حين يطبق شرع الله على الجميع !!
23 محرم 1438
تقرير إخباري - محمد الشاعر

"العدل أساس الملك" جملة تختصر منزلة ومكانة وأهمية إقامة العدل وتحقيق المساواة بين أبناء أي مجتمع يرغب بالأمن والاستقرار , ويرجو القائمون عليه وعلى شؤونه استمرار حكمهم وملكهم , وتخليد ذكرهم في صفحات التاريخ كقادة انتشر العدل في زمانهم , وسادت المساواة بين جميع الناس في عهدهم .

 

 

وإذا كانت مجالات تطبيق المساواة بين أبناء المجتمع كثيرة بعدد تنوع مجالات الحياة المعاصرة المعقدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .....فإن مما لا يختلف فيه اثنان أن تحقيق المساواة أمام القضاء هو من أهم أنواع المساواة على الإطلاق , وأكثرها تأثيرا على المجتمع إيجابا وسلبا , وكيف لا وفيها إنصاف المظلوم ونصرة الضعيف وإعادة الحق لصاحبه .... إن كان القضاء صحيحا معافى , وعكس ذلك وضده إن كان واقع نظام القضاء غير ذلك .

 

 

لم يعرف التاريخ نموذجا يحتذى به في إقامة العدل وتحقيق المساواة بين أبناء المجتمع الواحد في شتى أشكال وأنواع العدل وعلى رأسها المساواة أمام القضاء كــ دين الله الإسلام , حتى غدا نظام القضاء في الإسلام مصدر إلهام لكثير من الأنظمة القانوينة المعاصرة , و مقياس مدى نزاهته وحياديته وتحقيقه للمساواة والعدل بين المتقاضين .

 

 

قد لا يكون من المبالغة القول : إن معظم الأنظمة القضائية في الدول العربية والإسلامية ليست على ما يرام , سواء من حيث مصدر تلك الأنظمة التي هي في الغالب أجنبية غربية بعيدة كل البعد عن هوية الأمة الإسلامية , أو من حيث مستوى تحقيقها للعدل والمساواة بين المتقاضين , حيث يؤكد واقع الحال اعتلال مبدأ المساواة في المثول أمام القضاء في كثير من الدول العربية والإسلامية , ناهيك عن غياب العدل عن كثير من الأحكام .

 

 

وانطلاقا من هذا الواقع القضائي المتردي تبدو الحاجة ملحة لتسليط الضوء على النماذج الإيجابية لبعض الأنظمة القضائية العربية , وإبراز الأمثلة والشواهد المضيئة فيها لتكون بمثابة أنموذجا يحتذى بها , والتركيز على النقاط الإيجابية في بعض أحكامها لتزداد وتنمو , ونقد السلبي منها نقدا بناء لتتناقص وتختفي .

 

 

وضمن هذا السياق يمكن ذكر النظام القضائي في المملكة العربية السعودية , الذي يمتاز عن غيره من الأنظمة القضائية العربية بأهم وأخطر ميزة وخاصية , ألا وهي ميزة استمداد قوانينه وأحكامه من الشريعة الإسلامية , واعتبار كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المصدر الأساسي للتشريع .... في الوقت الذي استمدت كثير من الدول العربية والإسلامية قوانينها من دول غربية وعلى رأسها : "فرنسا وبريطانيا وألمانيا ..." مع ما في ذلك من إبعاد للأمة عن هويتها الإسلامية , ومصدر عزتها ورفعتها ومجدها المتمثل بالكتاب والسنة .

 

 

لا يعني ذلك أن التطبيق العملي على أرض الواقع للنظام القضائي السعودي خال من السلبيات التي ينبغي أن تذكر وتعالج ..... إلا أنه في الوقت نفسه لا ينبغي التقليل من أهمية النماذج والشواهد الإيجابية فيه , و التي تشير بشكل أو بآخر على سعي حثيث لتحقيق العدالة بين المتقاضين , وعمل متواصل لضمان المساواة دون تفريق بين غني وفقير , أو بين قوي وضعيف , أو بين أمير وأي مواطن عادي .

 

 

وضمن هذا السياق يمكن ذكر حادثة تطبيق شرع الله تعالى "القصاص" بأمير سعودي ارتكب ما يوجب إنزال تلك العقوبة عليه , بل وتنفيذ تلك العقوبة فيه منذ أيام في خطوة اعتبرها الكثير من السعوديين وغيرهم إيجابية , وسابقة لا ينبغي أن تمر دون إِشادة وتعليق .

 

 

نعم ..... لقد أعلنت وزارة الداخلية السعودية منذ أيام تنفيذ حكم القصاص في الأمير تركي بن سعود بن تركي بن سعود الكبير، لقيامه بقتل عادل بن سليمان بن عبد الكريم المحيميد السعودي الجنسية , وذلك بإطلاق النار عليه إثر مشاجرة جماعية، وقالت : إنه تم تنفيذ حكم القتل قصاصاً بالجاني تركي بن سعود بن تركي بن سعود الكبير سعودي الجنسية اليوم الثلاثاء الموافق 17 /1/ 1438هـ بمدينة الرياض بمنطقة الرياض .

 

 

أول تعليق يمكن أن يذكر على مثل هذه الحادثة أنها بشير خير على استمرار تطبيق الأمة لشرع الله تعالى على الجميع , دون تمييز أو استثناء لأحد أفراد الأمة على أساس ماله أو جاهه أو قبيلته وعشيرته , كما أنها تجسيد عملي لمبدأ المساواة أمام القضاء الذي أمر به الإسلام وامتاز به , حيث يعج التاريخ الإسلامي بمئات وآلاف مشاهد تطبيق مبدأ المساواة وإقامة العدل بين المتقاضين , حتى غدت تلك المشاهد منتهى آمال الدول وغاية طموح الأنظمة القضائية المعاصرة .

 

 

لقد أرسى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم دعائم مبدأ المساواة أمام القضاء في المجتمع الإسلامي دون أي تمييز من خلال مقولته المشهورة : ( ........... إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) صحيح البخاري برقم/3475

 

 

ثم جاء التطبيق العملي لهذا المبدأ في العهد النبوي والراشدي و ....... ليزيد من مصداقيته ورسوخه في دين الله الإسلام , ويكفي في هذا المقام التذكير بحادثة عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ظلم ابن عمرو بن العاص واليه على مصر واحدا من عامة أهل مصر , حيث أقام أمير المؤمنين شرع الله وقصاصه العادل على ابن عمرو بن العاص دون أي نظر لمنزلة الأخير وجاهه .

 

 

ختاما يمكن القول : إن تسليط الضوء على حادثة تنفيذ حكم القصاص على الأمير السعودي منذ أيام , دون النظر إلى منزلته وجاهه .....في عصر انزلقت فيه كثير من الأنظمة القضائية في العالم العربي والإسلامي إلى مستوى التمييز على أساس الجاه والمنصب والمال .... هي من الضرورة بمكان , عسى أن يكون ذلك دافعا للاستمرار بذلك في المملكة , وسببا في عودة الأمة إلى استمداد قوانينها من واقع هوية أبنائها وهو الإسلام .