خبير القانون الدولي د.عجاج: أمام السعودية خيارات متعددة لمواجهة قانون جاستا.. ولن تسحب استثماراتها أو تصاب بالجزع
27 ذو الحجه 1437
موقع المسلم

أكد د.أحمد محمود عجاج المحامي والخبير بالقانون الدولي أن قانون جاستا الذي أقره الكونجرس الأمريكي، ويتيح لأهالي ضحايا 11 سبتمبر مقاضاة دول ينتمي إليها منفذو العمليات ومنها السعودية، يناقض القانون الدولي وتحديداً مبدأ سيادة الدول فيه.

 

 وأوضح د.عجاج المتخصص في العلاقات الدولية، والعضو السابق في لجنة التحكم العربية في لندن، وزميل الأبحاث القانونية السابق في جامعة غلاسكو أن السعودية لن تصاب بالجزع بسبب هذا القانون وأن لديها خيارات يمكنها أن تلجأ إليها بعضها دولي وبعضها داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

  

وتوقع د.عجاج ألا تقدم السعودية على سحب استثماراتها من الولايات المتحدة، معتبراً أن الأمم المتحدة ستكون مساراً جيداً لمواجهة القانون بسبب اعتراض معظم دول العالم عليه، وأن كيانات ودولاً مهمة كالاتحاد الأوروبي والصين من أبرز معارضي القانون.
ولفت إلى تأثير تطبيق القانون على مناخ الاستثمار في الولايات المتحدة، والأثر السلبي المتوقع على الدولار حال تطبيقه.

 

حوار:  موقع المسلم 

 

نص الحوار:

هلا أعطيتمونا فكرة عن قانون جاستا، وتأثيراته على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة؟
باختصار هذا القانون يُمكِّن مواطنين امريكيين، تضرروا من ارهاب اصابهم فوق الاراضي الامريكية، من مقاضاة الدول التي يظنون انها تقف وراء هذه الاعمال؛ هذا القانون، بالرغم من عموميته، يستهدف المملكة على اعتبار ان اهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر هم الذين يقفون وراءه، وهم الذين يتهمون المملكة بأنها المسؤولة لأن معظم الذين شاركوا في حادثة الحادي العشر من سبتمبر هم من المواطنين السعوديين. هذا القانون في حال القبول به من بقية الدول فإنه ستكون له تداعيات سلبية على الاستثمارات والعلاقات بين الدول.

  

هل يعني هذا أن بإمكان الإدارة الأمريكية أو الجهات القانونية في الولايات المتحدة وضع يدها على الأموال السعودية بمجرد رفع أي متضرر بأحداث 11 سبتمبر قضية أمام محكمة أمريكية؟ أم أن هذا يستلزم إجراءات طويلة؟
بالطبع الادارة الامريكية ادارة تنفيذية ومجبرة على تنفيذ القرارات القضائية ولا يحق لها ان تعارضها بحكم الاختصاص، وبحكم مبدأ فصل السلطات المطبق في النظام الديمقراطي؛ فإذا صدر حكم قضائي بتعويضات لصالح المتضررين فإن الادارة الامريكية مجبرة على التنفيذ من خلال مطالبة المملكة بدفع ما عليها. اذا رفضت المملكة القرار الامريكي فإن القضاء الامريكي بوسعه ان يحجز اموالا وودائع تعود للمملكة. هذا المسار ليس مسارا بسيطا من ناحية الاجراءات القانونية بل هو معقد لأن القانون المذكور يتضمن بنودا تعطي الادارة الامريكية حق تأخير القرارات القضائية مثل طلب الادارة مهلة مائة و ثمانين يوما لبحث الامر مع السلطات السعودية لحل الاشكال بالحوار؛ هذه المدة قد تستتبع مهلا اخرى.

 

 وما مدى معارضة هذا القانون للقانون الدولي؟
قانون جاستا يتناقض تماما مع القانون الدولي وبالتحديد مع مبدأ السيادة؛ فهذا المبدأ يعتبر ان الدول متساوية بغض النظر عن حجمها، وقوتها، وانه لا يمكن فرض ارادة دولة على اخرى إلا بموافقة تلك الدول ومن هذا المبدأ تولدت فكرة السيادة وحصانة الدول وعليه إنْبنت اسس العلاقات الدولية؛ فالدول في تعاملها مع بعضها البعض تثبت بالممارسة الطوعية (state practices) مبدأ السيادة الذي هو من اهم مبادئ القانون العرفي الدولي الملزم.

