حتى نعي أبعاد منع الأذان في القدس
23 صفر 1438
أمير سعيد

بتجريد المسألة إلى مفرداتها الأولية:
دخيل يأتي إلى دارك يحتله بالقوة ثم يقول لك لا تنطق، صوتك يزعجني، كان اليهود أقلية صغيرة جداً في فلسطين، هاجروا إليها بمساندة من بريطانيا وزاحموا المسلمين الفلسطينيين في وطنهم.. ثم أعلنوا دولتهم المدعاة، سرقوا الأراضي ونهبوا الديار  وتحكموا في العباد، وسيطروا على المسجد الأقصى ثم جاءوا من بعد يقولون للمسلمين: "صوت الأذان يزعجنا"!

 

قُدم مشروع قرار  للكنيست الصهيوني، وحصل على مصادقة من لجنة خاصة، وتأييد من رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ، جاء في نصه: "مئات آلاف الإسرائيليين يعانون بشكل يومي وروتيني من الضجيج الناجم عن صوت الأذان المنطلق من المساجد والقانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذراً للمس بنمط ونوعية الحياة". أما نتنياهو فقد أيد المشروع قائلاً: "لا يوجد أي نص ديني يبيح إزعاج الناس بمكبرات الصوت، ولا يوجد أمر من هذا القبيل بالدول العربية أو الأوروبية"!

 

( 1 )
الدول العربية التي أشار إليها نتنياهو لم تنتفض مستنكرة هذا الادعاء، ولا مدافعة عن حق المصلين في سماع نداء الصلاة، وحدهم الأطفال في القدس، صدحوا بالأذان من فوق أسطح منازلهم مبرهنين على بقاء هذه الأمة حية ، وهذا البرهان يحدونا إلى نفكر  في الأمر ملياً؛ فهذا العمل بحد ذاته رائع، وقد سمع الأطفال وهم يرفعون الأذان بمنتهى الجدية، ولم نسمع منهم ما ألفناه من الأطفال من مزاح وضحكات في مثل هذه الأمور التي يتشاركون فيها عملاً واحداً. سمعناهم جادين كما لو كانوا علماء أو مفكرين أو مجاهدين.. هذا بشير خير، لكن أيكون هذا هو منتهى مقاومة الأمة الكبيرة لهذا الإجرام الصهيوني؟ أيتوقف حد جهادنا عند الخط الذي رسمه لنا الأطفال بحناجرهم الغضة؟!

 

( 2 )
إن ما يتعين أن يأخذه مفكرو الأمة وعلماؤها على عواتقهم هو أن عملاً جهادياً أو نضالياً كهذان يكتب له النجاح ما لم يكن ديمة، وما لم يكن عبقرياً في مناهضته لعدوان الآخرين، وإلا فإننا سنستمر في علق جراحنا واحداً تلو الآخر، من بعد أن نعدد بطولات الأفراد. لا تنجح مثل هذه المبادرات ومثلها التضحيات التي لا يفتؤ الأفراد يقدمونها في كل ديار الإسلام المهيضة إلا في محيطها الضيق، وإلا في صعيدها التعليمي والتعبدي المحدود، أما القيام بواجب التصدي فدونه خطوات عظيمة، وأفكار مبدعة، وأعمال مستمرة، وجهود لا يمل أصحابها ولا يكلون.

 

( 3 )
يدرك أعداؤنا برصيد تاريخ صراعهم معنا أن نفسنا طويل، ومثلما يواجهوننا بسياسة "الصدمة"؛ فإنهم يعملون على التصدي للصدمات أيضاً، فهم يفاجئوننا بجريمتهم ثم يحتشدون لامتصاص الصدمة فإن مرت، اطمأنوا ونفذوا خطوتهم التالية.

 

 

لابد أن نعي هذا، ونعي أن جريمة كتلك ستمر وسيمنع الأذان ليس في القدس وحدها بل سيمتد النموذج ما لم تكن للأمة استراتيجية مواجهة ومشروع نهضة..