"العالم ليس أوروبا" وعرقلات الانضمام التركي للاتحاد الأوروبي
2 محرم 1438
مولاي علي الأمغاري

قال ما لم يقله رئيس دولة قبله، وأثار موضوعا لم تجرؤ دول لها مكانة كبيرة بالمنتظم الدولي حتى على الإشارة إليه، ففي أيلول/سبتمبر 2013 وأمام أعضاء الهيئة العمومية ومجلس الأمن بالأمم المتحدة قال الرئيس التركي أردوغان: “العـالـم أكــبــر من خــمــس دول”.

 

وفي أعمال الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر2016، وفي خطابه أمام وفود 193 دولة الأعضاء في المنظمة الدولية كرّر الرئيس التركي الخطاب نفسه، بعبارات أشد وثقة أكبر، وظروف داخلية وخارجية مختلفة عن 2013.

 

ومن انتقد أكبر منتظم دولي يسهر على السلم والأمن العالمي، لا يعجزه أن ينتقد الاتحاد الأوروبي ويفضح نفاقه مع تركيا واللاجئين والمهاجرين ومواطنيه من أصول عربية وإفريقية.

 

العالم ليس أوروبا

في مقابلة مع الجزيرة الإخبارية، قال الرئيس التركي: “إن العالم ليس الاتحاد الأوروبي”، ردا على تصريح المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، شتيفن زايبرت، الذي قال فيه: “إن البلد الذي لديه عقوبة الإعدام لا يمكن أن يكون عضوا في الاتحاد الأوروبي”.

 

 فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15تموز بتركيا، وجد الاتحاد الأوروبي ذريعة قانونية للقضاء على الحلم التركي في الانضمام للاتحاد، والبدء من الصفر في حال أقرّ البرلمان التركي قانون الإعدام ووافق عليه الرئيس التركي كما وعد وأكد في أكثر من مناسبة.

 

فطيلة ما يقارب الـ57 عاما وتركيا تحاول الدخول إلى المنتظم الأوروبي، بداية من 1957 عام تأسيس السوق الأوروبية المشتركة حتى عام 1999 حيث قُبلت تركيا كمرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي ثم بدأت المفاوضات عام 2005 بعد إصرار حكومة العدالة والتنمية على استيفاء الشروط السياسية لمعايير كوبنهاغن للظفر بعضوية الاتحاد الأوروبي كالالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام الأقليات وحمايتها.

 

لا شك أن مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي كانت دائما في مصلحة تركيا، حيث حققت عدة مكتسبات بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ليكون الشعب التركي أكبر المستفيدين منها.

 

 لكن العراقيل والعقبات التي وُضعت أمام تركيا خصوصا من طرف ألمانيا وفرنسا، ومماطلة بروكسل غير المبرّرة، جعلت كثيرا من القادة الأتراك يعبّرون عن صعوبة انضمام تركيا للاتحاد الأوربي كتصريح الرئيس التركي السابق عبد الله غول في ما معناه أن الاتحاد الأوروبي غير جاد في قبول دولة إسلامية في ناديه المسيحي.

 

كما أكّدت عدة تصريحات للقادة الأتراك  استحالة  قبول تركيا كعضو دائم وكامل العضوية بالاتحاد الأوروبي، مما جعل الرئيس أردوغان يهدد باستفتاء شعبي كالاستفتاء البريطاني،  يقرّر فيه الشعب التركي إن كانوا يريد مواصلة مساعيهم للانضمام إلى الاتحاد أم التوقف عن المفاوضات نهائيا.

 

المماطلة الأوروبية

عدة أسباب دفعت الساسة الأتراك للتعبير عن غضبهم من المماطلة التي يعرفها ملف تركيا مقارنة مع عدة دول أوروبية خاصة الشرقية منها تم تسهيل عملية انضمامها، رغم أن تركيا متفوقة عليها في غالب الملفات التي تريدها بروكسل.

ولاشك أن الرئيس التركي حينما قال: “إن العالم ليس الاتحاد الأوروبي” كان يستحضر المشاكل التي يعيشها الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه الذين لا يملكون نفوذا بالاتحاد كإسبانيا والبرتغال واليونان وجمهورية إيرلندا وقبرص الجنوبية. وما افتقدته الدول الملتحقة حديثا بالاتحاد كرواتيا ولاتفيا، وليتوانيا وسلوفينيا.

