حلب .. والصمت العربي على إبادتها
21 صفر 1438
زياد الشامي

لم تكن أولى الحملات التي تشنها روسيا الشيوعية والنظام النصيري على حلب الشهباء , ولكنها الأشد عنفا وهمجية و وحشية و إجراما , والسبب واضح ومعروف : صمود أهل حلب ورفضهم الخنوع و التسليم والاستسلام , بعد عدة حملات لإخضاع هذه المدينة السنية التاريخية .

 

 

 

منذ أيام والمدينة تُدك بمختلف أنواع الأسلحة الروسية والنصيرية الفتاكة , بما فيها السلاح الكيماوي المتمثل بغاز الكلور الذي أزهق حياة أسرة كاملة في حي الصاخور بالأمس , في الوقت الذي ما زال فريق الأمم المتحدة يحقق في حوادث استخدام النظام النصيري لغاز الكلور منذ عامين , الأمر الذي دفع د . أحمد موفق زيدان للتعليق على ذلك على حسابه على "تويتر" بالقول : الطائفيون القتلة يواصلون إبادتهم حلب بالكلور والعهر الأممي يحقق بحادثة استخدام الكلور قبل عامين ...أية وقاحة .

 

 

أولى الآثار الكارثية لهذه الحملة الروسية النصيرية الهمجية على المدينة هو ازدياد أعداد القتلى والجرحى من المدنيين ومعظمهم من الأطفال , فقد تجاوز أعداد القتلى الــ 300 وعدد الجرحى الألف , فيما المئات تحت الأنقاض , والعشرات من الجرحى في الطرقات من شدة كثافة القصف بالقنابل العنقودية والارتجاجية و سلاح غاز الكلور الذي ما زال النظام النصيري يستخدمه ضد الأطفال والمدنيين .

 

 

ولعل الأرقام التي ذكرها د .زياد أيوب تشير إلى شيء من حجم المأساة التي تعيشها حلب الآن , ففي تغريدة له على حسابه على "تويتر" قال : #حقائق كل ١٠ دقائق يُقتل سوري على يد بوتين و #بشار_السفاح ومن كل ٣ شهداءهناك اثنان في #حلب، ومن كل ٥ هناك طفل أو امرأة .

 

 

وما زاد من حجم الكارثة ومأساوية المشهد استهداف الطائرات الروسية المتعمد للمشافي وجميع المراكز الطبية في القسم المحاصر من المدينة , حيث خرجت جميع المستشفيات من الخدمة حسبما أكدت مديرية الصحة هناك , ناهيك عن استهداف مراكز الدفاع المدني وطواقم الإنقاذ ممن يطلق عليهم أصحاب القبعات البيضاء , حيث خرج مؤخرا من الخدمة مركز بلدة "أورم الكبرى" بعد استهداف روسي مباشر له .

 

 

لم يستوعب الناشطون وعموم المسلمين هذا الصمت العربي والسكوت الإسلامي على هذه المأساة المستمرة , فأطلقوا وسما على تويتر للتعبير عن غضبهم من هذا الخزي العربي المشين لما يجري في حلب حمل عنوان #حلب_تباد_بسكوت_العرب .

 

 

ليس في عنوان الوسم ما يشير إلى جديد في الحقيقة , فصمت العرب وسكوتهم على كثير من مشاهد العدوان على دماء وأعراض وبلاد المسلمين من أهل السنة ليس بحديث , بل هو واقع مؤلم مستمر منذ عقود , وآثاره ونتائجه الوخيمة على الأمة شاخصة صارخة , لعل أبرزها زيادة الغطرسة الصهيوينة في فلسطين المحتلة , ومشاهد القتل والتنكيل والتهجير بحق أهل السنة في كل من العراق وسورية و ....الخ .

 

 

الجديد في الأمر هو اجتماع أمم الأرض على هذه الأمة , وخروج العداء الصفوي المجوسي لأهل السنة إلى العلن , وانفضاح النفاق الغربي تجاه قضايا الأمة , بل وتواطؤها ومشاركتها في مشروع استهداف هوية الدول السنية و وجودها بشكل واضح وصارخ هذه المرة  ....الأمر الذي لن تقتصر فيه آثار الخذلان والصمت العربي على المستضعفين في حلب أو الموصل أو غيرها , بل ستعم جميع الدول السنية في القريب العاجل إن لم يكن التحرك حالا .