   

حسناً، إذا كان الوضع هكذا؛ فكيف يمكن للسعودية استثمار هذا التعارض؟
يحق للمملكة ان تدفع ان هذا القانون ليس ملزما لها، وانه يتناقض مع القانون الدولي وبالتحديد مبادئ القانون الدولي العرفي، وان امريكا بسنها هذا القانون تخرق مبادئ التعامل الدولي. كما يحق للمملكة ان تطلب ان تنظر محكمة العدل الدولية في مسألة قانونية قانون جاستا ومدى مخالفته للقانون الدولي، وكذلك عدم الزاميته للمملكة. فالمملكة دولة ذات سيادة ولا يمكن لأحد ان يجبرها على الامتثال لهذا القانون. ومما هو في صالح المملكة ان كل الدول ترفض هذا القانون ومنها دول حليفة جدا لأمريكا مثل الاتحاد الاوروبي ناهيك عن الصين وروسيا وغيرها. بعبارة اخرى، هذا القانون لا يحظى بموافقة دولية وامريكا بسنه تخالف الاجماع الدولي، ولا يمكنها ان تطلب من الدول الاخرى التضامن معها ضد المملكة لأنها هي المخالفة للقانون. هذا الواقع يشكل فرصة للسعودية ولكن يتطلب منها دبلوماسية وجهد قانوني كبيرين لمواجهة هذا الامر.

  

بعيداً عن السعودية, ما الذي ترونه من تأثيرات على فكرة التزام الدول بالقانون الدولي، وهل يعرض هذا القانون المظلة الأممية للخطر؟
إذا كنت تقصد الامم المتحدة فإنه لا يعرضها للخطر، لأن الادارة الامريكية نفسها وضعت فيتو (النقض) على القرار، واكدت انه يخالف القانون الدولي، ويعرض مصالح امريكا للخطر؛ هذا يعني انه حتى الحكومة الامريكية تعترف بعدم قانونية هذا القانون؛ وكما تعرف فإن الامم المتحدة تضم 193 دولة وكلها مجمعة على مبدأ السيادة وحصانة الدولة ما عدا امريكا؛ لهذا فإن القانون لا يشكل خطرا على المنظمة بل ان المنظمة قد تكون هي السد الذي يتوجب اللجوء اليه لمنع هذا القانون.

  

جاستا سيكون سابقة أليس كذلك؟ إذا ما تكررت هل يصبح للقانون الدولي في المستقبل فائدة؟
بالطبع سيكون سابقة قانونية. لكن هذه السابقة لكي تصبح قانونا يلزمها موافقة بقية الدول عليها والعمل بها؛ فالمادة 38 من قانون محكمة العدل الدولية تحدد ممارسة الدول (state practices) بأنها احد اهم مصادر القانون الدولي، وعليه فإن الموافقة على قانون جاستا من بقية الدول يعني ان مبدأ السيادة قد تغير، وان قاعدة قانونية حلت مكانه تسمح لدولة ان تقاضي دولة اخرى. لكن هذا لم يحدث بعد، ولا اعتقد انه سيحدث؛ ولكن إن حدث فإنه سيكون له اثر سلبي على تعامل الدول، وقد يؤدي الى اضرار كبرى وحروب اقتصادية وعسكرية وبالتحديد إذا كان المتخاصمان دولتين قويتين.

 