 

 وقد تنجح دول كمقدونيا وصربيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي وتركيا لا تزال تنتظر على باب الاتحاد، خصوصا وأن مفاوضات الانضمام بين الجانبين لم يحدد لها سقف زمني معين، وما وصلت إليه بلاده من نمو اقتصادي اعترفت به جل المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.

 

وكنتيجة للأمرين السابقين ولأن تركيا كان من أكبر أهدافها وراء محاولة الانضمام للاتحاد  هو تحقيق نمو اقتصادي وإنشاء بنية تحتية قوية والتقدم في مجال الحريات والديمقراطية وتحيد القضاء،  وقد حقق القادة الأتراك نصيبا مهما وكبيرا منها فإنهم لن يتأسفوا على عدم الانضمام للاتحاد، وهذا ما جاء على لسان وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق “فولكان بوزقير” حيث قلل من أهمية عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قائلا: (إن استمرار مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي كان دائما في مصلحتنا، وسنحقق مكتسبات مع استمرار تلك المفاوضات.. لكن تركيا لن تكترث في حال اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا خاطئا بعدم ضمّ تركيا إلى عضويته).

 

فتركيا العدالة والتنمية تتفوق على كثير من دول الاتحاد الأوروبي، فهي قوة اقتصادية ضمن مجموعة العشرين،  تنافس  من أجل دخول نادي الثماني لأكبر اقتصاديات العالم، كما أنها استردت دورها الفعال والمؤثر إقليميا ودوليا، ولا تستغني عنها الدول الكبرى في عدة قضايا خصوصا بالشرق الأوسط وأسيا الوسطى،  كما تتجه لتكون ممرا  جيوستراتيجي لمرور الطاقة من آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وروسيا الاتحادية إلى أوروبا وأمريكا وباقي دول العالم.

 

 

جبل النار

بهذا وغيره تكون تركيا هي جبل النار الذي يمنع ارتدادات سلسلة زلازل الشرق الأوسط وانتقالها  إلى أوروبا على شكل موجات بشرية من المهاجرين والمهجرين واللاجئين الباحثين عن الجنة الأوروبية، فتركيا تؤوي أكثر من 3 ملايين لاجئ لو تركتهم يعبرون الحدود البرية والبحرية مع الاتحاد الأوروبي لعاشت أوروبا محنة تاريخية قد تؤدي إلى سرعة تفكك الاتحاد الأوروبي، ولأصبحت منظومة الرقابة الحدودية بين الدول الأوروبية “الشنغن” مجرد ذكرى سيتباكى عليها الأوربيون الذين عاشوا عصرها.

 

وكما قال “كريس باتن” مفوض الاتحاد الأوروبي الأسبق للشؤون الخارجية: (تحول تركيا إلى عضو في الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يضيف بُعدا جديدا من الأهمية التاريخية، وسوف يثبت الأوروبيون أنهم قادرون على احتضان ديمقراطية إسلامية وبناء جسر قوي بين أوروبا وغرب آسيا، وسيكون سببا جديدا لاستمرار الاتحاد الأوروبي في الوجود هذا القرن أيضا، وإذا لم يحدث ذلك فإن العديد منا سوف  يجد صعوبة متزايدة في النظر إلى أوروبا باعتبارها اتحادا جمركيا تدفعه طموحات سياسية أعظم كثيرا من قدراته الحقيقية).

 

تملك تركيا عبقرية المكان والجغرافية وإرادة الإنسان ووضوح الرؤية والهدف، وسواء انضمت للاتحاد الأوروبي -النادي المسيحي شئنا أم أبينا- فلن يستغني الاتحاد الأوروبي عن تركيا الجغرافية وإن كان يكره تركيا الحضارة والثقافة والدين والعرق، كما أن تركيا الحديثة لن تضيّع فرصة تاريخية من أجل الاستفادة من الحضارة الأوروبية وتقدمها من أجل تحقيق رؤاها المتوسطة والبعيدة الأمد.

المصدر:تركيا بوست