 

 

قد يقول قائل : إن معظم الدول العربية السنية مشغولة بأزماتها الداخلية , ولا تملك من الأوراق و وسائل الضغط ما تستطيع به تخفيف الوطأة عن حلب ومثيلاتها فضلا عن نصرتها أو مساعدتها في رد العدوان أو تحقيق نوع من الانتصار !!

 

 

إلا أن بعض المحللين والباحثين والمفكرين يؤكدون عكس ذلك , ويذكرون بعض ما يمكن أن تقوم به الدول العربية السنية لنصرة حلب , بدءا باستخدام نفوذها للضغط على الدول الفاعلة في سورية لإيقاف الحملة الهمجية الحالية على حلب , وليس انتهاء بتقديم السلاح النوعي للثوار في حلب وسورية عموما للدفاع عن أنفسهم ورد الصائل الروسي النصيري الصفوي الأممي عنهم .

 

 

ولعل من بين مقترحات نصرة حلب على مستوى الحكومات العربية ما ذكره محمد مختار الشنقيطي على حسابه على تويتر إذ قال : نقل المعركة إلى أرض العدو هو الاستراتيجية الصحيحة شرعا ومنطقا للرد على حرب الإبادة في ظل الاختلال الخطير لموازين القوة .

 

 

وأما على المستوى الشعبي فقد اقترح التظاهر أمام سفارات روسيا في العالم , وخصوصا في الدول الغربية التي تسمح قوانينها بذلك قائلا : محاصرة عشر سفارات روسية باعتصام دائم في عشر دول ديمقراطية تسمح قوانينها بالمظاهرات.. تكفي لوقف الهمجية في حلب .

 

 

قد تكون هناك الكثير من الأعذار التي قد تتذرع بها بعض الدول العربية عن نصرة حلب وأهلها , إلا أنها لا يمكن أن تبرر في الحقيقة هذا الصمت المشين و السكوت المريب عن الدفاع عن أهل حلب أو غيرها من المدن السنية , والذي هو في الحقيقة دفاع عن مصير الأمة الذي تخوضه حلب ومثيلاتها نيابة عن الأمة الآن .

 

 

ويا ليت الأمر يتوقف على سكوت العرب أو صمتهم عما يجري في حلب , فالأنكى من ذلك والأكثر إيلاما هو رضى بعض الأنظمة العربية عما يجري هناك , بل ومشاركة بعضها الآخر في الجريمة التي ترتكب بحق بني جلدتهم .

 

 

ومن هنا لم يكن غريبا أن يغرد صاحب حساب واحد من الناس بالقول : حلب تحارب روسيا وتتصدى للمشروع الإيراني نيابةً عن الأمة .. وبعض العرب يُحارب حلب نيابةً عن روسيا وإيران!

 

 

بينما اكتفى حساب آخر على تويتر بالتغريد : حتى الفرس الصفويين والروس لم يكونوا يتوقعون هذا الخذلان من العرب لبني جلدتهم وإخوانهم .

 

 

الإعلامي السوري المعروف د . أحمد موفق زيدان غرد قائلا : سيسجل التاريخ بأقذر حروفه صمت أمة تباد حواضرها دون أن يرف لها جفن و هي تنتظر  دورها في عملية الابادة .

 

 

ولعل في كلمات الشاعر العربي المعروف عبد الرحمن العشماوي ما يلخص حال العرب مع محنة حلب ومأساتها حيث غرد تحت الوسم بالقول :

خجلت من حلب الشّهباء يطحنها    جيش الغزاة وجيشُ العُرْب لم يصل

خجلتُ من صرخة الطفل التي انطلقتْ   ولم تجد نخوة الإنقاذ من رجلِ

 

 

وفي تغريدة أخرى قال :

حلبَ الأمجادِ لا عُذرَ لنا   دَمُكِ المسفوحُ بحرٌ لَجِبُ

ربّما يَغرق في لُجّتِه    من تَغاضَوا ذِلّةً وانسحبوا