 هل تتوقعون أن تقدم دول أخرى على سحب استثماراتها من الولايات المتحدة جراء صدور هذا القانون؟
من المبكر التنبؤ بذلك لأن القانون لم يزل قانونا محليا امريكيا ولم يحظ بموافقة بقية الدول اي انه ليس جزءا من القانون الدولي. لكن إذا ما مضت المحكمة الامريكية في تنفيذه، ورفضت المملكة ان تدافع عن نفسها بحجة انه يتعارض مع مبدأ سيادتها، فإنه قد ينتهي الحال باحتمالين: اولا، رفض السعودية التقيد بقرار المحكمة بحجة السيادة، وترد عليه بمبدا المعاملة بالمثل Proportionality)  المعمول به في القانون الدولي؛  بمعنى انه ما صادر القضاء الامريكي اموالا سعودية واستثمارات فإن السلطات السعودية قد تصادر هي الاخرى اموالا امريكية. ثانيا، ان تقبل المملكة اختصاص القضاء الامريكي وتدافع عن نفسها أمامه؛ فإذا كسبت القضية تطالب بتعويضات واتعاب المقاضاة، وإذا لم تكسبها تدفع ما يتوجب عليها. هنا تصبح القضية ليست قضية سيادة بل قضية اطراف قبلت بالتحاكم الى القضاء الامريكي، ولا يترتب على ذلك سابقة تغير مبدأ السيادة. اما فيما يتعلق بسحب بقية الدول استثماراتها فهذا ممكن لكنني لا اعتقد امكانية حدوثه، لأنه توجد اليات كثيرة وقانونية قد تلجأ لها الدول لتحصين نفسها قبل ان تقدم على خيار سحب الاستثمارات.

 

 ما الذي يمكن أن يخلفه هذا القانون من تأثير على الدولار الأمريكي كعملة أولى في العالم؟
هذه القضية لا تزال في طورها الاول، ومن الصعب التكهن بتداعياتها الاقتصادية؛ لكن بالطبع اللعب بمبدأ المساواة بين الدول سيدفع كثير من الدول الى اعادة حساباتها، والتفكير كثيرا في ودائعها، وتعاملها بالعملة الامريكية، وهذا سيكون له تأثير سلبي على الدولار، لا سيما وان كثيرا من الدول بدأت تتعامل مع سلة من العملات وليس الدولار وحده. اهم شيء يمكن ان يحسن الاقتصاد، ويشجع الاخرين على الاستثمار هو الثقة بالدولة المستثمر فيها وبقانونها وعدالته وحياديته. فإذا ما تصرفت امريكا بمنطق انها فوق القانون الدولي، وضربت مبدأ المساواة، فإن الدولار سيتأثر وكذلك الاقتصاد الامريكي لأننا نعيش في عالم متقارب كأنه قرية واحدة.

 

للسعودية بالطبع حساباتها السياسية المتشابكة مع الولايات المتحدة، لكن وفق نظرتكم القانونية البحتة، أترون أن إقدام السعودية على سحب جزء من استثماراتها في الولايات المتحدة وبيع أصول لجزء آخر منها هو عمل جيد؟ وبأي توقيت تجدون هذا مناسباً إن رأيتم ذلك؟
لا اعتقد ان المملكة ستسحب ودائعها من امريكا، لأن تلك الودائع محكومة بإجراءات وتعاقدات قانونية لا يمكن الخروج عليها بمعنى ان بعض الودائع قد تكون طويلة الامد ولا يمكن سحبها، واخرى قد يكون سحبها ضارا بالدولة المستثمرة؛ هذه مسائل يقررها الاقتصاديون، لكن من الناحية القانونية لا اعتقد ان المملكة ستصاب بالجزع وتعمد الى سحب اموالها؛ فالقانون لم يزل في مرحلته الاولى ولا نعرف كثيرا عن كيفية تعامل القضاء معه، ولا تعامل السلطة التنفيذية، ولا كيفية رد الدول قانونيا عليه. المسألة تحتاج لوقت.

  

هل تتوقعون موقفاً موحداً من مجلس التعاون الخليجي حيال هذا القانون؟ أم أن بعض الدول الخليجية سترى المسألة بعيدة عنها، ولن تقدم على اتخاذ الخطوة ذاتها التي قد تقدم عليها الرياض؟
المنظومة الخليجية ( مجلس التعاون الخليجي) اثبت انه متكاتف في قضايا في كثير من الحالات باستثناء عمان التي يبدو انها تغرد خارج السرب احيانا؛ اظن ان تلك المنظومة الخليجية لديها مصلحة كبرى بالتضامن، والتعاون لأنها بذلك ستكون اقوى على المواجهة ككتلة متضامنة. علاوة على ان تلك الدول لديها استثمارات هائلة في امريكا وقد تكون هي الاخرى معرضة لنفس الخطر في المستقبل.