أنّه "علينا أن نكون جاهزين للتحدّي والمقاومة الكبيرة" .

 

وبصراحةٍ بالنسبة إلينا لن يُعدّ هناك أيّ معنى لتلك الاتفاقات، وهذا العالم فقد صلاحيته في هذا الزمن فلا يمكن لتركيا أن تحكم نفسها لطرفٍ واحدٍ في عالم تسود فيه شبكةٌ ضخمةٌ ومعقّدة من العلاقات متعدّدة الأقطاب والعاصمات.

 

والحقيقة أليس أنّنا نتعرّض للاعتداء بسبب رفضنا لتلك العلاقات؟ ألَم يُعتدَ علينا من قبل جميع التنظيمات الإرهابية فقط لأنّنا نطمح بالحرية؟ ألم يكن وراء هذه التنظيمات حلفاؤنا؟ ألم تكن عملية 17 ديسمبر/كانون الأول من مخططاتهم؟ وأيضًا عملية 15 يوليو/تموز أليست هي عمليتهم؟ أليس هم الذين أطلقوا الرصاص علينا؟ والإرهاب الذي قاومناه بعد انتخابات 7يونبو/حزيران ألم يكن تنفيذًا لمخطّطهم؟ أليس هم من يجهّزون الآن لسيناريوهات جديدةٍ وقذرةٍ لنواجهها غدًا؟ أليس هم من يرغبون بتحطيم تركيا اقتصاديًا أيضًا إضافةً إلى هدفهم في التحطيم السياسي والأمني؟ أليس هؤلاء من وجهوا موديز لاتخاذ تلك القرار بعد موقف أردوغان الصارم في لقاء نيويورك؟

 

كلّ هذه المعاناة قد تنتهي خلال يومٍ واحدٍ فقط إن قلنا لهم هذه الجمل ..

 

أليس هذه الاعتداءات القاسية هي نتيجة لعدم استطاعة أصحاب السلطة العالمية بإدارة تركيا؟ ستنتهي جميع هذه الاعتداءات خلال يوم واحد فقط إن قلنا لهم "لقد تخلينا عن كل شيء" و"لن نخرج عن إطار كلامكم" و"سنقوم بتنفيذ عملياتكم على جميع أنحاء العالم" و"استسلمنا مرة أخرى إليكم" و"نوافق على نظام الوصاية الذي بدأ بعد الدولة العثمانية ونسمح باستمراره في القرن الواحد والعشرين أيضًا ".

ولكننا في تلك اللحظة نكون قد ضيعنا قرن آخر. واعلموا جيدًا أن للأهداف الكبيرة تحديات أكبر. لا يمكنكم أن تضيقوا وتصغروا بلد تعود طيلة القرون الماضية على أن يكون دولة ضخمة. تركيا ستقسم في لحظة استسلامنا. هذا هو حسابهم.

إما أن نكون ونحن نكبر وإما ألا نكون ونحن نصغر. أرجو من الذين يوافقون على تصغير تركيا أن يقفوا على جنب. هؤلاء الذين ليس لهم أي دور في صناعة مستقبل تركيا. حتى لو كان الثمن غالي جدًا فهذه البلد لن تخلو من صناع التاريخ الذين يرمون أنفسهم للمواجهة الكبرى والذين يحولون البلد بأكملها إلى مراكز مقاومة.

 

سيعطونا دور التنظيم الارهابي

 في لحظة استسلامنا إليهم وفي لحظة ركوعنا أمامهم وفي لحظة قولنا لهم "نعم نحن جاهزون لكل شيء تقولونه" في تلك اللحظة تمامًا سننزل إلى مستوى التنظيمات التي تعتدي علينا اليوم من البي كا كا وداعش.. لأن هؤلاء ينفذون الحروب بتوكيل التنظيمات وفي لحظة استسلامنا إليهم سيوكلوا إلينا حرب لنكون إحدى الجبهات التي تخدمهم.

لا يمكن الهروب من هذه المواجهة. وأصلًا لو كانت تركيا تعيد بناءها من جديد من دون أن تتعرض لأي شيء فهذا يعني أنها استسلمت إلى نظام وصاية جديد. تاريخ أحداث اليوم لن تكتب كما هو في اليوم. دور من يصنع التاريخ اليوم سيكتب على الغد وفي تلك اللحظة فقط سيفهم الجميع كيف استطاع تلك الدور الصانع للتاريخ بتغيير التاريخ السياسي لهذه المنطقة.

لذلك فإن الأجيال القادمة سيرون أوضح ما يؤسسه مناضلي اليوم. فعلينا أن ننتبه إلى عمليات "التنويم" من قبل هؤلاء الذين ليس لديهم أي أفق ولا مدى ولا ذاكرة لدرجة أنهم يعيشون دائمًا منحنيين الرأس.

 

نحن في حرب بكل وضوح

 تركيا تتأسس من جديد. نعم إنها تبني اليوم أساس المستقبل. ولكن ستستمر الاعتداءات لإيقاف هذه المسيرة العظيمة. والمقاومة لن تكون سهلة أبدًا. والبلد والأنضول لن تستسلم. أهل البلد سيقاومون ويناضلون بأساليب متعددة كما قاوموا في 15 يوليو/تموز واندلعوا إلى الميادين.

ففي هذه اللحظة تمامًا لا أحد يحاول أن يحصرنا في نقطة الصفر من حدودنا. لأن هذه الحالة ليست حالة دفاعية. فلا يوجد أي دولة تدافع عن نفسها في نقطة الصفر من حدودها. وإن قمنا بذلك فسيسوقوا الحرب إلى داخل البلد لحد أن يتراجع خط الدفاع إلى أن يصل إلى وسط الأنضول. هذا شيء واضح تمامًا: إننا في حرب. ومحاولات الانقلاب والاعتداءات الارهابية ومشاريع تلك القناة ومحاولات تشتيت تلك الذهن الإداري وإبعاد رواد التاريخ من الساحة كلها جزء من هذه الحرب.

 

نحن كشفنا ورأينا هذه الحرب!

نعم رأينا هذه الحرب ورأينا القوات المختبئة وراء هذه الحرب ورأينا الخونة الذين هم في داخل تركيا. لقد كشفنا هذه الحرب التي هي من النوع الجديد للحروب التي عشناها في الماضي على هذه الاراضي وهي حروب الصليبيين والاستيلاء المغولي والحرب العالمية الأولى. ولكننا تعرضنا لأقذرها وأنذلها يوم 15 يوليو/تموز. ورأينا أنهم سيعتدون مرة أخرى وسيجهزن ما هو أقذر.

 

هذه البلد لن تركع رغمًا عن المحاولة الانقلابية ورغمًا عن محاولات خلق الحرب الداخلية ومخططات الفوضى والحصار.

لن يركع ولن يرتجف على هذه الأرض إلا الخونة فيها.

لن ينجحوا في أي خطة من خططهم بعد الآن. بل ستتوسع دائرة المقاومة التركية لتعم المنطقة بأكملها.

هذا ما هو الذي يجب أن يخافوا منه.

 

 

المصدر/ يني شفق